المحتوى الرئيسى

أحزاب شمال إفريقيا الإسلامية تقدم دروسا فى العلمانية

03/14 22:06

نشر معهد Chatham House مقالا لـ«محمد مصباح» ــ زميل ببرنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ــ حول الأحزاب الإسلامية وبخاصة تلك الموجودة بدول شمال القارة الأفريقية وتحولهم من التشدد الفكرى بأيديولوجياتهم إلى الاعتدال فى طرح الرؤى والبرامج وصولا إلى مطالبة بعضهم بالعلمانية وفصل الدين عن السياسة وذلك كما حدث فى تونس والمغرب.

يستهل الكاتب المقال بالتطرق إلى ترامب وإداراته الجديدة التى استعدت سريعا لإعلان جماعة الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا، وكيف أن ذلك يعد خطأ كبيرا من شأنه تقويض قدرة التنظيم على تطوير آليات عمله للتكيف مع مستجدات الواقع بشكل عملى.

جدير بالذكر أن تجربة الأحزاب الإسلامية فى المنطقة العربية ــ مثل حزب النهضة التونسى وحزب العدالة والتنمية المغربى ــ تسلط الضوء على أهمية المشاركة السياسية واعتبار أن تحقيقها يأتى من العلمانية وليس فقط الاعتدال فيما يتناولونه من قضايا وأمور.

فى السياق ذاته فمنذ صعود الأحزاب الإسلامية إلى السلطة أواخر عام 2011 لوحظ تطور ملحوظ تمثل فى تحول كبير ببرامج هذه الأحزاب الأيديولوجية، فمثلا اختفت بشكل كبير الهوية الإسلامية وأصبحت تتطرق أكثر إلى قضايا مثيرة للجدل غير القضايا الدينية؛ كالتعددية الثقافية وحرية التعبير، حتى أنها قد نأت بمسمياتها وأوصافها بعيدا عن الإسلام أو الإسلام السياسى ودشنوا عهدا جديدا لوجودهم على الحياة السياسية.

يضيف «مصباح» أن آليات العمل الجديدة لحزب العدالة والتنمية وحزب النهضة تؤكد أن الحركات الإسلامية قادرة بالفعل على تغيير أيديولوجياتها من أجل التكيف مع المواقف والمستجدات التى تطرأ وتتطلب العمل كأطراف غير مصنفة على أنها إسلامية. فى حالات كحزب النهضة وحزب العدالة والتنمية، يتضح كيف أنهما تمكنا من إيجاد المساحة والفرصة للمشاركة فى المشهد السياسى ببلادهم كأحزاب شرعية معترف بها لا تهدف فقط إلى الاعتدال بل إلى العلمانية أيضا. هذا يتجاوز مجرد فكرة الاعتدال وينتقل إلى خطوة أكثر تقدما تنبذ العنف وتقبل بالمشاركة السياسية.

على صعيد آخر تأتى جماعة الإخوان المسلمين والتى كانت معتدلة إلى حد كبير حتى الأحداث التى اندلعت بالدولة المصرية عام 2013 وخروجهم من السلطة إلا أنها لم تتمكن من التكيف بعد ذلك مع مجريات الأمور ــ من حيث الحفاظ على النهج المعتدل. لكن حزب النهضة وحزب العدالة والتنمية على حد السواء قد تميزا بالاعتدال بل والعلمانية. تتضمن العلمانية أن يتخلى الحزب الإسلامى عن خطابات الأسلمة، وأن يفصل الأنشطة الدينية عن السياسية وأن يشارك بشكل واضح فى النشاط السياسى بالبلاد بناء على حسابات عقلانية بدلا من أى أهداف دينية.

يقول الكاتب بأن عملية العلمانية من قبل الحركات الإسلامية قد بدأت من المغرب عقب التفجيرات الإرهابية التى نشبت فى الدار البيضاء عام 2003، حيث أدت إلى وضع الإسلاميين تحت ضغط شديد بل واتهامهم من قبل الأحزاب العلمانية الأخرى بأنهم مسئولون مسئولية أخلاقية عن الهجمات التى اندلعت؛ والتى فسرت من قبل المعارضين على أن مثل هذه الأحزاب الإسلامية قد وفرت المناخ الملائم لبروز التطرف الدينى وتطوره وصولا لمثل هذه الوقائع.

من أجل الرد على تلك الضغوط والاتهامات قام حزب العدالة والتنمية بخطوة استراتيجية مهمة للغاية تمثلت فى فصل الحزب عن الحركة الدينية، التى قام هو بتكوينها فى الأساس، «حركة التوحيد والإصلاح». هذا التقسيم كان بمثابة تكيف استراتيجى ساعد على أن يحافظ حزب العدالة والتنمية على ما هو عليه ككيان قانونى معترف به. لكن حقيقة الأمر أن ذلك الانفصال لم يكن كاملا ما بين الحزب والحركة، ولكنه كان بمثابة إعادة لتقسيم العمل بين قطاعات ثلاثة مهمة تمثلت فى النشاط الذى يقومون به، والخطب التى يلقونها، وثالثا وأخيرا القيادة. وتوصلت الحركة والحزب إلى وضع اتفاق تمثل فى أن يتولى الحزب الشأن السياسى، بينما يترك للحركة المهمة الدعوية والتعليمية.

عقب مرور ما يقرب من عشر سنوات ظهر حزب النهضة فى تونس وأغرته أيضا فكرة الفصل فيما بين الحزب والحركة الدينية. فى مارس عام 2015 قام بدعوة القادة من حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح من أجل مناقشة النموذج المغربى للفصل بين الهدف الدعوى والشأن السياسى، وعقب شهور قليلة تبنى الحزب بالفعل نفس النهج سواء فى الفصل بين الحزب والحركة، وبخاصة فى تقسيم العمل.

يوضح الكاتب أن كلا الحالتين (المغربية والتونسية) كان مقدرا لهما أن يكونا مجرد اعتدال من الناحية التكتيكية ولكن وصل الأمر إلى النواحى الأيديولوجية، وذلك قد أضفى مزيدا من الترسيخ لفكرة الاعتدال استجابة للتغيرات المجتمعية (ما بين تحرير اقتصادى ونمو اقتصادى وفقدان المشاركة بالانتخابات وتغيير تفضيلات الناخبين). إجمالا فإن ما حدث جاء بشكل كبير لكسب المزيد من التأييد الشعبى.

لاشك أن ما حدث يعد تطورا كبيرا ونقلة جديرة بالملاحظة والدراسة وبخاصة عند مقارنته بما كان شائعا فى السابق؛ مثلا فى عام 1997 كان مصطلح «الأسلمة» مدرجا بالبرنامج الانتخابى لحزب العدالة والتنمية وحتى قبل دخوله الحكومة، وجاء طرح ذلك الموضوع المتعلق بالأسلمة بشكل كبير على حساب قضايا أخرى مهمة اجتماعية؛ تجسد ذلك على سبيل المثال فى توجيههم النقد إلى الاحتفالات الموسيقية باعتبارها أداة للفساد الأخلاقى وكونها وسيلة تهدف لإبعاد الشباب عن هويتهم الإسلامية. لكن عقب وصولهم بالفعل للسلطة حاولوا قدر الإمكان البعد عن أى قضايا تثير خلافات أيديولوجية قد تؤدى إلى فقدانهم لحلفاء أو تكسبهم أعداء جددا. ليس أدل على ذلك مما حدث حينما أصدرت وزارة الداخلية قرارا بمنع إنتاج النقاب وتسويقه بالبلاد فى يناير الماضى، وجاء رد قائد الحزب وقتها أن ما حدث جاء لاستفزاز التشكيل الحكومى المتنوع من خلال العمل على إثارة قضية أيديولوجية خلافية وبخاصة مع نظرائهم العلمانيين، ولهذا التزم الحزب الصمت وأكد أنهم لن يردوا على مثل هذه القرارات التى لا تهدف سوى لاستفزازهم.

Comments

عاجل