المحتوى الرئيسى

جلال أمين: الثورات العربية ليست «ربيعًا» بل «مقلب»

03/14 21:47

قال المفكر الكبير والعالم الاقتصادى الدكتور جلال أمين إن من أسباب تخلفنا - نحن العرب والمصريين - عن الغرب، تقليدنا له فى الاستهلاك وليس الإنتاج، مشيرًا إلى أن التراجع حدث منذ نكسة 67 ولا تزال آثارها ممتدة حتى الآن، مؤكداً أن صانع القرار يكون لديه «حسن نية» لكن الضغوط الخارجية تعرقل أى خطوات للتقدم. واعتبر «أمين»، فى حواره مع «الدستور» أن ثورات 2011 لم تضف جديدا أو تغير من أوضاع المنطقة إلى الأفضل، بل على العكس، ازدادت الأمور سوءا معتبرا إياها «مقلبا» وليست «ربيعا».. وإلى نص الحوار:

■ أشرت فى كتابك «العالم ٢٠٥٠» إلى أن استشراف المستقبل، لا يأتى إلا بقراءة الحقب الماضية وتحليلها.. هل ما نشهده من أزمات اقتصادية مقدمة لحلول جذرية؟

- نحن نتحدث عن وجود أزمة اقتصادية منذ وعيت أنا على الدنيا، لكن بشكل أكثر دقة، بدأ الحديث عن الأزمة الاقتصادية منذ السبعينيات، بالتحديد بعد حرب ٦٧، وخلال العشر سنوات السابقة على هذه الفترة وتحديدا من ١٩٥٦ إلى ١٩٦٤ كان هناك نوع من الاستقلالية فى اتخاذ القرار، وكنا نسير اقتصاديا بطريقة جيدة، ولم يكن هناك حديث عن أزمة اقتصادية ذلك الحين، بل على العكس، كانت هناك أحاديث عن كيفية الانطلاق للمستقبل والتخطيط له، ورغم انتصارنا فى حرب ٧٣ واستردادنا ما كان محتلا من سيناء، ظل السادات يتحدث عن الأزمة الاقتصادية، وبدأت حكاية الاقتراض من البنك الدولى وصندوق النقد والدول الخارجية، ولم نخرج منها حتى الآن.

■ هل يعنى ذلك أن الأزمة الاقتصادية مصنوعة؟

- هى أكيد أزمة مصنوعة، لكن أنا أستخدم كلمة بكيد الكائدين، بمعنى أن هناك قوى خارجية ضد النجاح المصرى، فمن السبعينيات ونحن فى حالة لا تسر، وعلى الرغم من أن مبارك استمر يحكم من ٨١ إلى ٢٠١١ لم يحدث أى تقدم، ربما حدث من نواح محددة، لكن لم تتخذ حلول جذرية لحل هذه المشاكل الاقتصادية.

■ لكن فى سنوات مبارك الأخيرة حققت مصر معدل نمو وصل إلى ٧٪.. بم تفسر ذلك؟

- حكاية الـ٧٪ استمرت فترة من ٢٠٠٤ إلى ٢٠٠٨ عام الأزمة المالية العالمية، وكان أثرها سلبيا على مصر، فقد خفضت معدل النمو جدا نظرا لانخفاض الاستثمارات الأجنبية بشدة، لكن حتى فى عهد نظيف كان الوضع الاقتصادى أفضل مما جاء بعد الثورة. الحالة الاقتصادية بعد الثورة لها تفسيرات مختلفة جدا عما قبلها، ومنها عدم الوضوح السياسى، وعدم الاستقرار، وسوء حالة الأمن، ولا أحد يستثمر فى مثل هذه الظروف، والسياحة انخفضت بشدة، وهى مصدر مهم للدخل القومى، إذن الاستثمار والسياحة تضررا بشكل كبير، بجانب توالى حكومات منذ ثورة ٢٠١١ لا تمتلك أى رؤية، ولم تأت لتنفيذ خطط تنمية، ولنراجع وزراء التخطيط الذين مروا خلال هذه الفترة، لا أحد منهم معروف بأنه صاحب رؤية، وكذلك رؤساء الوزراء الذين أتوا بعد الثورة، لذا لم يكن منتظرا أن يقدموا شيئا، خاصة أنهم يعرفون أنهم جاءوا بشكل مؤقت، و«المؤقت» لا يخطط للمستقبل.

■ هل ترى أن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة ومنها تعويم الجنيه بداية لحل جذرى بعيدًا عن المسكنات التى كانت قبل ذلك؟

- إذا ما ضعفت السياحة والاستثمارات تقلصت العملات الأجنبية، فى حين أن الدولة تحتاج إلى الدولار لاستيراد احتياجات أساسية، مثل الغذاء ومعدات الإنتاج نفسها، وبالتالى لابد أن يرتفع سعر الدولار، والحكومة استجابت إلى السلطات النقدية وخضعت لما يحدث فى السوق الحرة ورفعت سعر الدولار، وهذه الزيادة ليس من أسبابها تعويم الجنيه، بل لأن حصيلتنا من العملة الأجنبية انخفضت. لم أتحمس لتعويم الجنيه، لكن يجب أن يتم بالتدريج مع محاولة حل المشكلة الأساسية، لأن التعويم لن يحلها، وإنما الحل من خلال زيادة إيرادات الدولة من العملة الأجنبية.

■ من ضمن المحاذير التى حددتها لمن يخطط للمستقبل ألا يفرط فى افتراض استقلال الإرادة، ولا قلة الحيلة والعجز، كيف يحقق صانع القرار معادلة متوازنة بين الأمرين، خاصة فى ظل المتغيرات العالمية؟

- أولا يجب افتراض شىء لو لم يكن موجودا فلن يجدى نفعا أى شىء، ألا وهو حسن نية «صانع القرار» وإرادته لأن يصلح إصلاحا حقيقيا، لكن إذا توافرت هذه النية سنواجه مشكلة الضغوط الخارجية، فى الوقت نفسه نتمتع ببعض الحرية فى الداخل، فمثلا المقررات الدراسية: ماذا سيقرأ الطلاب فى الكتب؟، هل سنسب الأقباط فى كتب الدين أم لا؟، وهل هذه المقررات ستحترم اللغة العربية أم لن تحترمها؟، هذه الإجراءات يمكن تنفيذها، ونفترض إلى حد كبير أن الخارج لن يضغط علينا فيها. لكن هناك أشياء مثل الموقف من مشكلة إسرائيل، الضغط الخارجى فيها كبير.

■ فى ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة التى تشير إلى تقلص حجم الطبقة الوسطى، كيف يمكن تحقيق ما أشرت إليه بأن مصر فى العام ٢٠٥٠ ستكون مشكلة مواطنيها وقت الفراغ؟

- الطبقة المتوسطة لا تتقلص بل تزيد كل يوم، ربما تكون فى «ضائقة» ومعذبة ومشاكلها كثيرة، إنما حجمها لا يتقلص، فطوال الوقت «فيه ناس من فوق نازلة، وناس من تحت طالعة» وهذا يغذى الطبقة المتوسطة. وكلما مر الوقت فإن التغيرات تتسارع معدلاتها، فما كان يستغرق حدوثه عشر سنوات فى الماضى أصبح يحدث فى خمسة أعوام فقط، ولن أتنازل عن مسألة أن وقت الفراغ سيصبح مشكلة فى المستقبل، لدينا الآن هذه المشكلة ونعانى منها، بدليل أنه عندما نسأل عن نسبة الناس والوقت الذى يقضونه أمام التليفزيون مقارنة بثلاثين سنة مضت سنجده ارتفع أكثر، هذا استخدام لوقت فراغ.

■ هل ستتقدم مصر بعد 10 سنوات مثلا؟

- من الممكن أن تتقدم فى أشياء وتتأخر فى أخرى، فمنذ عشر سنوات والعالم كله يمر بظروف غير ملائمة اقتصاديا، تحديدا منذ الأزمة المالية العالمية فى ٢٠٠٨ التى انعكست آثارها السلبية على مصر فى الاستثمارات والسياحة وفرص تصدير السلع. علينا أن نسأل: هل من المنتظر أن تستمر ظروف العالم الاقتصادية على هذا الوضع السيئ أم أنها ستتحسن؟، وهو من الصعب التنبؤ به، وإن كنت غير متفائل لأن القوى الدافعة لتدهور الاقتصاد العالمى كثيرة، منها دخول الشرق الأقصى فى المعادلة، خاصة الهند والصين، أصبحتا منافستين لأوروبا والدول الغربية بصفة عامة، وهو ما يسبب أزمة. سبب آخر لعدم تفاؤلى هو أننى لا أرى أن لدينا حرية إرادة، فحتى فى ظروف دولية سيئة كان من الممكن التصرف، وهو ما كان يحدث فى عهد عبدالناصر، فما يمنعنا من تكرار إنجازاته الآن هو الظروف الدولية، فهناك مقاومة لأى حاكم يفكر فى حماية بلده، كوضع أسوار جمركية عالية لحماية الصناعة الوطنية، مثلا، فهذا الأمر لم يعد أحد فى الخارج يقبل به، ومن يأتى للحكم لا يفكر فى هذا الاتجاه، «عشان كده أنا مش متفائل أوى بالـ١٠ سنين الجايين».

■ كيف يؤثر النمط الغربى الاستهلاكى على الاقتصاد وما مدى انعكاسه علينا؟

- نحن لم نتحرك فى الإنتاج كما تحركنا فى الاستهلاك، والمحاولة الجيدة بدأت مبكرا، وأعنى بها هنا محاولة محمد على، كان مفتونا بالغرب، وكان ذلك متزامنا مع الثورة الصناعية التى كانت لا تزال فى بدايتها، فحاول تقليده، فبنى المصانع وورشا لبناء السفن.. إلخ، وكاد أن ينجح «فضربوه» بالمدافع، وبوارجهم قصفت الإسكندرية فتوقف، المحاولة الثانية كانت خارج مصر فى الاتحاد السوفيتى، ولأنه بلد له تاريخ وحضارة وكان دولة عظمى، أراد أن يكرر تجربة الغرب فى التصنيع. محمد على حاول ولم يكن لديه إمكانيات حربية مثل روسيا، لقد حاول أن يبنى قوته الحربية فضربوه، وهو ما تكرر مع روسيا التى اضطرت أن تغلق على نفسها تماما، إلى أن حققت مستوى معينا من المعيشة، لكن الشباب الروسى قالوا «عاوزين لبان تشيكلس ونلبس بلو جينز» فانفتحوا على الغرب، ومن هنا بدأت التجربة «تخوخ» وتضعف. «إحنا بقى للأسف من أيام السادات بنعمل أسوأ ما يمكن عمله، نقلد فى الاستهلاك ولا نقلد فى الإنتاج».

■ لكن عندما اتخذ عبدالناصر هذه الإجراءات فى الستينيات اتهم بأنه شمولى ونظامه منغلق؟

- عشت هذه الفترة، رجعت من البعثة فى أوروبا عام ٦٤، وكانت هذه الفترة فى «عز» التجربة الناصرية، والناس والله كانت مبسوطة. لكن بالطبع دائما الناس لديها تطلعات والحياة غير ممكنة بدون هذه التطلعات، يفرحون بما حققوه لكن فى نفس الوقت يتطلعون إلى المزيد، الناس كانت مرتاحة، ولم يكن هناك غل بينهم بالدرجة الموجودة حاليا، ناهيك عن علاقة المسلمين بالأقباط وأشياء أخرى كانت جيدة تلك الفترة. ابتداء من فترة السادات بدأ تقليد الغرب فى الناحية الاستهلاكية، فى نفس الوقت الذى لا يزيد فيه الإنتاج فبدأت الطبقة المتوسطة تفسد، وناس سافرت الخليج وعادت بالأموال مكنتهم من إشباع تطلعاتهم، لكن ذلك لم يزود الإنتاج فى الداخل، ولا نستطيع أن نعتمد طوال العمر على السفر للخليج.

■ ما الدول المرشحة لأن تلعب دورا مهما بعد عشرين عاما وكيف نمد جسور التعاون الاقتصادى والثقافى معها؟

- الصين والهند، والهند كانت مفاجأة أكثر من الصين التى كان يتوقع منذ زمن طويل أنها ستكون دولة ذات قوة عظمى، إنما الهند هى التى فاجأت العالم من عام ١٩٩٠، فمنذ أكثر من عشرين عاما وهى تقفز قفزات كبيرة، هاتان الدولتان من المؤكد أنهما ستنافسان بشدة الدول الغربية والولايات المتحدة، المركز النسبى لأمريكا فى العالم ينخفض، وعلينا ألا نخاف من هذ التقدم الآسيوى، لأن العالم كله مفتوح لهم، وليس بالضرورة أن نتأذى أكثر من غيرنا، لست منزعجا من ذلك، بالعكس، أكون سعيدا عندما أرى المركز النسبى للولايات المتحدة ينخفض، لأن خبرتنا من القهر جاءت من الأمريكان.

■ أشرت إلى أنه فى ظل العولمة قد تتحول صورة العالم من دولتين عظميين، تقتسمان العالم، إلى صورة مناطق فى وسطها مركز قوى تدور فى فلكه دول صغيرة، دون أن تنفرد دولة المركز بالسيطرة التامة على الدول الدائرة فى فلكها.. هل ترى أن دولا مثل: مصر، السعودية، وتركيا نموذج لهذه الصورة التى تبدت ملامحها منذ انطلاق ما سُمى بالربيع العربى؟

- أولا الربيع العربى ليس ربيعا وتصويره كأنه عودة الروح للعرب ليس صحيحا، مر عليه الآن ستة أعوام وأعتقد أنها فترة كافية جدا للحكم بما إذا كان ربيعا أم لا، لا أرى أى دليل على أنه كان ربيعا، لا فى مصر ولا غيرها. اللى حصل ده «مقلب» واتعمل لنا مش ربيع. منذ فترة ويدور حديث حول أن السعودية قوة يعتد بها، وأنا لا أفهم على أى أساس هذا، خاصة أنه من المعروف أنها تنفذ ما تطلبه منها الولايات المتحدة، و«أمريكا فى النازل»، ربما يجوز ذلك بالنسبة لإيران، فلها مقومات للعب دور مهم جدا فى المنطقة، منها عدد السكان وثروة البترول وتاريخها الحضارى والتركيبة النفسية للإيرانيين واعتدادهم بأنفسهم وقوة إرادتهم أكثر من العرب.

الطبقة المتوسطة الفعالة فى كل دول العالم غير واضحة فى السعودية، ولا أفهم مطامع المملكة فى سوريا.. «عشان دول شيعة ودول سنة؟»، دائما أعتبر الخلاف السنى الشيعى مختلقا تزيد ناره اشتعالا عندما يكون هناك مصلحة، إنما السنة والشيعة «عايشين زى الفل مع بعض، لكن الغرب لما يحب يقوّم حاجة يعمل داعش ويقولوا سنة وشيعة». أما فيما يخص تركيا فلا بد أن أعترف بأن معرفتى بما يدور فيها قليلة، ولو كان لهم مطامع فى المنطقة العربية، فى إيه؟ غالبا هتكون مطامع اقتصادية يمكنها تحقيقها بدون قوة عسكرية، فالعالم كله أسواقه مفتوحة، «ومش واضح أن العرب بيعملوا نهضة اقتصادية وتركيا عاوزة تقفل عليهم».

■ ماذا تقصد بأنهم «بيعملوا داعش»، لأن هناك اتجاهات رأى تذهب إلى أن تنظيم داعش صناعة مخابرات غربية؟

- صحيح، داعش صناعة مخابرات غربية أو إسرائيلية أو الاثنتين معا.

■ قلت إنه لا يزال لدينا الكثير مما يمكن عمله فى تحديد مستقبلنا بعيدا عن تأثير الغير وضربت مثلا بالتعليم.. ما توصياتك فى هذا الملف؟

- كل الأسئلة من هذا النوع سنجد أن إجابتها سهلة جدا وصعبة جدا فى نفس الوقت، أو الحل سهل وصعب فى نفس الوقت، بتفصيل أكثر، سأضرب مثلا، كان لدينا وزير تعليم عظيم جدًا هو الدكتور «حلمى مراد» وكنت أعرفه لأنه كان اقتصاديا أيضا، ومرة كان فتحى سرور عقد مؤتمرا لإصلاح التعليم، «وعامل دوشة كبيرة أوى»، كان وزير تعليم وبعدها أصبح رئيس مجلس الشعب، وقال لى حلمى مراد ساخرا: «يا جلال يفتحوا أى درج من أدراج وزارة التعليم وهيلاقوا كل المقترحات اللى ممكن تتعمل مش محتاجين لمؤتمر ولا زفة ومزيكا». «عشان كده بقولك سهل جدا وصعب جدا» لعدم وجود النية، يعنى فتحى سرور لم يكن لديه نية للإصلاح، ولو حدث إصلاح هل كان سيصبح وزيرا للتعليم أم رئيسا لمجلس الشعب؟!، مش ممكن، هو ضد الإصلاح لأنه ضد مصلحته الشخصية.

■ هل يعنى هذا أن هناك نية مبيتة بأن تظل الأوضاع فى انهيار كما هى؟

- عندما كنت ألقى محاضرات فى التنمية لعدة سنوات، كنت أختتمها بهذه الجملة: «مشكلة التنمية ليست مشكلة فنية ولا اقتصادية، المشكلة هى أن الناس التى تريد أن تصلح لا تمتلك السلطة، بينما من يمتلكون السلطة لا يريدون الإصلاح». إذن كيف نجمع ما بين السلطة مع النية أو الإرادة السليمة، «دى من عند ربنا بقى».

■ ألا يوجد أى مجال للخروج من هذا الوضع؟

- أملى كبير جدا فى الشباب الصغير بسبب ما رأيته منهم بعد يناير ٢٠١١، «ناس كويسين أوى فى النباهة» ومعرفة ما يدور فى العالم بسبب الإنترنت والفيس بوك والإرادة القوية، فهؤلاء الشباب خرجوا مخلصين بعدما تصورا أن هناك ربيعا عربيا وقاموا ببداية الثورة التى سرقت منهم لاحقا.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل