المحتوى الرئيسى

"حافة الكوثر" رواية بطعم السيرة الذاتية

03/13 00:58

صدرت عن الدار المصرية اللبنانية الرواية الأولى للشاعر علي عطا، تحت عنوان “حافة الكوثر”، في158 صفحة من القطع المتوسط وبغلاف متميز للفنان عمرو الكفراوي.

ووفق دار النشر، تندرج هذه الرواية تحت ما يسمى “أدب الإعتراف”، وهو نوع أدبي لا توجد منه نماذج كثيرة في المكتبة العربية، فالأحداث تتدفق بين القاهرة والمنصورة، لتغلف بوحًا حميميًا لـ”حسين جاد”؛ الصحفي الذي أصدر ثلاثة دوواين شعرية، وينزوي في مهنته خلف تحرير نصوص الآخرين الصحفية والإبداعية. يشجعه صديقه المهاجر إلى ألمانيا “الطاهر يعقوب” عبر رسائل تصله منه بالإيميل على كتابة رواية يُضَمِنها كل ما يؤرقه في حاضره وماضيه لعله يتخفف من أزمة نفسية تكاد تعصف بكيانه وبما أنجزه من نجاح مهني وإبداعي.

في مركز السرد تجربة عاشها بطل العمل داخل مصحة للأمراض النفسية بعد أن تخطى الخمسين من عمره، تستدعي إلى ذهنه محطات مؤرقة ترتبط في شكل غامض بحوادث زنا محارم في محيط أسرته. تدفعه التجربة إلى الكتابة عن تلك المحطات وغيرها ومنها اضطراره إلى العمل حتى من قبل أن يصل إلىى سن دخول المدرسة الابتدائية في ظل فقر أسرته التي يعولها أب يعمل بائعا متجولا ويدمن الأفيون والحشيش. حضور خصوصيات الذات الساردة لا يمنه اشتباكها مع الهم العام، وفي قلبه تبعات ثورة 25 يناير.

في الرواية أيضًا مساحة معتبرة لنماذج من المرضى الذين تضمهم “مصحة الكوثر”، تجسد حضورا مأساويا لمرض الاكتئاب في أوساط المنتسبين إلى ما كان يسمى “الطبقة الوسطى” في المجتمع المصري.

وعن الرواية، يقول الناقد الدكتور يسري عبدالله؛ الأستاذ المساعد بكلية الآداب جامعة حلوان: هذا نص مسكون بالمرارة والبوح والتدفق السردي المنسال ليس اعتباطيا

على الرغم من عفويته الظاهرة، فثمة سارد رئيسي يقبض على زمام الحكي في النص، ويضع المقاطع السردية ويعيد توظيفها وتشكيل المشهد السردي برمته، بدءا من لحظات التوتر الدرامي في المفتتح، التي تتجاوز الركود المعتاد للاستهلال السردي، وبما يليق بنص متوتر بالأساس على المسارين النفسي والفني، ثم الحكي عن المكان المركزي “مصحة الكوثر” بشخوصها الغارقين في المأساة، والممثلين لمآس تتجاوز ذواتهم المعتلة إلى واقع محمل بالزيف والاستبداد والكراهية، وصولا إلى التوظيف الدال لتقنية الرسائل، عبر خطاب “حنان” إلى أبيها وبكل ما يحمله من مشاعر غضَّة وإحساس بحتمية استدراك ما فات، غير أن السارد الرئيسي الذي لم يغب لحظة عن نصه، يبدو حاملا وجهة نظر أخرى عبر التعليق السردي في نهاية المقطع. إن تعدد لغات الشخوص هنا يحسب للنص تماما: (السارد/ البطل_ حامد_ حنان- الأطباء بتنويعاتهم، الصغير منهم والكبير- الممرض- الطاهر يعقوب). ويتماس مع ذلك حضور أسماء واقعية لشخوص حقيقيين وبما يسهم في المزيد من إيهام القاريء بواقعية الحدث الروائي (حلمي سالم/ إبراهيم أصلان).

إمكانات التخييل في النص هنا تنطلق من مأسويته واستلهامه جغرافيا سردية جديدة ومختلفة، ولعبه في فضاء مكاني مأزوم بالأساس، وأبطاله بالضرورة غارقون في متن الأزمة/ المأساة، فمستشفى الأمراض النفسية هنا براح شائك للسارد، وفضاء مثقل بالمرارة أمام المتلقي، وسياق معبأ بالانكسارات التي يمتزج فيها الخاص مع العام هنا، ولذلك تأتي المقاطع المتناثرة عن استعادة العوالم الأولى للسارد/ البطل دالة؛ ليس من كونها وصلا لمساحات التقاطع والجدل ما بين الماضي والحاضر في النص فحسب، ولكن من كونها تقدم التاريخ الشخصي لذات مولعة بالتنفيس عن مآزقها ومآسيها بلا خوف وبلا وجل، فالكتابة هنا درج ليس بالمعنى الصوفي الظاهري الغض، ترتقيه الروح وصولا إلى ذلك الجوهر الإنساني الثري الذي يحوي سر الكتابة والفن والوجود في آن.

ويقول الشاعر والكاتب محمود قرني: علي عطا الذي ولد بجوار دار ابن لقمان بالمنصورة؛ لم تلفحه ريح الحكمة؛ أي حكمة. ومن المؤكد أنه لو تلبس ثوب الحكمة لم يكن ليكتب تلك الرواية الفاتنة “حافة الكوثر”، فأدب الاعتراف لا يحتاج لحكماء

قدر حاجته لمغامرين يؤمنون بدور الكتابة كفعل تطهري. وعلي عطا منذ ديوانه الأول “على سبيل التمويه”؛ تبدو قناعته باللغة التحليلية متميزة بدرجة تجعل منه ساردا من طراز رفيع. رواية “حافة الكوثر” ستكون تمثيلا لعازف من نوع خاص.. عازف يمكن وصفه بعازف ما وراء المادة، أعني أن الروح التي تشبعت بها آلام السارد باتت خارج مفهوم الشعور كواحد من نواتج أو عوادم الوجود البشري، لذلك سيشعر قارئ الرواية أنه يذهب طائعا إلى كل منابع البكاء المكتوم الذي صار عنوانا لتلك الكتل البوهيمية التي تولدها حاجتنا للاختباء خلف أوقياونس اللاشعور بكل ما نملك من قدرة على الاستبطان. إن الاجتراحات الإنسانية التي تقدمها الرواية في ارتباطها بأنماط حياتية تنطوي على كل هذه القسوة؛ لم يكن لها أن تنتج ساردا. لذلك أتصور أن نجاح علي عطا في امتلاك مهارة الضغط على أعصاب اللغة ومهارة اصطياد وتراتبية المشهد السردي؛ مكنه في النهاية من صناعة تلك المسافة المحايدة والدقيقة التي تفصل عادة بين الرواية كبنية موضوعية تعيد صياغة مفهومنا عن الذات وبين التصورات التي تغري أصحابها بتقديس حكايات فاسدة. هذا هو الفارق الذي سيتبدى لقارئ الرواية بين الكتابة كفعل احترافي؛ وبين الكتابة باعتبارها محنة شخصية.

وتقول الصحفية نضال ممدوح المتخصصة في مراجعة الكتب الأدبية: لأشكال التعبيرية متعددة كما هي الأجناس الأدبية، وهذا التعدد لا يلغي أواصر القربى بينها٬ غير أن كل شكل تعبيري يفسح أمام المبدع متنفسات يجد فيها وعبرها ما لا يجده في غيرها٬ وإن كان من الأمور الشائعة نسبيا أن يكتب كاتب القصة القصيرة رواية٬ أو أن يكتب الروائي قصة قصيرة٬ لكن الأمر غير الشائع هو أن يكتب المبدع الشاعر الذي رسخ وجوده الإبداعي شاعرا رواية من حين إلي آخر٬ أو يزاوج في إبداعه بشكل مستمر بين الشعر والرواية٬ كما هو في حالة الكاتب الشاعر”علي عطا؛ حيث تمكن من أدواته الفنية شاعرا وروائيا متمكنا من حدود الفنين٬ وهو مع أسماء أخرى يمكن أن يجد الناقد نفسه أمام ذلك٬ أمام موضوع جديد يطلق عليه (شعراء يقتحمون حدود الرواية). ففي أولى تجاربه الروائية؛ “حافة الكوثر”؛ الصادرة حديثا عن الدار المصرية اللبنانية للنشر٬ يخوض عطا كتابة الرواية بحس شاعري؛ وهنا لا نقصد

شعرية اللغة بقدر ما نقصد التكثيف الشديد والأفكار شديدة التركيز؛ فيما يمكن أن نطلق عليه “عبارات برقية”. فعبر سرد يشبه إلى حد كبير تيار تدفق الوعي٬ نلج عالم “حسين” نزيل مصحة الكوثر النفسية٬ ورغم أننا جميعا نحمل بين جنباتنا أمراضاً نفسية شتى إلا أن القليلين فقط هم من لا تتحمل طبيعتهم الرهيفة٬ قبح الواقع والعالم المعيشي من حولهم٬ لا يجدون الطاقة لتحمل تلك التحولات المجتمعية التي تحيطهم. الضغوط التي طاردت حسين سواء من زواج لا يحتمله ويبدو من بين السطور أنه زواج تقليدي٬ بيت وأسرة وأبناء٬ فكان أن هرب حسين إلى واحة “سلمي السكري” زميلة العمل أو بمعنى أدق من تفهمت الفنان المرهف بداخله٬ فكان أن طاردته هي الأخرى بمطالب الزواج لقطع ألسنة السوء. فكان من الطبيعي بعد كل هذا أن يجد حسين نفسه نزيل مصحة الكوثر التي دخلها من قبل ثلاث مرات٬ وفي كل مرة يوصي الطبيب بأدوية لا غنى عنها. إلا أن الشفاء والخلاص الحقيقي كان من خلال الكتابة حيث ترتيب العالم الداخلي. كان هناك دور كبير لتلك الشخصية التي لم نعرفها إلا من خلال ردودها على حسين٬ إنه “الطاهر يعقوب؛ مصدر النور والطاقة الإيجابية التي تدفع حسين للتغلب على إكتئابه ومخاوفه النفسية. لم تكن فقط هواجس الراوي العليم وحده ما بين زمنين٬ زمن المنصورة الطفولة والصبا بكل براءته وتلك الأيام النقية بعيداً عن الهموم٬ وإن لم تخل تماما من الشجن٬ فما زال حسين يحمل بقلبه ندبة عن الخال الذي قتله الأعداء وصديقه عبد العزيز السعيد الذي فقد إتزانه النفسي تحت وطأة التعذيب في الأسر. أما زمن القاهرة التي شاخت وتشوهت وتحولت طرزها المعمارية الحضارية إلى علب أسمنتية وما تحمله من قماءة ورداءة، فتضغط علي ساكنيها فيقعون فريسة الإكتئاب والأمراض النفسية٬ وحتى بعد أن يبتعدوا يطاردهم القبح داخل المصحات. فنجد “أبو كامل” الذي يرى أن الأرض أرض الله ما دام قد وضع يده عليها٬ يخطط للإستيلاء على الفيلا المقامة عليها مصحة الكوثر ليحولها إلى برج سكني أو إداري٬ ولما لا مادام ليس هناك من يردعه أو يحاسبه٬ فلو كان أحد قد حاسب ورثة حسين صدقي؛ الممثل المعروف على وصيته تلك التي تركها لأولاده بحرق الأفلام التي شارك فيها إنتاجاً وتمثيلاً٬ لكان حاسَب من تسبب في نشر العشوائية والقبح. حتى عندما قامت ثورة 25 يناير فالنخبة اهتمت فقط بمصالحها الضيقة خاصة من الشريحة الوسطى في المجتمع٬ وقد جاء

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل