المحتوى الرئيسى

يعنى إيه لحمة؟! | المصري اليوم

03/13 01:14

شاهدتُ طفلاً فى نحو الثامنة من العمر: وهو يجيب عن سؤال عن آخر مرة أكل فيها اللحمة؟، فكانت الإجابة الصادمة، يعنى إيه لحمة!!، وشاهدنا من قبل الصورة الشهيرة لأحد الأطفال وهو يجرى خلف سيارة نصف نقل تحمل لحوما طازجة، وقد أمسك بالذبيحة بأسنانه، عله يستطيع قضم قطعة منها، وطفلاً آخر تحمله أمه فوق كتفها، وهو يمسك الذبيحة أيضاً بأسنانه وهى معلقة لدى الجزار، وسيدات يشترين عظام الذبائح من الباعة بالأسواق، بهدف استخراج طبق شوربة فى نهاية الأمر، وحسب تعبيرهن، فإن الشوربة ترم العظم، وبلاها لحمة.

هى حالة مصرية خالصة، قد لا تجدها سوى فى أم الدنيا، لم نشهدها لا فى سوريا ولا فى العراق، ولا حتى الصومال، فى المقابل هناك طعام يذهب إلى القمامة بالأطنان، سواء من مخلفات الفنادق والحفلات، أو حتى مخلفات الأسر والعائلات، فى أحياء بعينها، أصبحت قمامتهم تمثل رفاهية للباحثين فيها وعنها على مدار الساعة، الأمر إذن لا يحتاج أكثر من تنظيم وترشيد وإعادة نظر فى كل ممارساتنا الاستهلاكية، خاصة فى ظل هذه المرحلة، التى تراجعت فيها معظم الطبقة الوسطى إلى ما دون خط الفقر، بينما أصبح الفقراء يتضورون جوعاً.

بادرتُ إلى كيفية التفكير فى إنشاء بنوك للطعام، حتى اكتشفت أن هناك بالفعل ما يسمى بنك الطعام، تم إنشاؤه عام ٢٠٠٥، إلا أن عنوانه يقع فى المقطم، أين هذا المقطم من الفقراء، لا أدرى، كيف يمكن أن يصل إليه الفقير، لا أعلم، ولماذا المقطم، هذا سؤال آخر، وهل مصر بتعدادها الذى يصل إلى المائة مليون نسمة فى حاجة إلى مجرد موقع وحيد على غرار البنك المركزى، أو على غرار مجلس الوزراء، حتى هذا وذاك يتفرع منهما بنوك ووزارات، وهل حجم العمل انطلاقاً من موقع كهذا يمكن أن يغطى مليون كيلو مترمربع، هى مساحة مصر؟.

حالة الفقر التى وصلت إليها البلاد الآن، وبصفة خاصة بعد هذا المستوى غير المسبوق من التضخم والغلاء، أصبحت تُحتم على الدولة، كما على منظمات المجتمع المدنى، والجمعيات الخيرية منها بصفة خاصة، التفكير بطريقة تتناسب مع هذه الأوضاع الحاصلة الآن، تتناسب مع البحث فى القمامة عما يسد الرمق، وتتناسب مع ما يزيد على عشرة ملايين عاطل، ونحو ٣٠ مليون نسمة تحت خط الفقر، ونحو مليونى مشرد، تتناسب مع حالة جوع حقيقية أصبحت تمثل ظاهرة فى المجتمع.

يجب أن نعى أننا أصبحنا الآن فى حاجة إلى بنك للطعام فى كل المحافظات دون استثناء، ليس ذلك فقط، بل فى كل المدن، ليس ذلك فقط أيضاً، بل فى كل قرية ونجع، هناك الكثير من المقتدرين وفاعلى الخير الذين سوف يقومون بالمساهمة هنا وهناك، هناك الكثيرون من فاعلى الخير الذين من حقهم أن يثقوا فقط فى الجهة التى تقوم بالجمع والتوزيع، سوف يكون هناك الكثير من المتطوعين الذين يساهمون فى مثل هذه الأعمال، القضية لا تحتاج إلى أكثر من المبادرة والانتشار.

للأسف كان هناك الكثير من الجمعيات الخيرية التى تم إغلاقها أو الاستيلاء على أموالها خلال السنوات الأخيرة لأسباب أمنية بطريقة البتر، دون أى محاولة لعلاج المشكلة، ذلك أن هذه الجمعيات كانت تتولى الإنفاق على عشرات الآلاف من الأسر، لذا يجب أن نعيد النظر أولاً وقبل أى شىء فى طريقة التعامل الأمنى مع مثل هذه الأوضاع، التى تتطلب الثقة أولاً وأخيراً فى القائمين على هذه الجمعية، أو هذا البنك، ذلك أن معظم المتبرعين ينشدون ضمان وصول أموالهم إلى مستحقيها.

هو نداء إلى كل الجمعيات الخيرية فى بر مصر، بإعادة النظر فى منظومة العمل من خلال العاصمة، الفقر يستشرى فى كل المحافظات، بل إن المحافظات أشد فقراً، الظروف الحالية تستدعى انتشاراً أوسع، وبطرق علمية وعملية مختلفة، لم يعد الأمر تفلح معه مجرد وجبة طعام، أصبحنا فى حاجة إلى نقل تجربة البروفيسور محمد يونس، أستاذ الاقتصاد فى جامعة شيتاجونج ببنجلاديش، مؤسس بنك جرامين، ذلك الرجل الذى حاول إقناع البنك المركزى والبنوك التجارية فى بلاده، إقراض الفقراء بدون ضمانات، إلا أنهم سخروا منه، لكنه صمم على ذلك، وأنشأ ذلك البنك بنظام القروض متناهية الصغر، لمساعدتهم على العمل، ولو بتحقيق أرباح ضئيلة، وقد حقق نجاحاً مبهراً، حصل بسببه على جائزة نوبل للسلام.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل