المحتوى الرئيسى

6 سنوات على الثورة السورية.. المفاوضات تفشل والميدان مستعر

03/15 14:41

في الذكرى السادسة لانطلاق الثورة السورية التي تحولت إلى الحرب الأكبر والأكثر تعقيدا في القرن الواحد وعشرين حتى الآن، لا يزال البحث عن السلام جاريا كعادته لكن بدخول محور الأستانة الجديد، ولا تنفك المعارك في التعقد بنشوب الخلافات الأبدية بين الأطراف السورية من جهة والإقليمية من جهة أخرى، مع استمرار التهديد الإرهابي على الأرض.

وبعد مرور 6 سنوات على بداية الأحداث التي كانت شرارتها احتجاجات في أنحاء مختلفة من سوريا ضد الرئيس بشار الأسد وحكم عائلته الذي يرجع إلى 40 عاما مضت، يبدو الآن أن الأسد تمكن من إحكام قبضته على السلطة رغم المطالبات الشعبية ثم الدولية بعزله منذ اندلاع الثورة مرورا بمختلف مراحل الحرب الأهلية.

وفي مارس/آذار 2011، كانت انتفاضات الربيع العربي قد أطاحت بالفعل بالرئيسين التونسي والمصري واستمرت بعد ذلك لتطيح بنظام الحكم في ليبيا واليمن، أما في سوريا تحول الأمر إلى حرب لا هوادة فيها عندما رد الأسد باستخدام القوة دون قيود، حسبما أوضح تقرير للجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة ضمن مصادر أخرى عديدة. 

وتنبأ زعماء غربيون من بينهم أوباما بأن الأسد سيسقط بسرعة، إلا أنه استمر في موقعه بفضل استخدام موارد الدولة والدعم الذي تلقاه من إيران وحزب الله اللبناني ثم أخيرا روسيا، وقاتل المعارضة ليصل الوضع إلى طريق مسدود.

ورغم سقوط بين 300 إلى 500 ألف قتيل خلال الحرب الدامية، ونزوح نصف السكان عن ديارهم، لتولد أسوأ أزمة لاجئين شهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، لا يزال الصراع أبعد ما يكون عن النهاية بعد انقسام سوريا إلى مجموعة جيوب يحكمها أمراء حرب وقيادات معارضة.

وتضم الأراضي السورية حاليا تحالفات عدة أو كما يطلق عليها بعض الخبراء "حرب عالمية" لكن على مستوى أصغر، فالولايات المتحدة على رأس التحالف الدولي باتت تدعم فصائل كردية لمواجهة "داعش" بعد صرفها النظر عن الأسد، وتركيا تدعم فصائل معارضة في الشمال لحماية حدودها، بينما تدعم روسيا وإيران الحكومة السورية، ويبقى تنظيم "داعش" الإرهابي عدو الجميع لكن مسيطرا على مناطق كبيرة في سوريا.

أصبحت للأسد اليد العليا في ساحة القتال، وفي حين لا يعتقد سوى قلة قليلة من المراقبين المحايدين بإمكانية انتهاء الصراع قريبا فلا أحد تقريبا يعتقد أنه بوسع الأسد استعادة السيطرة على البلاد بأكملها رغم إصراره الشديد على ذلك.

فخلال مفاوضات متقطعة دارت على مدى 5 سنوات بين الحكومة والمعارضة تحت رعاية الأمم المتحدة وواشنطن وموسكو، والآن برعاية روسيا وتركيا في أستانة، كان رحيل الأسد هو النقطة الشائكة، أما الآن فقد أصبحت نقطة البداية هي بقاء الأسد.

ويقول روبرت فورد السفير الأمريكي السابق لدى دمشق، والذي استقال احتجاجا على تردد الرئيس السابق باراك أوباما في الشأن السوري ولا يزال على اتصال بكثير من أطراف الصراع، "علينا أن نكون واقعيين. فهو لن يرحل.. بعد حلب لا توجد أي فرصة فهذه هي نتيجة الانتصار العسكري الذي حققه".

وبالفعل بات موقع الأسد أقوى من السابق، فبدعم المليشيات الشيعية ومقاتلي حزب الله اللبناني وكلاهما مدعوم من إيران، وكذلك بدعم الجيش الروسي بكل فصائله جوا وبحرا وبرا، استعادت قوات النظام السوري العديد من المناطق التي خسرتها لصالح "داعش" أو فصائل المعارضة المختلفة.

وتشترك روسيا وإيران حاليا مع تركيا في الإشراف على محادثات جديدة للبحث عن السلام أو حتى هدنة توقف نزيف الدم السوري، وهي مفاوضات تجري في أستانة عاصمة كازاخستان، يتوافق، اليوم الأربعاء، ثاني أيام جولتها الثالثة في عزوف واضح عن المشاركة من بعض فصائل المعارضة التي فقدت ثقتها في روسيا.

ولا أحد يتوقع التوصل لاتفاق سلام أيضا؛ إذ يبدو أن كل الأطراف الخارجية تأقلمت مع بقاء الرئيس السوري، حيث يتوقع كثيرون على أحسن الفروض هدنة تخضع للمراقبة لفترة طويلة من الوقت في مساحة كبيرة من الأراضي السورية التي ستقسم فعليا بين القوى المتناحرة.

المعارضة السورية أكثر أطراف النزاع الذي شهد تغيرات ميدانية وسياسية على مدار 6 أعوام، فتقسمت إلى عشرات الفصائل بعضها موالية للإرهابيين وأخرى تحارب الأسد من أجل بقاء سوريا، وغيرها تسيطر على جيوب ومناطق صغيرة سعيا فقط للحفاظ على عائلاتهم من الموت والنزوح. 

وخسرت المعارضة الكثير من الأراضي على مدار الحرب الأهلية، لكنها لا تزال مسيطرة تماما على كامل محافظة إدلب (شمال غرب) وأجزاء كبيرة من درعا والقنيطرة في الجنوب، كما تقاتل قوات النظام السوري في الغوطة الشرقية بريف دمشق، وتشارك الأكراد أيضا أراضي في الشمال، وتحافظ فصائل منها على بعض الأراضي في حلب أكبر محافظات سوريا. 

وتصر المعارضة السورية حتى اليوم على رحيل الأسد عن الحكم في سبيل التقدم بالحل السياسي لإنهاء النزاع، وهو أملا يبدو بعيدا مع تركيز القوى الدولية حتى تركيا وأوروبا والولايات المتحدة على محاربة الإرهاب، وصرف نظرهم عن جرائم الأسد ضد المدنيين. 

ولم تشارك فصائل المعارضة في الجولة الثالثة من حوار الأستانة، وأرجعت عدم حضورها إلى عدم وفاء النظام السوري وحليفته روسيا بوقف إطلاق النار الأخير المتفق عليه قبل أولى جولات الأستانة في 30 ديسمبر/كانون الثاني الماضي.

بقرار من أنقرة في أغسطس/آب الماضي، دخلت قوات تركية الأراضي السورية من الشمال لتخطو بنفسها في مستنقع لا يبدو أنه سيجف قريبا، خاصة مع فقدانها لعدد من جنودها، ساعية إلى طرد إرهابيي "داعش" وكذلك الأكراد من على حدودها الجنوبية خوفا من تحالف بين الأكراد السوريين والأتراك.

لكن التدخل التركي لم يتوقف تأثيره عند الحدود، فبعد طرد الإرهابيين من جرابلس في الشمال قدمت أنقرة دعما لفصائل معارضة بالجيش السوري الحر، سعيا لاستعادة بلدة "الباب" شمال حلب، وأيضا مدينة "منبج"، إلا أن تلك الأخيرة تسببت في صدام تركي-أمريكي، لأن منبج كانت بالفعل في يد قوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية والتي تدعمها من الولايات المتحدة.

ومنبج هي إحدى المدن الأكثر تعقيدا في الحرب السورية، ويتوقع أن تكون محل صدام بين تركيا وأمريكا وروسيا أيضا، حيث تسعى أنقرة لطرد الأكراد منها إلى شرق نهر الفرات، في وقت تتقدم فيه قوات النظام السوري من الجنوب مدعومة من روسيا وعينها على المدينة.

وتركيا تدعم فصائل المعارضة المختلفة في محادثات "أستانة 3"، التي تجري بإشراف روسي-تركي، إلا أن أنقرة قد تكون تخلت هي كذلك عن رحيل الأسد، وهو أحد البنود الرئيسية التي لا تزال المعارضة متمسكة به بقوة.

لا تزال الولايات المتحدة عازفة عن نشر قوات في الأراضي السورية، لكن من الصعب التكهن بما تحضره إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي تختلف نظرته كثيرا عن سلفه أوباما، غير أن واشنطن تنفذ غارات جوية، وتمد قوات سوريا الديمقراطية بالسلاح والدعم اللوجستي، كما ترسل مستشارين لتدريبهم على القتال.

وتحولت أهداف التحالف الدولي بقيادة أمريكا داخل سوريا بعد اجتياح "داعش" للأراضي السورية والعراقية في يوليو/تموز 2014، فبعد الإصرار على عزل الأسد، باتت التركيز فقط على مكافحة الإرهاب المتفشي والمتمثل بشكل كبير في تنظيمي "داعش" و"القاعدة".

وتضع واشنطن عينها الآن على الرقة، العاصمة المزعومة لتنظيم "داعش"، خاصة مع قرب نهاية معركة الموصل بالعراق، فقوات سوريا الديمقراطية التي تدعمها تضغط من الشمال والغرب على المدينة حيث قطعت مؤخرا طريق إمداد رئيسي للإرهابيين يصل بين دير الزور والرقة.

ورغم أنه لا يمكن القول إن أمريكا لم يعد لها دور كبير في المفاوضات السورية، لكن التدخل الروسي في سبتمبر/أيلول 2015 كان تأثيره الأكبر بعد انتصارات الأسد، على الصوت الأمريكي في الحرب السورية، حيث باتت موسكو وأنقرة تقودان المفاوضات ثم يتم تسليمها بعد ذلك للأمم المتحدة.

شكل دخوله تغييرا شاملا في الحرب الأهلية السورية، وهو أحد الأسباب الرئيسية في جعلها "حرب القرن"، حيث تسبب اجتياح التنظيم الإرهابي لأجزاء كبيرة من الأراضي السورية في 2014 إلى تحول وتغير الكثير من السياسات والرؤى المحلية والإقليمية.

لكن التنظيم الإرهابي بات محاصرا إلى حد كبير بعد خسارة الكثير من أراضيه على مدى العامين ونصف الماضيين، حيث تضغط المعارضة المدعومة من تركيا في الشمال الغربي، بينما يقاتلهم الأكراد بدعم أمريكي من الشمال والشمال الشرقي، في حين تضغط قوات النظام السوري بدعم روسي من تدمر (وسط) ودير الزور (شرق).

ورغم توجه الأزمة السورية بشكل عام إلى المجهول في الوقت الحالي مع ازدحام ميدان المعركة بعشرات الفصائل المسلحة وعدة قوى إقليمية بأجندات مختلفة، إلا أن نهاية "داعش" في سوريا تبدو في مرحلة "بداية النهاية"، مع وقوعهم في بؤرة التركيز الدولي وامتداد خطرهم إلى جميع دول العالم.

ويتوقع أن تكون معركة الرقة الأكثر شراسة ضد التنظيم الإرهابي الذي تقدر أعداده بعشرات الآلاف من المسلحين بأسلحة ثقيلة ومدافع ويطورون من أنفسهم بطائرات بدون طيار وأسلحة كيماوية وغيرها، ويحوطون المدينة بالخنادق والممرات، استعدادا لمعركة الفصل.

وفي مقابل كل ذلك، يرى خبراء ومراقبون أن التقسيم هو النهاية الأرجح للحرب السورية، وأن السبيل الوحيد لتفادي التقسيم هو استعادة النظام السوري أراضي البلاد كاملة، وهو ما قد يستغرق سنوات.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل