المحتوى الرئيسى

بعد 20 يوم على النزوح.. كيف يعيش أقباط العريش في الإسماعيلية؟

03/15 13:27

تصوير - روجيه انيس :

مضى أكثر من أسبوعين، على انتقال حوالي مائة أسرة مسيحية من العريش إلى الإسماعيلية، نتيجة مقتل سبعة أقباط على يد مُسلحين في شمال سيناء. وبعدما اتسعّت عدسات الكاميرات لحكاياتهم، وانهالت كلمات المسئولين عنهم؛ خفتت الضجة، وصاروا في مواجهة مع مصيرهم؛ بين رتابة لم يعتدَ عليها الأهالي، خوف يكاد يقتلهم على أملاكهم التي تركوها، وقلق مما يحمله المستقبل.

تواصل مصراوي مع بعض الأسر لمعرفة ما آلت إليه أحوالهم خلال تلك الفترة؛ بعضهم يبحث بدأب عن عمل، آخر تراوده فكرة العودة للعريش، ثالث مرحب بما قدمته الدولة لهم، فيما يستاء أحدهم الوضع الحالي.

منذ انتقال سامح منصور وأسرته إلى الإسماعيلية، تغيرت الظروف للأفضل نسبيا "أي حاجة بعيدة عن اللي بيحصل في العريش حلوة".

أول أمس، استلم منصور الشقة التي وعدت بها المحافظة الأسر "مساحتها حوالي 60 متر وحماتي قاعدة معانا فيها". على عكس بعض المتضررين من حجم المسكن الجديد، لم يجد المواطن السيناوي أزمة، إذ أن مساحتها تُقارب شقته التي تركها، غير أن الأخرى كانت ملكه، فيما الحالية مؤقتة.

عندما اطمئن منصور لحصوله على مسكن، بدأ محاولات نقل عمله "كنت بشتغل موظف في مجلس مدينة العريش"، يستلزم تغيير محل العمل إجراء انتداب "قالولي سهل يتعمل وورقي هيتبعت بالفاكس"، كما علم أن إجراءات نقل ولديه من مدرسة في العريش إلى الإسماعيلية يسيرة.

حتى يحين موعد دخول المدرسة، تُحاول زوجة منصور استرجاع المناهج مع ولديها، البالغ عمر أكبرهم 9 سنوات. ورغم صعوبة الأمر، إلا أن الضغط النفسي على الطفلين خفّ كثيرا "كانوا بيقوموا مفزوعين من صوت الضرب.. دلوقتي بقوا يلعبوا".

لم يُعانِ منصور بسبب روتين الإجراءات الرسمية حتى الآن "الناس بتتعامل معانا كويس جدا"، لعل ذلك ما يُهوّن الحالة النفسية السيئة التي عايشتها الأسرة قبيل الهروب.

"جدة الأولاد لسة في حالة صدمة بعد اللي حصل لجوزها".. قبل الرحيل من العريش بأيام، اقتحم مُسلحون منزل السيدة نبيلة، قتلوا زوجها أمامها، وأحرقوا جثة ابنها، ومنذ تلك اللحظة، صارت أسرتها بالأكمل مُهددة بالموت، وضمنهم منصور "عشان كدة سيبت كل حاجة ورايا.. شقتي وعفش جوازي.. وسنين طويلة ميعوضهاش العيشة في قصور".

مفاتيح الشقة كانت مما تركه منصور لأحد أصدقائه في العريش "بيبص عليها كل شوية ويطمن"، يتصل الشاب بصاحبه يوميا "هو كمان بيقولي إسأل لي على شقق عشان عايزة أجي.. الحالة هناك صعبة على المسلم والمسيحي"، مبلغ آمال الأب حاليا أن يتمكن صديقه من إحضار أثاث عش الزوجية.

يعرف منصور أن مسكن المحافظة ليس دائما "بدأت ادور على مكان تاني". لا ينوي ترك الإسماعيلية "هادية وفيها من روح العريش شوية". تبدو الأيام القادمة غامضة بالنسبة للأب، لكنه يصرَ على اصطحاب أسرته بأكملها إلى طبيب نفسي، لربما يُخفف عنهم ما رأوه.

على عكس منصور، فالعودة إلى العريش تراود ذهن عماد قدري، إذ يعصف به التفكير في ملامح المستقبل.

كان يعمل قدري سباكا في العريش "أرزقي ومليش دخل ثابت". وحينما جاء إلى الإسماعيلية، استقر رفقة أسرته المكونة من 3 أبناء وزوجة، في بيت الشباب، ولأول مرة منذ قدومه، تسلم أول أمس، ظرفا يحمل مبلغا ماليا، من إحدى كنائس البحر الأحمر.

لم يُدرج اسم الشاب ضمن قائمة الـ48 أسرة المنتقلة إلى مساكن المستقبل مؤخرا، ورغم أن الاستقرار في الإسماعيلية يبدو مطمئنا "بس بسأل نفسي هصرف منين". دفعه هذا الهاجس إلى التجول بمدينة الإسماعيلية بحثًا عن عمل، وعندما لم يجد فرصة تلائم خبرته، فكر في الرجوع للعريش بصحبة صديق آخر "هنا قلقانين من ظروف الحياة، وهناك من الموت، يبقى مش هيفرق مادام القلق مشترك في الحالتين".

"أخرة القعدة هنا إيه؟ المسئولين بييجوا يتصوروا ويمشوا، ومحدش بيتكلم معانا".. يلفظها قدري بضيق، قبل أن يعبر عن مخاوفه "خايف من اللحظة اللي هنتنسي فيها، ساعتها محدش هيسأل فينا".

52 مسكن هو العدد المُتبقي ليغطي الأسر القادمة من العريش، حسبما قال اللواء ياسين طاهر، محافظ الإسماعيلية، لمصراوي.

وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي، قد اجتمع بقيادات حكومية في 25 فبراير الماضي لتقديم الدعم للأسر، وأعلن مجلس الوزراء عن وجود غرفة عمليات لمتابعة الأزمة، فيما تم التنسيق بين عدة جهات، بينها وزارة التضامن الاجتماعي، الشباب والرياضة ومحافظة الإسماعيلية لتوفير المساكن لأهالي العريش، بداية من نُزل الشباب، وانتهاءً بتوفير شقق مؤقتة لهم في مساكن المستقبل.

في بيت الشباب مازال ينتظر روماني شكري دوره للحصول على مسكن. تمر أوقات الشاب ذو 28 عاما ببطء في ظل عدم وجود وظيفة. اعتاد العمل بأحد مصانع البلاستيك في العريش، ما وفّر له دخلا جيدا، فيما الوظائف المعروضة عليه حاليا لا يزيد راتب أحدها عن "1200 جنيه في الشهر".

لا يتنمّر ابن شمال سيناء على وضعه الحالي، فقط يتذكر في أسى حال منزله في العريش "كان دورين مساحته 90 متر". لم يتسنَ له إحضار أي شيء يخص البيت معه "مخدتش إلا البطاقة.. سيبت ورق الجيش والبيت وجزء من دهب مراتي"، يمتنّ لخروجه حيًّا من معقل الموت، إلا أنه يخطط للنزول إلى القاهرة "لينا معارف هناك وممكن يساعدونا نشتغل".

ضمن 47 أسرة أخرى، استلم عادل مجدي، 28 عامًا، شقة في مساكن المستقبل بالإسماعيلية، السبت الماضي، تحتوي على 3 أسرّة، وعدد من الأجهزة الكهربائية.

وبينما يحكي مجدي تفاصيل الانتقال إلى "المستقبل" لمصراوي، يعرف أن أول شيء عليه فعله هو تشغيل السخّان، للاستحمام، بعد مدة قضاها في نزل الشباب، مضطرا لاستخدام دورة مياه مشتركة مع آخرين.

ثلاثة أسّرة بالنسبة لمجدي تفيض عن حاجته، إذ يسكن بالشقة هو وزوجته فقط، لكن والده وأشقائه، وعددهم 6 أفراد، يعانون من زيادة عددهم نسبة إلى الأسرّة بشقته، لذا فكر الابن بتقديم واحد لهم، لكن قيّدته ورقة وقع عليها لوزارة التضامن الاجتماعي، تفيد بتعهده بالحفاظ على مستلزمات الشقة المقدرة بـ150 ألف جنيهًا. ولا تشير تلك الورقة التي لا يملك نسخة منها، إلى ملكيته للشقة أو استئجارها، بينما الشئ الوحيد الذي يربطه بها هو المفتاح.

"الشقق بالفعل هي دور لضيافة أهالي العريش بشكل مؤقت".. هكذا صرّح محافظ الإسماعيلية لمصراوي، مضيفا أنه مهما طالت المُدة التي سيبقى فيها أهالي العريش في المساكن، فهي مؤقتة "لازم في يوم من الأيام يرجعوا بيوتهم".

تثير هذه الورقة القلق في نفس مجدي، إلى جانب قلقه نتيجة عدم حصول والده على مرتب مماثل لما كان يتقاضاه خلال عمله موظفا في الإدارة التعليمية. تضيق الحالة المادية بالشاب، وزاد الخوف حينما سمع عن سرقة منزلين لأصدقائه بالعريش بعد تركهما، فيما يخطط الآن للبحث عن عمل "كنت شغال نجّار مسلح والدنيا كويسة.. ذنبي إيه أتبهدل كدة؟".

عقب اندلاع الأزمة، كلّف محمد سعفان، وزير القوى العاملة، مدير مديرية الإسماعيلية بتوفير فرص عمل للأهالي القادمين من شمال سيناء، ورغم أن ثمة فرص لا تبدو مُناسبة لبعض النازحين، يقول اللواء ياسين طاهر إن تلك المهن هي المُتاحة، مضيفا أن المحافظة لم تبخل بأي شيء على نازحي العريش.

بعد الاستقرار في الإسماعيلية بأيام علم بطرس إسحاق بوجود فرصة عمل في مصنع للسيارات، ذهب لإجراء المقابلة "وهناك طلبوا مني إجراءات مينفعش أعملها إلا في العريش". اشترط العمل الذي تقدم له الشاب العشريني تصفية الضرائب ودفع التأمينات المتبقية على عاتقه، إذ كان يملك محل للبقالة في العريش، غير أن ظروف الانتقال لم تمكنه من تصفيته كما ينبغي، فباع جزء من البضاعة، وترك ما تبقى منها مُجبرا.

عام 2007 قرر ابن العريش الذهاب إلى ليبيا للعمل، بقي هناك لـ3 سنوات، قبل أن يعود مرة أخرى ويبني منزله في حي المساعيد. وعقب ثورة يناير اضطرته الظروف المعيشية السفر إلى ليبيا مرة أخرى "بس رجعت لما داعش قتلت 21 مسيحي سنة 2014..". ملأ الفزع قلب الشاب، آثر العمل بالقرب من منزله، دون علم أنه سيتركه عام 2017.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل