المحتوى الرئيسى

الإمبريالية في الفتوحات الإسلامية

03/11 22:14

بالنسبة للعديد من العرب والمسلمين، فإن الإمبريالية والاستعمار هما كلمتان تنطبقان حصرياً على القوى الأوروبية، ومؤخراً، على الولايات المتحدة الأميركية. بالنسبة لهم، فالمسلمون في كل أنحاء العالم مجرد ضحايا للتعديات العدوانية الغربية الطويلة من الحروب الصليبية، إلى توسع القوى الإمبريالية الأوروبية خلال القرن العشرين، وحتى الإمبريالية الأميركية في القرن الواحد والعشرين.

يتفق هؤلاء أيضاً على أن الإمبريالية الغربية تتحمل المسؤولية الرئيسية لمشاعر الضيق المتوطنة في الشرق الأوسط، وافتقاده للاستقلال، وتخلفه وغير رضاه عن الغرب حتى الآن؛ بل إن البعض قد يذهب لحد تحميل الإمبريالية الغربية التاريخية مسؤولية الإرهاب في هذا العصر.

دعونا نتفق على التعريفات، طرد المحتل من أرضك هو تحرير ونضال، أمّا احتلال أرض أجنبية وإخضاع سكانها وثرواتها هي إمبريالية محضة، لا البربر في شمال إفريقيا، الذين قاوموا احتلال المسلمين، ولا الإسبان في الأندلس كانوا يطمحون للاستيلاء على أراضي المسلمين العرب؛ لكي يتم احتلالهم.

في غضون 12 عاماً من وفاة النبي محمد في يونيو/حزيران من عام 632م، تم إخضاع إيران، حاملة لقب الإمبراطورية الساسانية، وانتزاع مصر وسوريا من الحكم البيزنطي.

في أوائل القرن الثامن مد المسلمون سيطرتهم على آسيا الوسطى وجزء كبير من شبه القارة الهندية حتى الحدود الصينية، حاصروا القسطنطينية عاصمة البيزنطيين، وتجاوزوا شمال إفريقيا وإسبانيا، لو لم تتم هزيمتهم في شمال غرب فرنسا من قِبل شارل مارتيل في معركة بواتييه (732م) لكان المسلمون قد اجتاحوا أعماق أوروبا.

ما هي أسباب هذا الانفجار غير العادي من الطاقة ومصادر نجاحه؟ حسب الحكمة التقليدية والتفسير التقليدي الإسلامي، الإجابة بسيطة وواضحة: الجهاد في سبيل الله ونشر الإسلام.

المشكلة في هذا التفسير هو أن الفاتحين العرب المسلمين كانوا مهتمين بأخذ إتاوة الشعوب المهزومة أكثر بكثير من تحويلهم للإسلام، حتى القرن الثاني والثالث من الهجرة لم يعتنق الجزء الأكبر من سكان المناطق المحتلة الإسلام، وحتى إسلام البعض كان حيلة للهروب من دفع الجزية وإزالة الحواجز الاجتماعية بينهم وبين المستعمر الجديد.

كما لم تكن الفتوحات المبكرة أيضاً نتيجة ضرورة اقتصادية، لا توجد أية أدلة على هجرة القبائل في بدايات الإسلام من الجزيرة العربية إلى الهلال الخصيب بعد معركة القادسية مثلاً في عام 636م، لم تصل أعداد كبيرة من المستعمر العربي إلى الأراضي المستعمرة إلا بعد توحيد الفتوحات الأولية.

هذا يجعل من الفتوحات الإسلامية، أولاً وقبل كل شيء، سياسية وتوسعية من قوة استعمارية مثالية صاعدة، والذي لا يمثل فيها الإسلام سوى صرخة في معركة وآلية لتوحيد القبائل وتوفير قوة دافعة لهم.

على مر التاريخ، جميع القوى الإمبريالية تحمل أيديولوجيا من نوع ما تعمل على تبرير التوسع وتوفير وسيلة لضمان تبعية الشعوب المهزومة: ففي حالة اليونان والرومان كانت "الحضارة" في مقابل "البربرية"، وفي حالة المغول كانت "وراثة الأرض"، وفي حالة الأوروبيين كانت "عبء الرجل الأبيض" وفي حالة العرب المسلمين في القرن السابع كانت "نشر الإسلام".

سواء كانت الفتوحات نتاج انتهازية بعض الأطراف أو نتاج خطة توسعية مسبقة لا يهم، ما يهم هو أن العرب الغزاة تصرفوا بطريقة الإمبريالي منذ البداية، من إخضاع السكان الأصليين، استعمار أراضيهم، ومصادرة ثرواتهم ومواردهم وجهدهم.

حتى عمر بن الخطاب استمر في استكمال هذه الهيمنة العربية للإمبراطورية، بالنسبة له، لم يكن هناك سوى عِرق واحد قادر على أن يحكم، بينما كان حظ الآخرين هو الخدمة والكدح كشعوب خاضعة.

لحفظ صفاء العرق العربي، منع عمر بن الخطاب غير العرب من الزواج من عربية، وسعى إلى ثني الصحابة من الزواج من نساء يهوديات على رغم من عدم تحريم القرآن لذلك، ومارس ضغوطاً كبيرة على مَن فعل من الصحابة لإلغاء زواجه، حتى إن العرب المستعمرين استقروا في المدن (الأمصار) في فصل تام عن السكان الأصليين بأمر من عمر، في تشابه تام بينه وبين الحكم الاستعماري البريطاني. لا عربي، أصر عمر، يمكن أن يكون عبداً، إما عن طريق البيع أو الاستيلاء. وهو على فراش الموت، أمر أن يتم تحرير جميع العبيد العرب، حتى هؤلاء الذين لم يعتنقوا الإسلام، كما أبدى استعداده لدمج قبيلة "بني تغلب" العربية في الجيش العربي وإعفائها من الضرائب على الرغم من رفضها التخلي عن دينها المسيحي. (1)

التشابه بين الإمبريالية الإسلامية وباقي القوى الإمبريالية على مر التاريخ لا يقف عند فكرة صفاء العرق العربي، المشابه لفكرة العرق الأبيض، بل يستمر للغة والتمييز والفصل العنصري، في كل مستعمرة عربية، تم تقليص الأنشطة الدينية خارج الكنائس والمعابد اليهودية، رنين أجراس الكنيسة كان ممنوعاً، تشييد دور عبادة غير إسلامية كان محظوراً، التبشير بين المسلمين عقوبته الإعدام، تم إجبار اليهود والمسيحيين على ارتداء ملابس مميزة لتمييزهم عن المسلمين، لا يمكن لغير المسلم إلّا ركوب الحمير وليس الخيول، كما كان عليهم إخلاء مقاعدهم في حالة رغب المسلمون في الجلوس، تم حظر غير العرب من استخدام لغات أجنبية غير العربية وبذلك اخترقت اللغة العربية الشعوب المغلوبة وتطورت إلى لغة الإمبراطورية الرسمية. (2)

لم يكن العرب يرحبون بطرق العديد من غير المسلمين الباب لدخول الإسلام، في مجرد محاولة لتحسين ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية، كان للجماهير المهزومة دور واحد فقط في الحياة: توفير المداد والراحة لأسيادهم المستعمرين وتوفير مصدر دخل لهم، لم يكن يُسمح لغير العربي بالدخول في الإسلام إلّا من خلال عملية مهينة في أن يصبح مولى لمن أسلم تحت يديه.

في الواقع، كانت الإمبراطورية الإسلامية استبداد عسكري عربي يُدار من قبل العرب لصالح العرب فقط، كانت الإمبراطورية العربية تثني غير العرب من الدخول في الإسلام وذلك لإخضاعهم في مواقع دونية، وتتعامل مع مَن تحولوا كمواطنين من الدرجة الثانية. غير العرب تحملوا العديد من تحديات الهوية والمجتمع والثقافة، لا سيما فرض اللغة العربية عليهم.

(1) أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم، كتاب الخراج، ص 120، رابط: http://waqfeya.com/book.php?bid=3920

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل