المحتوى الرئيسى

أميري الصغير

03/14 18:13

هناك في سرير أبيض أنيق يكتسي بشراشف بلون السماء، يتسلل منه بين أرجاء المنزل نغمات صوت عذب رقراق يملأ قلبي عذوبة ونقاء، في ذلك السرير أمير صغير تملأ البراءة تقاسيم وجهه الصغير، رقيق الملامح، يشع في الروح البهجة والطمأنينة، رائحته كرائحة نسمات الفجر التي ولد معها في يوم من أيام أيلول.

عندما أقترب من ذلك الأمير تبدأ يداه الصغيرتان بالتلويح لي، وتتسع حدقتا عينيه المتلألئتين فرحاً، وتشرق على وجهه الملائكي ابتسامة لا تشبهها أي ابتسامة، مليئة بالطهر والنقاء، عندها ينتشي قلبي وتمتلئ روحي بأحاسيس يعجز قلمي عن وصفها، لا أعرف ما هي، ولكن قد تكون هذه هي أحاسيس الأمومة.

مع أول صرخة اختلط الألم مع الفرح، وما إن حملته وقبَّلته وشممت رائحته حتى أصبحت كل تلك الآلام نعيماً، يا الله كم نعمتك عليَّ عظيمة فعلاً كما قالت ماري: "الأمومة أعظم هبة خص الله بها النساء".

عندما يستيقظ يبدأ بالبكاء وكأنه يقول أمي استيقظت أريدك بقربي، لا أطمئن إلا بحضنك، لا تمل عيني من النظر إليه، وما أجمل يداه الصغيرتان عندما تخمش وجنتي صدق من قال: وخمشاتهم في وجنة الأم لذّةٌ، أما إذا عندما بدأ بالمناغاة فكأن ذاك اليوم كأنه العيد بالنسبة لي، أتطلع للمستقبل متى يمشي متى يقول كلماته الأولى كل يوم له زاخر بالمفاجآت لنا، عندما ينام أشتاق له، وأتمنى لو أن جفوني تكون غطاءً له.

بعيداً عن هذه الأحاسيس الجميلة أن تصبح أماً ليس بالشيء السهل، وليس بالصعب في نفس الوقت، كنت أتصور أن أي شيء لم يتغير بوجود الأمير الصغير، لكن حدث العكس، شابت بعض الفوضى نظام حياتي، ولكن مع الوقت بدأت أتعلم بعيداً عن تجارب الآخرين، فلكل أم تجربتها، وليس كل الأطفال متشابهين، فلكل طفل نظامه الخاص، ولكل أم أسلوبها في التعامل، فما أكثر النصائح التي سمعتها كل أم تحكي تجربتها، والمشكلة أن نصائحهن دائماً متعاكسة، إحداهن تقول: لي دفّئيه هذا رضيع يحب الدفء، والأخرى تقول: سوف تمرضيه بكثرة الملابس خففي له، هذه إحدى النصائح المتعاكسة.

تعلمت أن ليس كل صراخ الطفل يعني الألم أو الجوع، قد يكون يريد أمه أن تكون بجانبه تتحدث معه، تعلمت أن أنظم وقتي، وأوازن بين أعمال البيت وطفلي، أن تصبحي أماً ليس عليك أن تهملي نفسك أو حياتك الاجتماعية، إن اهتمامك بنفسك وصحتك وكل النشاطات والهوايات التي تقومين بها تعود بالنفع عليك وعلى طفلك، فطفلك بحاجة إلى أن يرى ويشعر أن أمه سعيدة، أطفالنا بحاجة كبيرة لأن نقرأ كتب التربية ونتعلم أساليب التربية الصحيحة، فلكل عصر تحدياته ومشاكله.

بعد أن أصبحت أُماً أدركت فضل أبويّ عليَّ، وكيف منحاني جبالاً من الحنان والمحبة، فيا رب احفظهما كما ربياني صغيراً، أما أنت يا أميري يا شيئاً مني وبعضاً من تفاصيل مَن أحب، أدعو ربي أن يريني فيك ما يسر، ويكف عنك ما يضر، وأن تكبر بأمان وسلام، الحمد لك يا رب سراً وجهراً، يوماً ودهراً على نعمتك عليَّ.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل