المحتوى الرئيسى

محمد أحمد يكتب: مشكلة الشر | ساسة بوست

03/14 12:35

منذ 1 دقيقة، 14 مارس,2017

يبقى وجود الشر دائما موضعًا للكثير من الأسئلة خاصة عند من يؤمنون بوجود الرب، حتى قيل في زمن من أزمنة الضيق والحروب كما في سفر المزامير:

فربما تتساءل في يوم أو ربما تساءلت بالفعل «أين الله مما يحدث؟!»، أقترح بأن نحذف «ربما» الثانية ونستبدل الأولى بـ «سوف» هكذا الأمر أقرب للواقع، فتلك المشاهد التي قد رأيتها والتي ستراها كفيلة بأن تجعلك تتساءل مثل هذه الأسئلة التي في ألفاظها دلالة واضحة على الاعتراض بل ربما أراد البعض منها نفي وجود الرب.

فأين الرب من الحروب والمجاعات وغير ذلك، أين الرب من الصبي الذي قذفته المياه جثة هامدة على أحد الشواطئ بعدما قامت الحرب على ساقها في بلده، أين الرب من تلك الفتاة ذات الخمس سنوات التي أصابها سرطان الدم «اللوكيميا» وأين الرب عندما بدأت رحلة علاجها الكيماوي فأخذ شعرها يتساقط أمامها وهي تعاني من آلامها حتى فاضت روحها، وأين.. وأين.. وأين…!

يَا رَبُّ، لِمَاذَا تَقِفُ بَعِيدًا؟ لِمَاذَا تَخْتَفِي فِي أَزْمِنَةِ الضِّيقِ؟

يعرف هذا المبحث فلسفيا ودينيا بـ«مشكلة الشر»، ففي كل موقف مؤلم أو حادث شنيع تطرح عقولنا عدة أسئلة يمكن اختصارها في «لِمَ ولِمَ وإذا كان فلِمَ؟!».

– لِمَ الرب صامت هكذا؟!

– إذا كان الرب كامل العلم وكامل القدرة وكامل الرحمة فلِمَ لم يخلق عالما دون شر أو أقل شرا؟!

الإجابة على هذه الأسئلة بتفنيد واستفاضة يلزمها بحث مُطول ولكن في هذا المقال سوف يكون العرض مجملا لذا أرجو أن تُطالع كتاب «مشكلة الشر ووجود الله» تأليف د/ سامي العامري.

فكما أن هذه الأسئلة ثلاث فأيضا أصحابها ثلاث أو ربما أكثر، فالأول من تجاهلها معتمدا على فطرة النسيان فسوف يمرر عقله هذا الشر الحادث بمرور الأيام أو ربما – في أيامنا هذه – بمرور بضعة دقائق، فترى حربا ضَرُوسا فُقد بسببها الغالي والنفيس فسرعان ما تراودها هذه الأسئلة وسرعان ما يصرفها عن نفسه بـ«تدوينة» ما كلفته إلا بضعة نقرات على لوحة المفاتيح!

والثاني من أصابه الاعتراض وما أصابه الإنكار، أي أنه أصبح معترضًا أو غير متفهم لبعض صفات الله – سبحانه وتعالى – فيكون مُثبتا وجود الخالق لكنه معترض على أنه سمح للشر أن يتواجد، أو أصبح يفترض بعض العقائد الفاسدة كمن يقول بأن الله خلق العالم وتركه هكذا! وغير ذلك مما يدل على الاعتراض الناتج عن سوء الفهم.

والثالث هو أقلهم حظا من العقل إذ أنه أنكر وجود الخالق معتمدا على وجود الشر! فلو أنه قال كما قال الثاني لحفظ ماء وجهه إذ أن أمر الثاني مبني على سوء الفهم ونقص بعض التفاصيل التي إذا عُرضت عليه زال عنه سوء الفهم، فصاحبنا هذا الأفضل له ألا ينكر وجود الخالق على هذه الشبهة بل ينكر وجود خالق كامل الخيرية، فإذا أدرك هذا فينبغي عليه أن يدرك تِبَاعا أن مشكلته هي صفات هذا الخالق وليست وجوده من عدمه.

إن غاية الله من خلقنا على الأرض ليست إسعادنا؛ إذ أننا لسنا الحيوانات الأليفة لله.

عندما تراودك هذه الأسئلة غالبا يتغيب عن ذهنك غاية الخالق من وجودك بل يغيب عنك أيضا غاية الحياة نفسها إذ أنها مُجهزة لتؤدي بها بعض الاختبارات وليست بشكل من الأشكال مكان لكي تنعم فيه دون شقاء، وليس الشر فقط هو مجال الاختبار بل أيضا الخير مجال للاختبار يقول ربنا – سبحانه وتعالى – في سورة الأنبياء:

كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ

يقول ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: أي نختبركم بالمصائب تارة، وبالنعم أخرى، لننظر من يشكر ومن يكفر، ومن يصبر ومن يقنط، ثم نجازيكم بأعمالكم بعد ذلك.

فينبغي على المرء أن يدرك غاية وجوده في هذه الدنيا ويدرك أنه مُعرض للشر لا محالة من ذلك ويجب علينا أن لا ننظر للشر بمعزل عن الجوانب الأخرى من حياتنا، فمكونات عالمنا من شر وخير ومُدافعة بعضنا بعض تتداخل جميعا مكونة صورة يصعب إدراكها بشكل كامل، ولكن باستقراء بعض الشرور التي حدثت أو التي تحدث بشكل مستمر نجد أن هناك جوانب خير في كل شر فربما أدركنا هذه الجوانب أو لم ندركها أو أدركنا بعضها، ولكن الجانب الذي يجب أن نتفق عليه هو أن الضد إنما يَظهر حسنه بضده فلولا وجود الشر ما أدركنا معنى الخير، فإنما تُعرف الأشياء بأضدادها.

الظلم وضع الشيء في غير موضعه، والعدل وضع كل شيء في موضعه، وهو سبحانه حكم عدل يضع الأشياء في موضعها، ولا يضع شيئًا إلا في موضعه الذي يناسبه وتقتضيه الحكمة والعدل، ولا يفرق بين متماثلين ولا يسوي بين مختلفين، ولا يُعاقب إلا من يستحق العقوبة فيضعها موضعها لما في ذلك من الحكمة والعدل.

فمن تبين له أن عالمنا هذا ما هو إلا موضع للاختبار فقد أدرك أنه لا مجال لهذا السؤال وكيف لا يدرك ذلك! فلو قلت لك إن أحد الطلاب أوقف أستاذ المادة التي يؤدى امتحانها وسأله أثناء الامتحان وطلب مساعدته في إجابة سؤال ما ثم أجابه – أنا أتمنى ذلك – لقلت لي إن في هذا ظلمًا وعدم التزام بقواعد الامتحان.

هكذا الأمر تقريبا فلو أن الرب تدخل في كل شر ومنعه إذن لن يكون هناك شرور فيحدث خلل في هذا الاختبار ولو أن الرب تدخل في شر ما ولم يتدخل في الآخر ففي هذا ظلم وهكذا أيضا لا يستقيم الاختبار.

واعلم – رحمك الله – أن في داخل كل شر حكمة أرادها الله فربما تبينت لنا بعض الحكم من بعض الشرور وفي البعض الآخر لم تتبين لنا حكمته – سبحانه وتعالى – منها وعدم علمنا بالحكمة في بعض الجزئيات لا يقدح فيما علمناه من أصل حكمته.

فإذا كان الرب كامل العلم وكامل القدرة وكامل الرحمة فلِمَ لم يخلق عالما دون شر أو أقل شرا؟

يقول أبو حامد الغزالي في كتابه «الإملاء على إشكالات الإحياء»:

ليس في الإمكان أبدع من صورة هذا العالم ولا أحسن ترتيبا ولا أكمل صنعا

ربما تُفهم هذه الجملة بصورة خاطئة وهي أن هذا العالم هو أفضل العوالم ولا يقدر الرب – حاشاه – على أن يخلق أفضل من هذا العالم، ولكن قد بين الإمام السيوطي – رحمه الله – معنى هذه الجملة وأتمنى أن تُعيد قراءة ما قاله الإمام السيوطي مرة أو اثنين أو أكثر إن تطلب الأمر، قال:

كل فعل أوجده الله دل إيجاده على أن المصلحة في إيجاده أرجح منها في عدم إيجاده، مع صلاحية القدرة قطعا لعدم إيجاده، وكل ما لم يوجده دل عدم إيجاده له على أن المصلحة في عدم إيجاده أرجح منها في إيجاده، مع قدرته قطعا على إيجاده.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل