المحتوى الرئيسى

ربك رب قلوب

03/15 13:27

عبارة استوقفتني لأضع كأس القهوة جانباً، أطوف العالم في ثانية وأطرح جميع الأسئلة التي راوغتها منذ زمن؛ لأتساءل بيني وبين نفسي خلسة عن أعين الناس المتحملقة: ألست على الطريق الصحيح؟ أين طريق الله؟ أيغفر الله لي بالرغم من التغافل؟ وأينا يسير في الطريق الصحيح؟ أسئلة من بين أخرى نخاف أن نجاهر بها كي لا يشكك في إيماننا، كي لا يتهمونا بالحياد عن طريق الله، كي لا يرجمونا بنظراتهم التي تقوس الظهر ولا تزيدنا إلا مخاوف وضياعاً، لكن من هم كي يحاسبونا؟

نتجنب كل هذه الأحداث وننزوي وحدنا نصارع الذات لأتوسل أخيراً إلى جواب.. ربك رب قلوب.. وحدها حملتني إلى السماء وطافت بي كل الأمكنة كي تمنحني الطمأنينة.

نضيع ونضيع الكثير في رحلة بحثنا عن أنفسنا وهويتنا الضائعة وسط مجتمع تبنى الإسلام في الدستور وأنكره على أرض الواقع.

مجتمع أجهض مبادئه وتبرأ من أبنائه من غير أولئك العصاة الذين مصوا دماءه واغتنموا من خيراته.. مجتمع يحلل كل شيء، ويفتي في كل شيء حتى عاهراته يحاضرن في الشرف وضرورة التطهر من الغلو وأن نتبنى إسلام اليوم، لكن هل كان هنالك إسلام للبارحة ليكون آخر لليوم؟ أو أننا نبدأ الاثنين بإسلام ونختمه بسهرة السبت بإسلام آخر، وهل الإسلام طبق تقدمه لك أمك كل يوم فبدأت في عزل ما تحب وما لا تحب؟

مجتمع يغوص في مستنقع الممنوع المرغوب والممارس بعيداً عن أعين الرقابة حين تسدل الشمس ستارة العتمة ويتسلل الظلام إلى قعر نفوس الناس؛ كي يستوطنها ويحرضها على الذنب تحت مسمى التحرر، وما هذا إلا عبودية وتملك غرائز النفس.. مجتمع سيهاجمك إذا التزمت ويتهمك بالتزمت، وأنه لا جدوى من كل هذا، كما سيوجه لك أصابع الاتهام إن أنتِ لبست الفساتين القصيرة، هو سيجعلك المجرم في جميع الأحوال وينسى نفسه، فلطالما وُجدت في الرجال والنساء أنواع تهاجم بعضها البعض، ولا تعرف أن الاختلاف جوهر الإنسانية.. فهنالك فتيات الحانات الليلية وسيجارتي حريتي وفتيات حجابي عفتي ونظرية الحلوى الفاسدة التي شيأت المرأة، وجعلت من كيان مجرد فنيدة لها غطاء.. وفتيات ما بين الفئتين لا يبحثن عن أي شيء سوى رجل كي يسترن.. فلماذا بالأصل يعتبرن أنفسهن عاريات لأجل غطاء هو رجل؟ وألست أنت نفسك الفنيدة المغطاة؟ وألست أنت من في مجالس الرعونة تحملين شعار أنا حرة و"ما كاينش معامن"؟.. وهنالك أيضاً تلك الفئة التي سارت إلى الغلو كي تنغمس في العالم كأن لا غد لها ولا مستقبل..

تستفيق غالباً كي تنادي ما بعد سن الأربعين شقتي رجلي الذي يشعرني بالأمان.. وهنالك في الطرف الآخر رجال السكيزوفرينيا.. يريدها أما بالنهار طاهرة تتقن الطبخ والغسيل وبالليل امرأة تتقن العهر بأناقة ترفعه إلى السماء السابعة؛ كي ينسى معها كل شيء وأي شيء كان يشغل باله.. هو يريدها مثقفة لكن ليس بقدره.. جميلة لكن غير واثقة من جمالها.. مهنية لكن أكبر طموحها رجل لا يهرب.. وآخر يريدها مغلفة من الخارج فارغة من الداخل؛ كي يملأ روحها الضائعة بتفاهته.

فلمَ الغلو والطغيان؟ ألسنا أمة الوسط والاعتدال؟ ألم نكبر على مقولة: اعمل لدنياك كأنك فيها أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً؟ فلمَ أصبحنا نمسك الحياة من أحد الطرفين وننسى الآخر ننسى أننا بشر وأن الحب فطرة فينا؟!

إن تساؤلاتنا حول سر وجودنا تأخذنا غالباً في دوامة بعيدة وإلى عاصفة ما نحن بالقوة الكافية لمواجهتنا.. فيتجه البعض إلى المقابر ولا يرى غير يوم الحساب ويعيش وهم العزلة المنجية التي غالباً ما تضحى مرضاً ولربما تطرفاً؛ ليمشي آخرون في طريق الليالي الحمراء المليئة بالصخب وندم يزول مع كل كأس مسكرة تصحب الناس إلى السماء السابعة؛ كي يستفيقوا في سابع أرض مليئين بكدمات يا ليت وهكذا هو الواقع.

بينما البعض منا يختبئ في غيابات الجب حتى تمر العاصفة كي يضع كل معتقداتها من السلة ويبدأ في الانتقاء ومعرفة الطريق المناسب لأن يسلكه.. إنه صراع صعب لا يعترف به جلنا؛ كي يهرب في هذه النقاشات الدينية إلى تبني إيمان مطلق مبني على السلام عليكم الذي لم يتفكر يوماً في معناها بل تجده لم يتأمل يوماً الفاتحة.. مشكلتنا أننا تعلمنا أن نتهرب من كل شيء، وأن ننتظر معجزة من السماء.. لكن عهد المعجزات ولَّى، وهذا عصر الإنجازات.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل