المحتوى الرئيسى

40 سنة "سكر مر"

03/12 00:02

إذا كنت واحدا من هؤلاء فسيسهل عليك استيعاب ما آلت إليه أزمة السكر التى عصفت بمصر مؤخرا، بداية من المزارع البسيط الذى يعانى من انخفاض أسعار توريد محصول القصب والبنجر، ويفضل بيعه لمن يدفع أكثر، مرورا بمصنعى الحلوى الذين لم تعد خطوط الإنتاج المتاحة حاليا قادرة على الصمود أمام زيادة الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك.

أما المستورد فيكفى معرفة حجم العشوائية المرتبطة بقرارات الاستيراد وعملها دون ضوابط محددة تخدم احتياجات السوق، وأخيرا المواطن الذى لا يرى فى استهلاكه لـ34 كيلو جراما من السكر سنويا أمرا مثيرا للدهشة.

على مدار 44 عاما تحول المشهد فى مصر من دولة لديها اكتفاء ذاتى من السكر يصل الى نسبة 118% إلى دولة تعانى من أزمة حقيقة لهذه السلعة الاستراتيجية التى لا يستغنى عنها أى بيت فى مصر، وأرجعت الحكومة فى تصريحاتها سبب الأزمة بشكل رئيسى إلى ارتفاع الأسعار العالمية، وانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار خاصة فى السوق السوداء قبل عملية التعويم، وعدم قدرة المستوردين على استيراد الكميات المعتادة بسبب ذلك.

ومع التسليم بمدى تأثير هذه العوامل فى حدوث هذه الأزمة التى بلغت ذروتها فى أكتوبر الماضى، إلا أن هناك عوامل أخرى كثيرة وقفت وراء استيرادنا الى ثلث احتياجاتنا من السكر من الخارج، لعل أهمها الزيادة السكانية الكبيرة التى لم تتمكن زيادة الإنتاج المحلى من احتوائها وزيادة معدلات استهلاك السكر، بالإضافة لأزمات يعانى منها القطاعين الزراعى والصناعى المنتج للسكر، يجعلهما غير قادرين على تلبية احتياجات المواطنين فى ظل استمرار وضعهما الراهن.

حلقات الاستيراد والتداول لم تكن بعيدة عن الأزمة بدورها، حيث يلعب الاحتكار دورا بارزا فى الأزمة ساهم فيها ما أسماه الخبراء "فوضى العملية الاستيرادية" التى تسببت فى قيام الشركات المستوردة بإعادة تصدير كمية كبيرة مما استوردوه عام 2015 إلى الخارج مرة أخرى للاستفادة من زيادة الأسعار العالمية وتدنى قيمة الجنيه، ولم تفلح إجراءات الحكومة بفرض رسم صادر على السكر فى وقف عمليات التصدير وإعادة التصدير التى قام بها القطاع الخاص العام الماضى، وهو ما سنكشف تفاصيله فى الملف التالى.

118.4% نسبة الاكتفاء الذاتى من السكر عام 1972 تنخفض إلى 55.4% بعد الانفتاح فى 1980

اتسعت الفجوة بين إنتاج السكر والزيادة السكانية المطردة خلال الأربعين عامًا الماضية، وذلك اعتبارًا من عام 1972 الذى بلغ فيه حجم إنتاج السكر الأبيض حوالى 593 ألف طن، وقت أن كان عدد سكان مصر 30.1 مليون نسمة، وظل كلاهما فى ارتفاع حتى بلغ حجم الإنتاج 2.2 مليون طن سكر تقريبًا عام 2016، بنسبة زيادة قدرها 270%، مقارنة بالسنة الأولى للدراسة، ولكن ابتلعت الزيادة السكانية هذه الزيادة، حتى اتسعت الفجوة بين حجم الإنتاج والاستهلاك من صفر عام 1972 إلى 964 ألف طن عام 2016.

ويلاحظ الزيادة المتسارعة فى حجم استهلاك السكر، والذى قفز من 501 ألف طن عام 1972 إلى 3.2 مليون طن تقريبًا عام 2016، وهى زيادة تفوق حجم الإنتاج المحلى، الذى ارتفع من 593 ألف طن عام 1972 إلى 2.2 مليون طن تقريبًا عام 2016.

وبالتالى تسبب فى اتساع الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، والتى تحتاج مصر لسدها من خلال الاستيراد، حيث قفزت من صفر عام 1972 الذى شهد اكتفاء ذاتيًا من إنتاج السكر المحلى، لتتحول مصر إلى العجز واتساع الفجوة إلى 964 ألف طن عام 2016.

وتظهر البيانات الصادرة عن مجلس المحاصيل السكرية بوزارة الزراعة حدوث زيادة فى معدلات استهلاك الفرد من السكر سنويًا، لتقفز من 16.6 كيلو جرام إلى 34 كيلوجرامًا، وهو ما يفوق المعدلات العالمية التى تسجل 22 كيلوجرامًا للفرد سنويًا، أو المعدل الصحى الذى يصل إلى 24 كيلوجرامًا سنويًا، وهو ما أرجعه الدكتور عبدالوهاب علام، رئيس المجلس، إلى بداية عصر الانفتاح فى نهاية السبعينيات، وتحول المواطنين إلى النمط الاستهلاكى لجميع السلع.

تطور معدل استهلاك الفرد من السكر الأبيض بالكيلو جرام سنويًا

جميع العوامل السابقة أدت إلى تحول مصر من الاكتفاء الذاتى من الإنتاج المحلى للسكر بنسبة 118.4% عام 1972، إلى العجز وتطور الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، لتصل نسبة الاكتفاء الذاتى إلى 69.5% عام 2016.

تطور نسبة الاكتفاء الذاتى من الإنتاج المحلى للسكر الأبيض

ولكى تعكس البيانات الواقع، استطلع "برلمانى" آراء 3 ربات بيوت حول استهلاكهن من السكر، وعكست إجاباتهن جميعًا الطبيعة الاستهلاكية لهذه السلعة لدى الكثير من الأسر، خاصة التى لديها بطاقات تموينية، حيث قالت الأولى سعاد محمود، ربة أسرة مكونة من 5 أفراد، إن استهلاكهم من السكر شهريًا يصل إلى 8 كيلوجرامات فى حالة عدم قيامهم بصنع حلويات منزلية، أما إذا صنعت بعض الحلويات فيصل هذا المعدل إلى 13 كيلوجرامًا فى الشهر الواحد، ولكنها سلمت بقيامهم بترشيد هذا الاستهلاك نظرًا للأزمة، خاصة مع تسلمها كيلو واحدًا فقط لكل شخص على بطاقة التموين، وارتفاع سعر السكر فى السوق الحرة ليصل إلى 14 جنيهًا للكيلو.

هذا الأسلوب فى استهلاك السكر اتفقت عليه كل من صباح سلامة، وناهد منسى، فالأولى ربة منزل لأسرة مكونة من 7 أفراد تحافظ على كمية السكر التى تحصل عليها من التموين شهريًا رغم الأزمة، بواقع 10 كيلوجرامات، حتى وإن لم تستهلك الكمية بأكملها، أما الثانية وهى ربة منزل لأسرة من 5 أفراد فتستهلك من 5 إلى 7 كيلو سكر تموينى شهريًا، وتضطر لشراء باقى الكمية بواقع كيلو أو اثنين من السوق الحرة شهريًا.

الزراعة هى عصب إنتاج السكر، سواء محصول القصب أو البنجر، ومع التأكيد الحكومى على أهمية هذه الزراعات، فإن واقع الأمر يكشف معاناة فلاحى هذه المحاصيل، خاصة ما يتعلق بمشاكل تحديد أسعار التوريد، التى يجدها المزارعون غير مجدية فى ظل ارتفاع تكلفة الزراعة، بما يهدد بتراجع مساحات القصب والبنجر على حد سواء خلال السنوات المقبلة.

ويكشف التقرير السنوى لمجلس المحاصيل السكرية بوزارة الزراعة الصادر فى يناير 2017 بعنوان «المحاصيل السكرية وإنتاج السكر فى مصر»، وجود عجز فى إنتاج السكر عن الموسم الماضى بحوالى 175.6 ألف طن، بنسبة 7.4% عن الموسم السابق عليه، جراء نقص المساحات الموردة لمصانع السكر من القصب بحوالى 4007 أفدنة بموسم عصير 2016، وبالتالى نقص الكمية بحوالى 256.2 ألف طن قصب، كما تراجعت جودة المحصول، وانخفاض معدل توريد فدان البنجر بواقع طن للفدان.

التقرير يشير إلى وجود إشكالية واضحة قد تظهر بصورة أكبر فى مواسم التوريد المقبلة، وأرجع يوسف عبدالراضى، رئيس مجلس إدارة الجمعية العامة لمنتجى القصب، تراجع كميات القصب الموردة لمصانع السكر إلى انخفاض أسعار التوريد التى تحددها الحكومة للمحصول، وتأخير سداد المصانع مستحقات الفلاحين إلى شهر أغسطس بدلًا من يناير من كل عام، مشيرًا إلى أن كميات كبيرة من محصول الموسم الماضى تم توريدها إلى مصانع العسل الأسود بعائد أعلى.

ووافقت الحكومة على سعر توريد القصب بـ620 جنيهًا للطن خلال الموسم الجارى، بتدخل من مجلس النواب، بعد أن واجهت اعتراضات من الفلاحين على تحديد سعر 500 جنيه للطن بعد التعويم مقابل 400 جنيه فى الموسم الماضى، وتهديدهم بعدم توريد القصب لمصانع السكر، حيث بدأ تسليم المحصول للمصانع اعتبارًا من يناير المنقضى.

وقال «عبدالراضى» لـ«برلمانى»: «إذا لم تتم زيادة السعر الموسم المقبل فسيتحول العديد من المزارعين إلى زراعة محاصيل أخرى، لأن زراعة القصب بهذا السعر لم تعد مجدية».

ويرى مزارعو القصب أن السعر العادل للتوريد يجب ألا يقل عن 800 جنيه الموسم المقبل، بعد زيادة جميع تكاليف الإنتاج، طبقًا لما أكده أحمد سيد، سكرتير عام جمعية منتجى القصب، مشيرًا إلى وجود عائق كبير أمام بداية الموسم الجديد لزراعة القصب الذى بدأ فى الوقت الحالى، وهو عدم توافر السماد، بما يؤثر على جودة وإنتاجية المحصول إذا لم يتوفر سريعًا بالجمعيات الزراعية.

ولم تقتصر مشاكل المحاصيل على القصب، بل طالت البنجر أيضًا، خاصة ما يتعلق بسعر التوريد، فبعد أن وافقت الحكومة على رفع السعر من 275 إلى 400 جنيه للطن، قوبل هذا السعر باعتراض من مزارعى البنجر، نظرًا لارتفاع تكلفة الإنتاج بعد التعويم.

وقال محمد جبر، رئيس الجمعية العامة لمزارعى بنجر السكر: «إذا لم يرتفع سعر توريد البنجر فى الموسم الحالى عن السعر المحدد من الشركات، ستنخفض المساحات المزروعة من 520 ألف فدان حاليًا إلى 200 ألف فدان العام المقبل، بما يهدد حجم إنتاج السكر الذى يعتمد على البنجر بشكل أساسى.

ويقوم مجلس المحاصيل السكرية بوزارة الزراعة بدراسة سعر التوريد المناسب للمحاصيل السكرية، وهى القصب والبنجر، ولكن السعر الذى يحدده المجلس هو سعر استرشادى، لأن وزير الزراعة غير ممثل فى اللجنة الاقتصادية الوزارية، بحسب ما أكده الدكتور عبدالوهاب علام، رئيس مجلس المحاصيل السكرية، فى حديثه لـ"برلمانى".

ويوضح «علام» كيفية تحديد السعر من خلال عدة معايير، تتضمن حساب تكاليف الإنتاج من مستلزمات الإنتاج والعمالة وإيجار الأرض، والفرصة البديلة إذا لم يزرع الفلاح القصب أو البنجر، وزرع القمح أو الذرة، وحساب سعر السكر العالمى، ونسبة التضخم، ثم يحسب العائد للمزارع، وعلى أساس ذلك يتم اقتراح السعر وإرساله للحكومة.

واقترح المجلس سعر توريد القصب فى الموسم الحالى بقيمة 700 جنيه لطن القصب، وفقًا لـ«علام»،وبالنسبة لتوريد بنجر السكر يقول «علام»: «أوصينا بسعر 550 جنيهًا للطن، يعادل ضعف سعر التوريد للموسم السابق بقيمة 275 جنيهًا، وانتهت المفاوضات لسعر توافقى هو 400 جنيه للطن» وهو سعر غير عادل.

الحكومة تستهدف 6 خطوط إنتاج جديدة حتى 2030 لتقليص الفجوة إلى 10% فقط

تواجه صناعة السكر فى مصر العديد من التحديات، فمقابل الزيادة الهائلة للسكان الذى تضاعف 3 مرات خلال 44 عامًا ليصل الآن إلى 92 مليون نسمة فى 2016، وتزايد معدلات استهلاك الفرد من السكر للضعف تقريبًا من 16.6 كيلو جرام سنويًا عام 1972 إلى 34 كيلو جرام فى 2016، لم تعد خطوط الإنتاج المتاحة حاليًا قادرة على الصمود أمام زيادة الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، وهو ما يحتاج لمضاعفة الطاقات الإنتاجية بصورة كبيرة، خاصة من بنجر السكر، الذى تعتمد الدولة على التوسع فى زراعته مستقبلًا، ويوضح الدكتور عبدالوهاب علام أهم مشاكل صناعة السكر فى مصر، فبالنسبة لمصانع قصب السكر، فإن الطاقة التصنيعية للمصانع الثمانية التابعة لشركة السكر تبلغ 10.2 مليون طن قصب سنويًا، تنتج 1.1 مليون طن سكر، فى حين أن إنتاجنا من محصول القصب أكثر من 12 مليون طن سنويًا، وبالتالى لا يمكن التوسع فى زراعة القصب، لأن الإنتاج من المحصول أكبر من الطاقة التصنيعية للمصانع.

وأفاد «علام» بوجود مشكلتين تتعلقان بالطاقة التصنيعية، الأولى تتعلق بمصنع جرجا، فلا توجد مساحات مزروعة من القصب تكفيه، حيث يزرع بالمحافظة 14 ألف فدان فقط، فى حين أن الطاقة الإنتاجية للمصنع 30 ألف طن، وهو ما يرجع لإنشاء المصنع فى غرب النيل، فى حين تتركز الزراعات فى شرق النيل، وجار الآن استكمال إنشاء كوبرى من دار السلام إلى جرجا لنقل القصب.

والمشكلة الثانية تتعلق بمصنع أبوقرقاص فى المنيا، حيث تتم زراعة 39 ألف فدان قصب سكر تكفى الطاقة الإنتاجية للمصنع، لكن يتم توريد 14 ألف طن قصب فقط للمصنع، أى أقل من نصف الكمية، ويتم توريد القصب لمحال العصير فى القاهرة والجيزة، ويباع بأغلى من سعر البيع للمصنع، وهذا الأمر يتطلب تشريعًا ملزمًا بتوريد كميات القصب للمصنع، أو محفزات سعرية للتوريد، وهو الحل الأفضل. وقال «علام»: «ولحل هذه المشكلة أدخلنا زراعة البنجر فى المنيا، بحيث ينتهى المصنع من إنتاج سكر القصب، ويبدأ الإنتاج من البنجر، وبالتالى يعمل بطاقته الإنتاجية الكاملة».

أما بالنسبة لسكر البنجر، فأشار «علام» إلى أن الطاقة التصميمية لجميع الشركات الموجودة هى 8.3 مليون طن بنجر، ويبلغ إنتاج مصر من البنجر أكثر من 9 ملايين طن سنويًا، ينتج منها حوالى 1.4 مليون طن سكر سنويًا.

وقال: «ولزيادة مساحات بنجر السكر يجب زيادة الطاقات التصميمية للمصانع القائمة بإنشاء مصانع بنجر سكر جديدة، وهذا هو الأمل الذى يجب أن يتم».

وتستهدف وزارة الزراعة فى استراتيجية 2030 إنشاء 6 خطوط إنتاج جديدة لسكر البنجر، حسب رئيس مجلس المحاصيل السكرية، من الممكن أن يقوم بإنشائها 6 مصانع أو 3 مصانع من القطاع الخاص، بطاقة إنتاجية 1.2 مليون طن سكر سنويًا، وستسهم هذه الخطوط الجديدة فى تقليص الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك من 25% حاليًا إلى 10% فقط، بحسب «علام».

وأوضح رئيس مجلس المحاصيل السكرية أن شركة النوران تستهدف 4 خطوط إنتاج تدخل حيز التشغيل تدريجيًا، وهذا يرتبط بتوفير مساحات جديدة لزراعة البنجر، وسيبدأ تشغيل خط جديد العام المقبل 2018، وإذا توفرت أراض جديدة للزراعة واستثمارات سيفتتح الخط الثانى فى 2022، ويليه الثالث والرابع.

بدأت أسعار السكر فى التراجع حاليًا مع دخول الشركات المحلية مرحلة الإنتاج، ولكن تعدد أسعار السكر فى السوق المحلية يفتح الباب على مصراعيه للتلاعب، ويخلق سوقًا سوداء يصعب التحكم فيها وقت الأزمات. ويقول عبدالإمام، رئيس شركة الإمام، لتعبئة السكر «قطاع خاص»، إن هناك 5 أسعار مختلفة لبيع السكر فى السوق، هى كالآتى:

• 8 جنيهات سعر كيلو السكر التموينى.

• 10.5 جنيه سعر السكر بالمجمعات الاستهلاكية التابعة للحكومة.

• 11 جنيهًا للكيلو أو 11 ألف جنيه للطن سعر بيع الشركة القابضة لمصانع الحلويات.

• 10.5 جنيه للكيلو سعر البيع لمصانع التعبئة بالمحافظات، على أن يباع للمستهلك بسعر 11.75 جنيه للكيلو «قطاعى».

• 11.450 ألف جنيه للطن سعر السكر بالقطاع الخاص، يباع للمستهلك بسعر 12 - 14 جنيهًا للكيلو «قطاعى».

وأكد «الإمام» أن الحل للمشكلة أن تعرض الحكومة سعر بيع مباشر أيًا كان هذا السعر، على أن يتحكم فيه العرض والطلب دون تدخل، منعًا لظهور سوق سوداء لبيع السكر. وعلق د.عبدالوهاب علام، على تعدد أسعار بيع السكر، قائلًا: «وجود أكثر من سعر لسلعة واحدة يفتح بابًا واسعًا للفساد».

3.1 مليون طن سكر هو ما تستهلكه مصر سنوياً

2.2 مليون طن منها ينتجها السوق المحلى

800 مليون طن سكر هو حجم الاستيراد سنوياً

الأسعار العالمية سبب أزمة السكر

تطورت الأسعار العالمية للسكر الخام ببورصة نيويورك، من أعلى سعر عام 2011، والذى سجل 626.52 دولار للطن، وأخذ فى الانخفاض حتى أدنى سعر سجله عام 2015، والذى وصل إلى 295.85 دولار للطن، وهو العام الذى شهد إغراق السوق بالسكر المستورد.

ومنذ يناير 2016 بدأت أسعار السكر فى الارتفاع تدريجيًا، وصولًا لأعلى سعر فى أكتوبر، بواقع 505.3 دولار للطن، وهو العام الذى شهد أزمة توافر السكر فى مصر، وشهد أيضًا إعادة تصدير 350 ألف طن للخارج مرة أخرى للاستفادة من ارتفاع السعر العالمى بالخارج، وتراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار بالسوق السوداء قبل التعويم. انخفاض أسعار السكر العالمية فى التعاقدات الآجلة بمركز نيويورك للتبادل التجارى

وطبقًا لبيانات مركز نيويورك للتبادل التجارى، فقد عاودت أسعار التعاقدات الآجلة للسكر فى الانخفاض لتصل إلى 499.10 دولار للطن عند الإغلاق بالنسبة لتعاقدات بتاريخ 14 مارس 2017، ووصل سعر التعاقد بتاريخ مايو 2019 إلى 402.93 دولار للطن، وهو ما يوضح تفاصيله الرسم التالى، الذى يبين عودة الأسعار العالمية للسكر إلى الانخفاض خلال الفترة المقبلة.

عشوائية الاستيراد تغرق السوق فى 2015.. والشركات تعيد تصدير 350 ألف طن فى 2016

تستورد مصر ثلث احتياجاتها من السكر سنويًا، لتغطية الفجوة بين الإنتاج المحلى والاستهلاك، وهذه الفجوة تقدر ما بين 800 طن إلى مليون طن سكر سنويًا طبقًا للبيانات الرسمية لكل من مجلس المحاصيل السكرية، والجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ووزارة التموين.

هذا يعنى أن الاستيراد يكون مقصورًا على حجم الفجوة فقط أو أكثر بقليل، ولكن ما حدث عام 2015 هو قيام المستوردين بإغراق السوق المصرى بكميات كبيرة من السكر المستورد وقت انخفاض أسعار السكر عالميًا، وتسبب ذلك فى خسائر كبيرة لشركة السكر التى ظل لديها مخزون راكد بلغ حجمه 750 ألف طن، يضاف إليه إنتاج عام 2016 بحوالى 2.2 مليون طن، يكفى استهلاكنا حتى نهاية عام 2016، ولكن ما حدث هو قيام الشركات المستوردة بإعادة تصدير السكر مرة أخرى للخارج، للاستفادة من فرق الأسعار، مما تسبب فى إشعال الأزمة كما سبق التوضيح، وهو ما يلقى الضوء على عشوائية الاستيراد دون ضوابط تحدد من خلال احتياجات السوق، طبقًا لتأكيد الدكتور عبدالوهاب علام، رئيس مجلس المحاصيل السكرية.

ويشير التقرير السنوى لمجلس المحاصيل السكرية، الصادر فى يناير الماضى، عن موسم عصير 2016، فى مقدمته إلى أن عام 2016 شهد متغيرات كثيرة ومتلاحقة فى سوق السكر محليًا وعالميًا، حيث تم تعديل الرسوم الجمركية على السكر الخام والأبيض بواقع 20% بقرار من رئيس الجمهورية، مقابل 2% قبل القرار، ثم صدر قرار رئيس الوزراء بإعفاء كميات السكر الخام المستورد من الجمارك فى الفترة من 20 مايو 2016 حتى 31 ديسمبر 2016، حيث ارتفعت الأسعار العالمية نتيجة تأثر إنتاج كل من البرازيل والهند بالظروف الجوية، وقلة المعروض من السكر فى كل من الصين وتايلاند.

وأضاف التقرير، أن انخفاض سعر الجنيه أمام الدولار محليًا وارتفاع الأسعار العالمية للسكر، أدى إلى تصدير السكر المحلى وإحجام المستوردين عن الاستيراد، ونتيجة لما أطلق عليه التقرير «سلوك المواطنين» سواء التجار أو المستهلكين، ظهرت أزمة السكر فى يونيو الماضى، وزادت حدتها مع نهاية شهر أكتوبر.

من جانبه، قال الدكتور أحمد أبو رواش، الأستاذ بمعهد الاقتصاد الزراعى التابع لوزارة الزراعة، إن قيام عدد من الشركات المنتجة بالسوق بتصدير إنتاجها للخارج، للاستفادة من ارتفاع السعر العالمى الذى بلغ 595 دولارًا للطن، مقابل 6 آلاف جنيه السعر بالسوق المحلى كان أحد أسباب أزمة السكر التى اشتعلت العام الماضى.

وفى هذا السياق، أكد الدكتور عبد الوهاب علام، أن مستوردى السكر قاموا بإعادة تصدير 350 ألف طن سكر العام الماضى، للاستفادة من ارتفاع السعر العالمى وتراجع قيمة الجنيه، وهو ما أدى لاتساع الفجوة فى السوق من 10 إلى 25% وكان سببًا رئيسيًا فى الأزمة الماضية، موضحًا أن الدولة فرضت رسمًا صادرًا على السكر المعاد تصديره بقيمة 900 جنيه للطن، فى حين كان مكسب المستورد من إعادة التصدير 3 آلاف جنيه على الطن.

يوضح علام أن شركة السكر والصناعات التكاملية «الحكومية» تصدر السكر البنى إلى دولة كينيا ضمن اتفاقية الكوميسا، وتبيعه مصر بأعلى من الأسعار العالمية بحوالى 25 - 30% طبقا لمميزات الاتفاقية.

كما نصدر السكر ذى الجودة الفائقة، والذى يستخدم فى الصناعات الغذائية والصناعات الدوائية، والمشروبات الغازية، وبكميات منخفضة لا تزيد عن 100 -150 ألف طن سنويًا، لأننا أساسًا دولة غير مكتفية ولدينا احتياج، هذه الكميات، وفى المقابل نشترى سكر خام بأسعار أقل.

ويوضح «علام» أن استيراد الفجوة من السكر الخام تقوم به الحكومة، ممثلة فى شركة السكر التى تتبع وزارة التموين، بحوالى 300 ألف طن سنويًا توجه بالكامل إلى سكر التموين، بالإضافة إلى إنتاجها محليًا من سكر القصب الذى يمثل 1.1 مليون طن سنويًا، وبالتالى يوجه إلى السكر التموينى حوالى 1.4 مليون طن سكر.

كما يستورد جهاز المشروعات، التابع للقوات المسلحة، السكر أيضًا. أما باقى الفجوة التى تتراوح بين 500 و700 ألف طن سكر خام فيقوم باستيراده القطاع الخاص، الذى يضم شركتين متخصصتين فى صناعة السكر من البنجر وتكريره، وهى شركة «النيل» المملوكة لرجل الأعمال نجيب ساويرس، و«صافولا» السعودية، وتستحوذ شركة «النوران» أيضًا على حصة من استيراد السكر.

وهناك شركات معروفة فى مجال استيراد السكر من الخارج، متمثلة فى شركة «كرجيل»، وهى شركة أمريكية عالمية يتولى إدارتها فى مصر رجل الأعمال إسلام إمام، وشركة «البيان» التى يترأسها رجل الأعمال اليمنى الجنسية محمد الغباتى، وشركة «ويكالست» المملوكة لأحمد الوكيل، رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، وهو من كبار المستوردين.

وهناك شركات مستوردة للسكر أصغر من حيث الحجم تتعامل فى التجارة أيضًا، مثل «المبروك» و«البدر» و«الرائد»، طبقًا لدراسة أجراها الدكتور أحمد أبو رواش، الأستاذ بمعهد الاقتصاد الزراعى، حول مشكلة السكر فى مصر.

وبحسب علام فإن الوقائع السابقة تكشف حال تخبط فى التشريعات والقرارات المنظمة لعملية الاستيراد والتصدير، وعدم وجود استراتيجية بنسبة صادرات وواردات المحاصيل الاستراتيجية خاصة السكر، وهى الدور الأساسى لوزارتى التجارة الخارجية والتموين، حيث لا يوجد تحديد للكميات المستوردة أو المصدرة بما يتناسب مع احتياجات السوق والفجوة المعروف كميتها سنويًا.

وذلك بالإضافة إلى احتكار استيراد السكر لشركات بعينها ترفض دخول منافسين جدد السوق وهو ما يؤكده ياسر سيد المحامى وهو وكيل شركة «رويال ستورز» إحدى الشركات العالمية التى تعمل فى مجال الغذاء، وتمتلك مزارع فى البرازيل ورومانيا وتؤجر إنتاج الشركات المصنعة لصالحها، ويملكها رجل أعمال لبنانى الجنسية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل