المحتوى الرئيسى

نعمة أن يكون لك قُراء | المصري اليوم

03/13 21:30

«إن أكبر نعم الله على أي كاتب أن يكون مقروءاً، وأن يجد صدى لما يكتب عند قرائه، اتفاقًا أو اختلافًا، فالتواصل محبة وتفاعل إنساني».

افتتحتُ يومي برسالة تتضمن هذه الكلمات رائعة الصياغة والدلالة من القارئ محمد غنيم؛ وهو مصري يعيش في اليابان، أنقلها هنا لأنها عبارة تستحق المشاركة، ولأن هذا الرجل علّمني درسًا عظيمًا عبر عدة مراسلات تبادلناها خلال أسبوعين، بدأتْ بانتقاد منه لبعض ما أكتبه بنبرة أحسستها مغلقة لا تترك مجالًا لرد، مما حرّك بداخلي بعض الغضب البدائي، ولكنه بلطف بالغ وحرص على استكمال الحوار نجح في نقل الأمر إلى خانة التواصل النافع، وليحتفظ كل برأيه إلى أن يحين وقت التغيير.

كتب لي في المرة الأولى معقبًا على مقتطف من روايتي غير المنشورة، قال إنه رأى في الجزء المنشور «أدب رحلة» أكثر من «رواية» وساق عددًا من الملاحظات تصب في هذا الاتجاه، وجدتها كلّها في محلها باعتبار أنه لم يطلع إلا على هذا الجزء من العمل فيظل الحكم مرهونًا بحدوده إلى أن تُمكن قراءته في سياقه الروائي.

ثم كتب بعد ذلك معقّبًا على رأيي النقدي في رواية بدأتُه بجملة: «لم تعجبني رواية كذا.. .»، ورغم أنني اجتهدت بعد ذلك في بيان مبررات هذا الرأي بشكل ظننته موضوعيًا قابلًا للنقاش، إلا أن الرجل لا يرى النقد إلا في «المتعارف عليه» مما يكتبه «النقاد الأكاديميون» وفق «مدارس النقد المتعارف عليها».

لم نتفق ولكننا هذه المرة كذلك نجحنا في ألا نختلف. وعندما تأخرت في الرد على آخر رسائله حول فكرة الرأي الشخصي وعلاقته بالموضوعية، كتب لي يقول: «يا أستاذ وليد، احرص على قرائك ولا تحول الاختلاف إلى خلاف وحتى لو لم يعجبك. وهل بالضرورة أن يعجبك؟! يبقى رأيًا وتواصلًا لن يضيرك، وما يدريك لعل فيه خير».

كتابة لا يليق بها إلا السماح والمحبة.

انتبهت إلى السبب الأساسي الذي لفت الأستاذ محمد غنيم إلى مراسلتي هذه الأيام رغم أنني أكتب في «المصري اليوم» منذ سنوات؛ فالرجل مهتم بأدب الرحلة، وهو يسجل مشاهداته في اليابان التي يقيم فيها منذ فترة.

وهو- من خلال ما قرأته في رسائله بعد ذلك- يكتب بعين لاقطة وذائقة مختلفة تستحق أن تحظى بفرصة في النشر لنطور معارفنا عن اليابان، وأظننا في حاجة إلى ذلك.

كتب في واحدة من رسائله: «اليابان جميلة ومنظمة ونظيفة ومنضبطة، واليابانيون منضبطون وروتينيون، العادات والتقاليد لها قوة هائلة في حياتهم. عندهم النميمة جزء من ثقافتهم، يهتمون كثيرًا بما يقول الآخرون عنهم وبصورتهم في عيون الآخرين. يحافظون على الشكليات جدا، ومجاملون جدا، وإلى درجة النفاق؛ يعني لا تسأل الياباني أو اليابانية عن رأيه في شيء يخصك، سواء مأكل أو ملبس أو مشرب، لأنه لن يقول لك إلا أحلى كلام (زي ما بتقول وردة) ولن يقول لك الحقيقة، ولا تحاول؛ هكذا الشخصية اليابانية، وهم يعتبرون ذلك كياسة ومجاملة وذوقا، لذا فهم يتحسسون كثيرًا لأي نقد؛ لأنهم يفترضون أنهم طالما لا ينتقدون إذن يجب ألا ينتقدهم أحد!»

ويضيف: «وحكاية انتحار المسؤولين في حالة الخطأ موضة وبطلت، موجودة فقط في كتب الحواديت، لكن الانتحار موجود وبصفة دائمة، ولا يمر يوم من دون انتحارات، وليس انتحارًا واحدًا، وهي ماركة مسجلة يابانية، يعني؛ منذ أيام قرأت في المواقع الإلكترونية للصحف اليابانية باللغة الإنجليزية خبر انتحار امرأتين إحداهما في العقد السادس والأخرى في السابع قامتا بإلقاء نفسيهما من الطابق العاشر من أحد الأبراج السكنية فلقيتا مصرعيهما في الحال. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: ما الذي يدفع سيدتين في عمر كهذا للانتحار، وهو عمر حكمة وخبرة، ليستا مراهقتين عاشتا قصة حب فاشلة مثلا!

خبر آخر عن فتاتين في عمر الزهور؛ في الثالثة عشر، قررتا الانتحار فقامتا بتشبيك يديهما وألقتا بنفسيهما أمام القطار وهو يسير مسرعا. والسؤال مرة أخرى، ما الذي يدفع فتاتين في عمر الزهور للإقدام على الانتحار معا وبهذه الطريقة؟

الإجابة ببساطة: الضغوط النفسية الكبيرة؛ اليابانيون يعيشون ضغوطًا نفسية هائلة، تظهر في أنماط الجرائم وبالذات القتل، أو في الانتحار، ويعيشون في وحدة رغم الزحام.

لم تعد الأسرة اليابانية كما كانت في الماضي، ولا تسلني عن أوشين بطلة المسلسل الياباني الذي عرض في الثمانينيات من القرن الماضي وظهرت فيه البطلة نموذجا للمرأة المكافحة والزوجة الوفية والأسرة المترابطة، كل هذا أخذه الغراب مع الفرحة وطار أو ذهب ولم يعد ولن يعود.

وحكاية الكيمونو الياباني الجميل- وهو جميل حقا وغالي جدا حقا، لكنه مجرد زي فولوكلوري ترتديه الفتيات في مناسبات احتفالية قومية أحيانا، أو النساء المسنات في أحيان كثيرة، ثم يوضع في المتحف أو الدولاب أو أيهما أقرب، لا فرق!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل