المحتوى الرئيسى

عمر عبدالرحمن .. كفيف أصاب الهدف

03/12 22:04

"يا أيها القاضي، اتقِ الله، فإن الله يمنعك من الحكومة وإن الحكومة لا تمنعك من الله".

"يا أيها القاضي، إن حقّ الله ألزم وأوجب من حق رئيس الجمهورية".

"يا أيها القاضي، إن منابر المساجد وقاعات المحاضرات وساحات الجامعات، كلها تشهد أنني عن الشريعة أذود وأدافع، وفي بيان دين الله أصول وأجول، وفي سبيل الله أقدّم النفس والمال..".

كانت هذه كلمات الشيخ الدكتور عمر عبد الرحمن، الذي توفي بالحبس الانفرادي في بوتنر بولاية نورث كارولينا الأميركية يوم 18 فبراير/شباط 2017م، بعد أن قضى قرابة 24 سنة في حبس انفرادي لا يمت إلى الإنسانية بصلة.

فمَن هذا الشيخ الذي كان ثورة قبل الثورة؟! وكيف أصبحت كلماته نبراساً لجميع التيارات الإسلامية، والحركات النضالية؟!

ولد الشيخ عمر عبد الرحمن يوم 3 مايو/أيار 1938م في كنف أسرة كانت تشتهر بالتجارة في قرية الجمالية بمحافظة الدقهلية، حتى إذا ما أكمل السنة من عمره فقد بصره نتيجة إهمال طبيّ، وكانت هذه النقطة بداية تحول لأسرة الشيخ عمر عبد الرحمن بابنهم، فتحول اهتمام الوالدين إلى هذا الطفل ليحفظ القرآن الكريم، فأتم حفظه كاملاً قبل دخوله المدرسة، واهتم به خاله اهتماماً كبيراً ليطلب العلم ويُتقن ما حفظ حتى لا ينسى.

ثم التحق بالمدرسة الابتدائية وأظهر تفوقاً عجيباً على أقرانه، فكان ترتيبه الثاني على الجمهورية، ثم التحق بالمرحلة الثانوية فكان ترتيبه الأول على الجمهورية، حتى صافحه جمال عبد الناصر آنذاك بيده وكرّمه- قبل أن يكون الشيخ معارضاً له.

وأظهر الشيخ تفوقاً ملحوظاً على أقرانه وذويه، حتى إنه كان يتحدى الأساتذة في بعض المسائل فيتفوق عليهم علماً وطرحاً، نتيجة لاطلاع الشيخ الواسع على الكتب في بداية عمره، وقد كان يقف الشيخ -رحمه الله- مكان الأستاذ ليشرح للطلبة الدرس في حال تغيّب الأستاذ عن الحضور أو اعتذر عن المجيء.

ثم أكمل الشيخ دراسته الجامعية فالتحق بجامعة الأزهر كلية أصول الدين، فكان متفوقاً أيضاً كعادته حتى حصل على المركز الأول على دفعته، ولكن لتعنت الجهات الأمنية فيما بعد لم يعيّن الشيخ في الكلية معيداً، فاستكمل دراسته ليحصل على الماجستير ثم من بعد ذلك الدكتوراه بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى في 5 مجلدات كاملة.

وبعد فراغ الشيخ من الكلية، عُيّن إماماً وخطيباً في قرية بمحافظة الفيوم، فاشتهر اسمه وعلا صيته، حيث كان يهتم بأمور الناس ويعلمهم دينهم، ولا يلتزم بما التزم به أغلب الأئمة آنذاك من الصلاة وخطبة الجمعة فقط، بل كان يحرص على نصحهم و يعالج السلبيات التي تفشت في القرية بما استطاع، حتى أصبح الناس يتقاتلون لحضور خطبة هذا العالم في هذه القرية الصغيرة، وهو يعكف على حل مشاكلهم و إرشادهم، حتى أصبح للشيخ في هذه القرية شعبية كبيرة.

فهنا انتبهت السلطات الأمنية وخشيت في -عهد عبد الناصر- إلى تجمّع الناس في القرية حول هذا الشيخ الضرير، فنقلوه فوراً إلى محافظة الفيوم، ظانين أنه لن يكون له صوت في المحافظة الكبيرة كصوته بالقرية الصغيرة، وأن اسم الشيخ سيختفي بين عموم الناس في هذه المحافظة.

لكن، ما كان من الشيخ إلا أن انتشر فكره، واتسعت دعوته في محافظة الفيوم كاملة، خاصة بعد أن أصبح ينتقد الدولة بخطبه، ويظهر ما في المجتمع من عوار ومفاسد ومحاربة لشرع الله ودينه، وكان كثيراً ما يربط بين عهد فرعون مصر وواقعهم، ففهم الناس أنه يقصد بذلك جمال عبد الناصر، وقد كان عبد الناصر في هذا التوقيت زعيماً للمنطقة العربية وليس لمصر فقط.

إلا أن جرأة هذا الشيخ الصغير الضعيف الضرير أيقظت الناس من حوله، وبدأ الالتفاف مع الشيخ مرة أخرى ولكن في المحافظة نفسها، فما كان من النظام آنذاك إلا أن يستدعيه مرات ومرات، حتى تم استدعاؤه سنة 1969 إلى إدارة الأزهر فكان تحوّل جذري من النظام تجاه هذا الشيخ الضرير.

بعد استدعاء الشيخ عمر عبد الرحمن والتقائه الأمين العام للأزهر آنذاك، فوجئ الشيخ بأنه قد أُحيل إلى الاستيداع، وهي عقوبة عسكرية في المقام الأول ولكن لغرض الشيخ انتقلت إلى الجهات المدنية، وبهذه العقوبة يترك الإنسان عمله فوراً ويجلس في بيته، حتى يُقرر بعد سنتين على الأغلب هل يرجع الشخص المعني أم يُفصل نهائياً.

إلا أنه بعد 6 أشهر من الاستيداع، أُخبر الشيخ بأنه قد عاد للعمل مرة أخرى، ولكن لخشية الجهات الأمنية من حضور الشيخ مرة أخرى بقوة بين الناس في المساجد، نقلوه إلى الجامعة ليكون معيداً بها، ثم تدخلت الجهات الأمنية مرة أخرى؛ خشية أن يؤثر الشيخ على الطلاب آنذاك بأفكاره، فنقلوه إلى إدارة الأزهر بلا عمل، فاستغل الشيخ هذه الخطوة، وتفرّغ للدعوة إلى الله متطوعاً، يدعو الناس لدين الله في المساجد المختلفة بمحافظة الفيوم وقراها، والناس كلّها تنكبّ على دعوة الشيخ وسماع خطبه وكلامه الذي يهز الأركان، حتى اعتُقل الشيخ لأول مرة في أكتوبر/تشرين الأول عام 1970م.

كان أول اعتقال للشيخ عمر عبد الرحمن بعد وفاة جمال عبد الناصر بشهر تقريباً، وسبب هذا الاعتقال أن الشيخ صعد المنبر ذات مرة فأفتى بعدم جواز الصلاة على عبد الناصر وحذّر الناس ومنعهم من الصلاة عليه. وقد صدر وقتها مرسوم من وزارة الأوقاف يلزم جميع الأئمة والخطباء بأن يقيموا صلاة الغائب على عبد الناصر، فأبى الشيخ عمر عبد الرحمن أن ينصاع لهذا المرسوم، وخطب على المنبر خطبة يُبين فيها لوزير الأوقاف آنذاك أن فعله لا يصح ولا يجوز، ومنع الناس في مسجده أن يمتثلوا لأمر وزير الأوقاف.

فلم يلبث إلا أن اعتقلته الجهات الأمنية للمرة الثانية لمدة 8 أشهر متواصلة في سجن القلعة، ليخرج الشيخ بعدها أشد جرأة في قول الحق، قاطعاً على نفسه العهد أن يكمل مسيرة الدعوة إلى الله وكانت بداية حياة الشيخ في معهد محافظة المنيا.

بعد خروج الشيخ بـ3 أشهر من السجن، طُلب من الشيخ أن يذهب إلى معهد محافظة المنيا، وحاول الشيخ الضرير أن يقدم الالتماسات والأعذار عن الذهاب لمحافظة؛ لعلمه أن هذا الإجراء بمثابة العقاب القاسي له، وأن مستقر دعوته ومنزله في الفيوم، إلا أن هذه المحاولات لم تفلح، فذهب الشيخ لمعهد المنيا وهو متخوُّف من مشقة الذهاب والعودة، والمأكل والمسكن وغير ذلك.

فلما استقر الشيخ بمعهد المنيا، ما كان من إدارة المعهد إلا التعاون مع المباحث لإلحاق الضرر بالشيخ عمر عبد الرحمن، وحاولوا أن يجهدوه بشتى الطرق، فوضعوا له جدولاً دراسياً ما كان يوضع لأحد، وحذّره وكيل المعهد من أن يتصل بأحد، أو يتصل به أحد، وهكذا استمر التعامل مع الشيخ بشكل قاسٍ وعنيفٍ.

استمر الشيخ في الدعوة متنقلاً بين محافظة المنيا والفيوم وأسيوط، مع تعنُّت السلطات الأمنية مع الشيخ في كل مكان وبشتى الطرق، إلا أن الشيخ كما أسلفنا قطع على نفسه عهد الدعوة إلى الله ولو كلّفه ذلك حياته وماله.

حتى خرج -رحمه الله تعالى- للمملكة العربية السعودية، وقضى بها نحو 3 سنوات قبل أن يرجع إلى مصر في عام 1980، ليبدأ مسيرة الدعوة من جديد وقد بدأت ثمار دعوته تظهر والناس يتحدثون عن شيخ عالم غزير العلم قوي القلب والكلمة اسمه "عمر عبد الرحمن".

لكن، لم يستمر الوقت طويلاً حتى جاء قرار التحفظ من السادات، وكان الشيخ عمر عبد الرحمن ممن شملهم قرار التحفظ في سبتمبر/أيلول من عام 1981م، إلا أنه لم يُلقَ القبض عليه آنذاك؛ لعدم معرفة الجهات الأمنية بمكان الشيخ في هذا الوقت، حيث توارى الشيخ عن الأنظار قليلاً عندما علم بوجود اسمه في قرارات التحفظ.

ثم لم يلبث أن قُتل السادات بعد قرارات التحفظ بشهر واحد، وهنا تم القبض على الشيخ الدكتور عمر عبد الرحمن واتُّهم بأنه أمير تنظيم الجهاد، وأنه هو الذي أفتى بقتل السادات وأجاز ذلك.

مرافعة الشيخ عمر عبد الرحمن الشهيرة:

ظل الشيخ عمر عبد الرحمن في السجن 3 سنوات، حتى جاء اليوم الذي كانت فيه محكمة أمن الدولة العليا منعقدة، ليمثُل أمامها الشيخ عمر عبد الرحمن والتي كانت تعد من أشهر المحاكمات في ذلك التوقيت، وتهمة الشيخ الأولى أنه أفتى بقتل السادات، والحقيقة أن الشيخ لم يفتِ بهذا، وسُئل عن هذا فأجاب بالنفي.

بدأت المحاكمة، واهتزت القاعة بصوت المتهمين وهم يقولون قبل مرافعة الشيخ عمر:

الله أكبر الله أكبر... فليرتفع صوت الأزهر

الله أكبر الله أكبر... فليرتفع شأن الأزهر

ثم بدأ الشيخ عمر عبد الرحمن يصول ويجول أمام المستشار، في مرافعة شهيرة خلّدها التاريخ وذكرها الناس، حتى تأثر القاضي رئيس محكمة أمن الدولة العليا بهذه المرافعة القوية، فكان مما قال فيها:

"أيها القاضي المستشار، إن الحق أبلج والباطل لجلج، وقد ظهر الصبح لذي عينين، وأُقيمت الحجة وانقطعت المعاذير.

أيها القاضي المستشار، إنني مطالَب أمام عقيدتي وأمام ضميري بأن أدفع الظلم والجبروت، وأردَّ الشبهات والضلالات، وأكشف الزيغ والانحراف، وأفضح الظالمين على أعين الناس، وإن كلفني ذلك حياتي وما أملك، فإذا كانت النيابة تطالب بإعدامي فإن هذا لا يروعني ولا أحزن له.

أيها القاضي المستشار، أنا لا يرهبني السجن ولا الإعدام، ولا أفرح بالعفو أو البراءة، ولا أحزن حين يحكم عليَّ بالقتل، فهي شهادة في سبيل الله، وعندئذ أقول؛ فزت وربِّ الكعبة.

أيها القاضي المستشار، إنني مسلم أحيا لديني وأموت في سبيله، ولا يمكن بحال أن أسكت والإسلام يُحارب في كل مكان، أو أن أهدأ وأمواج الشرك والضلال تتلاطم وتغمر كل اتجاه.

أيها القاضي المستشار، كلا وألف كلا، لن نرضى بحكم الطواغيت، ولن نستكين لحكم العبيد.

أيها القاضي المستشار، حقُّ الله ألزم من حق رئيس الجمهورية، واللهُّ أحقُّ أن يطاع، فاتقِّ الله فإنه يوشك أن يأتيك رسول رب العالمين فيزيلك عن كرسيك، ويخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك.

أيها القاضي المستشار، إن الله يمنعك من الحكومة، وإن الحكومة لا تمنعك من الله وإن أمره فوق كل أمر، وإني أحذرك بأسه الذي لا يُرَد عن القوم الظالمين، أيها القاضي إن الحساب من وراءك سوط بسوط وغضب بغضب، والله تعالى بالمرصاد والسلام عليكم ورحمة الله."..

كانت هذه بعض كلمات الشيخ عمر عبد الرحمن في أثناء المرافعة، وكما أسلفنا فقد تأثر بها القاضي آنذاك أشد التأثر.

براءة الشيخ عمر عبد الرحمن من التهم:

ثم بعد مرافعة الشيخ عمر عبد الرحمن أمام القاضي والتي استغرقت عدة أيام، وبعد مرافعة المحامين، جاءت كلمة القضاء ليسجلها التاريخ بأحرف من نور، بأن برأ القاضي، الشيخَ عمر عبد الرحمن مما نُسب إليه، على الرغم مما قاله الشيخ عمر عبد الرحمن في أثناء المرافعة.

وقد ذكر القاضي المستشار في حيثيات حكم البراءة، أن المتهم عمر أحمد علي عبد الرحمن مؤهل بحكم دراسته وعمله للإفتاء شرعاً، وتدريس علوم الدين، ومن بينها فقه الجهاد، وتفسير القرآن الكريم.

وخرج الشيخ عمر عبد الرحمن بعد 3 سنوات قضاها في السجن، وعلى الرغم من المحنة والشدة اللتين أصابتا الدكتور في محبسه، والتعب الشديد الذي ألمَّ به، فإنه عاود الدعوة إلى الله واستعاد نشاطه ليبدأ رحلة جديدة في إيصال ما تعلمه الشيخ للشباب ولإظهار الحق وإبطال المنكر والباطل.

إلا أن فترة حكم حسني مبارك لم تكن أفضل حالاً مع الشيخ من سابقتها، فبدأت السلطات في التعنت مع الشيخ مرة أخرى لتثنيه عن دعوته وجهاده في نشر العلم وتعليم الناس تارة بالتخويف والترهيب، وتارة بعرض أعلى الوظائف والمناصب على الشيخ ليسكت، فقال جملته المشهورة وقتها: "إنّ المناصب تحبو تحت أقدامنا وندوسها بنعالنا"، حتى اعتُقل -رحمه الله- في عام 1986م، ليستمر اعتقاله قرابة العام.

سفر الشيخ لتعليم الناس حول العالم:

وبعد سنة من الاعتقال، خرج الشيخ من مصر ليلتحق ببعض ساحات الجهاد آنذاك، معلماً للناس الخير على الرغم من فقدان بصره وضعف جسده، إلا أنه كان يرى أن له دوراً هاماً في تعليم المجاهدين أمور دينهم وفقه الجهاد، وأن يكون له دور في فض الخلافات ونزع الشقاقات بين صفوفهم، وتوحيدهم على كلمةٍ سواء.

طاف الشيخ قرابة 6 أشهر بين الدول العربية والأجنبية، ليعلِّم الناس الخير، ويلتقي جاليات مسلمة فينصحهم ويعظهم، يأمرهم بالخير والمعروف وينهاهم عن المنكر، حتى عاد لمصر حاملاً رسائل هامة لإخوانه في الدعوة، وعلى أثرها ذاع صيت الشيخ في دول العالم قاطبة حتى لقبه الناس بـ"ابن تيمية" عصره، فقد جمع بين العلم الشرعي والجهاد بالكلمة والهجرة في سبيل الله والسجن في سبيل الدعوة، حتى قال الشيخef="/tags/94407-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D9%83%D8%B4%D9%83">الشيخ كشك عن الشيخ عمر عبد الرحمن: "لقد سبح في بحر وقفت أنا على شاطئه".

سفر الشيخ للولايات المتحدة الأميركية:

سافر الشيخ عمر عبد الرحمن إلى الولايات المتحدة ليقيم في ولاية نيوجيرسي، حيث اعتُقل هناك منذ عام 1993م، بعد أن وُجِّهت له 4 اتهامات نفاها عن نفسه الشيخ مرات ومرات، إلا أنه لم يجد مُعيناً أو سامعاً له.

فقد اعتُقل بتهمة التحريض على تفجير مركز التجارة العالمي في عام 1993 م، بعد أن استدرجه عميل للمخابرات المصرية بسؤال عام أجاب الشيخ فيه بالدليل من القرآن والحديث، إلا أنه كان يُنظر للشيخ بأنه أحد رموز الثورات في مصر آنذاك، وأفغانستان والصومال والبوسنة والهرسك والشيشان وغيرها، فكانت العقوبة حاضرة في مشهد لم يحصل لأحد من قبل، فاتهم الشيخ بما لم يقله، وبحضور شاهد واحد فقط، حتى حكم على الشيخ بقانون النوايا الذي لم يُطبق على أحد في أميركا منذ ما يقرب من 200 سنة، وكان يُستخدم ضد الهنود الحمر، وكان الحكم العجيب هو السجن قرابة 380 عاماً بالسجن الفيدرالي في حبس انفرادي.

وفي مستهل الحكم، يذكر القاضي أن الشيخ عمر عبد الرحمن كان ينوي، فعاقبوه على نيته التي لا يطّلع عليها أحد إلا الله.

ومن العجيب أن جريدة واشنطن بوست نشرت تقريراً على لسان أحد المحامين والذي كان يعمل في مكتب الجريمة التابع للمباحث الفيدرالية، وقال فيه نصاً إن رؤساءه طلبوا منه تجاهل التحقيقات التي تشير إلى براءة الشيخ عمر عبد الرحمن من تفجير مركز التجارة العالمي، وفي أثناء شهادته أمام المحكمة، قال: "تعرضت لقدر كبير من الضغط الأميركي لأقدّم تفسيراً متحيزاً ضد الشيخ عمر عبد الرحمن".

أيَّد الشيخ عمر عبد الرحمن -رحمه الله تعالى- المبادرة التي أطلقتها الجماعة الإسلامية في عام 1997م لنبذ العنف، كما أفتى بعدم جواز استهداف المصالح المصرية أو الأميركية بعمليات التفجير، وكان يحذر من فكر التكفير وانتشاره، وكان يقول: "من واجبي أن أُظهر للعالم كيف يحكم حسني مبارك مصر بالنار والحديد، وكيف يمتلك ملايين الدولارات بوجه غير شرعي"، ويدعو المنظمات والدول للسؤال عن ذمة مبارك المالية، إلا أن هذا كله لم يلقَ صدىً عند الإدارة الأميركية أبداً.

عرضت الإدارة الأميركية في وقت من الأوقات على حكومة مبارك باستلام الشيخ عمر عبدالرحمن لقضاء فترة العقوبة في مصر، إلا أن مصر اعتذرت عن ذلك مرات عديدة، حتى جاء الرئيس محمد مرسي فكانت أول رسائله من ميدان التحرير أنه سيعمل على استعادة الشيخ عمر عبدالرحمن، لكن لم تفلح محاولاته أيضاً وقتها.

تعنّت السلطات الأميركية ضد الشيخ عمر:

قال الشيخ عمر عبد الرحمن في رسالة أرسلها لابنه وسمّيت وصية الشيخ عمر: "إنهم يحاصرونني حصاراً معنوياً أيضاً، حيث يمنعون عني المترجم والقارئ والراديو والمسجل، فلا أسمع أخباراً من الداخل أو الخارج، وهم يحاصرونني في السجن الانفرادي فيمنع أحد يتكلم العربية أن يأتي إليَّ فأظل طول اليوم والشهر والسنة لا أكلم أحداً ولا يكلمني أحد، ولولا تلاوة القرآن لمسَّني كثير من الأمراض النفسية والعقلية".

وقال رحمه الله: "وكذلك من أنواع الحصار، أنهم يسلطون عليَّ كاميرا ليلاً ونهاراً؛ لما في ذلك من كشف العورة عند الغسل وعند قضاء الحاجة، ولا يكتفون بذلك؛ بل يخصصون مراقبة مستمرة عليَّ من الضباط، ويستغلون فقْد بصري في تحقيق مآربهم، فهم يفتشونني تفتيشاً ذاتياً فأخلع ملابسي كما ولدتني أمي وينظرون في عورتي من القبل والدبر، وعلى أي شيء يفتشون؟! على المخدرات أو المتفجرات ونحو ذلك، ويحدث ذلك قبل كل زيارة وبعدها، وهذا يسيء إليَّ ويجعلني أودُّ أن تنشق الأرض ولا يفعلون معي ذلك".

وقال رحمه الله في رسالته: "إنهم يهملون في شؤوني الشخصية كالحلق وقص الأظافر بالشهور، كذلك يحمِّلونني غسل ملابسي الداخلية، حيث أنا الذي أمرُّ الصابون عليها وأنا أدعكها وأنا أنشرها وإني لأجد صعوبة في مثل هذا".

ثم ختم رسالته بقول: "إنهم إن قتلوني -ولا محالة هم فاعلوه- فشيِّعوا جنازتي وابعثوا بجثتي إلى أهلي، فوصيتي أن أُدفن في مصر أو في أرض مسلمة، وتذكَّروا أخاً لكم قال كلمة الحق وقُتل في سبيل الله".

الأيام الأخيرة في حياة الشيخ:

بقي الشيخ في السجن الانفرادي قرابة 24 عاماً، بين انتهاكات وتعذيب وإزعاج من قبل السلطات الأمنية في السجن الفيدرالي بولاية شمال كارولينا، وضيِّق عليه حتى أصبح لا يذهب لقضاء الحاجة إلا مرة واحدة في اليوم، ولا يتصل بأسرته إلا مرة كل 15 يوماً فقط.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل