المحتوى الرئيسى

البحث عن وطن للفلسطينيين في أرض بلا وطن

03/14 18:13

قبل آلاف السنين، سار أبناء النبي يعقوب -عليه السلام- عبر سيناء بحثاً عن الحبوب والطعام في مصر؛ ليجدوا في النهاية أخاهم يوسف وقد سار شأنه عظيماً، وبعدها بقرون خرج النبي موسى -عليه السلام- بصحبة بني إسرائيل عابراً أرض سيناء فراراً من فرعون وجنده إلى أرض فلسطين، ولم تمضِ الأيام حتى هربت السيدة مريم العذراء بطفلها الرضيع عيسى -عليه السلام- من اضطهاد الرومان لتجتاز صحراء سيناء القاحلة، وفوق كل تلك الأحداث، تجلى رب هذا الكون للجبل عندما كلم موسى بدون حجاب في سيناء ليزيدها تقديساً وإجلالاً، ولم ينتهِ الزمان حتى دخل الفتح الإسلامي لمصر عبر بوابة سيناء؛ لتكون سيناء بذلك مجمع الأديان وملتقى الأنبياء وبوتقة الصراع بين الحضارات المختلفة.

هذه الخلفية التاريخية بالطبع كانت حاضرة عندما أراد اليهود اختيار وطن قومي لهم، فاقترحوا سيناء باعتبارها جزءاً من تاريخهم التوراتي، لكن تمسك الدولة العثمانية بأراضيها وحرص مصر على سلامة أراضيها جعل الفكرة تبوء بالفشل. وبعد ما يزيد عن مائة عام من البحث عن وطن قومي لليهود، يبحث اليهود أنفسهم الآن عن وطن للفلسطينيين.

وبالتأكيد لم يجد اليهود أفضل من سيناء لتكون وطناً للفلسطينيين، لكن الفرق شاسع بين قلة من اليهود كانت تبحث عن أمجاد غابرة حتى وجدوا ضالتهم في أرض عربية إسلامية، وبين شعب صامد انسلخ عن موقف أمته العربية والإسلامية ورفض الاستسلام للهوان والصمت العربي والإسلامي عن جزء مقدس من تاريخ الأمة الإسلامية.

القاهرة التي حملت على أكتافها القضية الفلسطينية طوال ما يزيد على نصف قرن من الزمان هي الآن من توقظ حلم إسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي من سباته العميق، الذي حلم بأن يستيقظ يوماً فيجد غزة قد ابتلعها البحر، فشتان بين القاهرة 1948 التي انتفضت للذود عن حرمات المسلمين وبين قاهرة الثلاثين من يونيو/حزيران، وشتان بين القاهرة في 1973 التي دافعت عن الأرض والعرض، والقاهرة في كامب ديفيد التي مدت يد السلام المنسلخة عن أمتها العربية إلى إسرائيل التي لا تعرف إلا تسلّم أعدائها.

لكن اقتراح القاهرة بتوطين الغزاويين في سيناء ليس بجديد، فقد طرحه أحد القادة الإسرائيليين في مؤتمر هرتسليا السنوي للأمن القومي الإسرائيل الذي عقد في بدايات القرن الحادي والعشرين، لكن إعادة إثارة هذا المقترح في الوقت الحالي تفسر العديد من الأحداث التي حدثت وتحدث الآن في منطقة الشرق الأوسط.

لعل أبرزها العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة التي تهدف إلى تدمير البنية التحتية في قطاع غزة وحصار القطاع من جميع الجوانب؛ كي يضطر في النهاية إلى الهجرة والبحث عن ملاذ آمن في سيناء هرباً من الضربات الإسرائيلية، وهذا ما يؤكد السعي الإسرائيلي الحثيث لفك الارتباط الديمغرافي بين الفلسطينيين والإسرائيليين الذي يهدد الأمن القومي الإسرائيلي في المستقبل.

الأمر الثاني يتمثل في تفسير ماهية العلاقة بين الإرهاب الحادث بسيناء وما تبعه من التهجير القسري للمصريين من منطقة الشريط الحدودي بين مصر وإسرائيل، وفكرة توطين الغزاويين في سيناء، فهل كانت عملية التهجير والفشل الأمني السابق لها في فرض السيطرة على سيناء تمهيداً لإخلاء المنطقة من سكانها من أجل التوطين المزمع للفلسطينيين؟

الحدث الثالث يتمثل في المحاولات المصرية الإسرائيلية لتوسيع اتفاقية السلام لتشمل المزيد من الدول العربية، وذلك من خلال اتفاقية التنازل عن تيران وصنافير من أجل ضم السعودية ودول عربية أخرى للمشاركة في السلام العربي الإسرائيلي الرامي لتسوية القضية الفلسطينية، ومساهمة العرب أنفسهم في تحقيق الأمن القومي الإسرائيلي، هذا التنازل عن جزء من تراب الدولة المصرية في تيران وصنافير ربما كان الهدف منه تهيئة الرأي لفكرة التنازل عن الأرض بمجرد ورقة، فالقبول بالتنازل عن تيران وصنافير بورقة حتماً كان سيعقبه التنازل عن جزء من سيناء بنفس الورقة.

إن عرض المخطط بهذا الشكل من جانب كبرى الدول العربية يمثل تغييرياً جذرياً في العلاقات الاستراتيجية بين العرب وإسرائيل، من علاقات تحالف وتطبيع سادت منذ اتفاقية كامب ديفيد إلى علاقات شراكة ومساهمة في صناعة الأمن القومي الإسرائيلي، ومع ذلك لا يزال هذا المخطط يواجه العديد من العقبات.

أولى هذه العقبات هي ضرورة إقناع الشعوب العربية بقبول مثل هذا الحل، وعلى وجه الخصوص الشعبين المصري والفلسطيني، وثانيها أن حركة حماس المتحكمة في قطاع غزة ستحول دون تنفيذ هذا المخطط وخاصة في ظل العداء الشديد بين إسرائيل وحماس التي تؤمن بأن المقاومة تمثل سلاحاً أساسياً لردع الكيان الصهيوني، على عكس حركة فتح التي اختارت المسار الدبلوماسي.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل