المحتوى الرئيسى

«طفل توفي داخل الحفرة وسيدات باليومية».. ما وراء «الاكتشاف الأكبر لآثار المطرية»

03/11 20:25

كان الصحفيون ومراسلو القنوات الفضائية يلتفون حول رئيس البعثة الألمانية، ديترش رو، في أرض تسمى بـ«مزرعة السجون» ليخبرهم عن تفاصيل «أكبر اكتشاف آثري بمنطقة المطرية»، وفي أثناء حديثه، وقف أطفال بجانبه يستمعون، فداعبهم بلغة عربية ركيكة: «هؤلاء أصبحوا أصدقائي ويفهمون كل شيء». لم يبدو على وجوه الأطفال علامات الفهم التي يتحدث عنها رو، حتى قال أحدهم إن ما يعرفه عن هذا المكان هو أن «مالك»، أحد أقاربه، توفي هنا منذ شهرين.

قبل أن يقاطعهم مفتشو الآثار ويمنعونهم من الحديث، حكى الأطفال سريعًا أن «مالك» الذي كان يبلغ من العمر ثلاث أو خمس سنوات تقريبًا، كان يلعب مع أخوته، فوقع منه جنيه في الحفرة الكبيرة المليئة بالمياه الجوفية، وحين حاول أن يأخذه؛ انزلق داخلها وتوفى في الحال، وهى القصة ذاتها التي أكدها باقتضاب خال الطفل، عيد مجدي لـ.«التحرير».

انفعل مفتشو الآثار عندما سمعوا حديث الأطفال ولم يسمحوا لهم أن يستكملوا، وقال عمرو الساكت، أحد المفتشين، «كفى عرض السلبيات وتحدثوا عن الإيجابيات. نحن قمنا بعمل حواجز من الحديد والأسلاك الشائكة حتى لا يدخل أطفال أو غيرهم ويتعرضوا لضرر، لكن بعض الأهالي سرقتها».

وكانت وزارة الآثار المصرية، أعلنت، الخميس، عن اكتشاف تمثالين فرعونيين يعودان للأسرة الـ19، أحدهما يرجح أنه للملك رمسيس الثاني، والآخر للملك سيتي الثاني، في منطقة المطرية بالقاهرة، التي يوجد بها بقايا معبد الملك رمسيس الثاني بمدينة أون القديمة، والمعبد هو أحد أكبر معابد مصر القديمة، لكنه تعرض للتدمير خلال العصور اليونانية الرومانية.

رئيس البعثة الألمانية الذي يٌفضل «الكشري» 

ديترش رو (49 عاما)، هو رئيس البعثة الألمانية المكونة من 4 خبراء والمشرفة على الحفر مع وزارة الآثار المصرية، يبدو أجنبي المظهر، لكن بمجرد أن يبدأ حديثه، فيظهر بوضوح درايته الكاملة بمصر، التي جاء إليها للمرة الأولى عام 1977 مع أبويه، وزار وقتها الجيزة والأقصر وأسوان، وقرر بسبب موقف حدث له أن هذه الزيارة لن تكون الأخيرة.

يقول رو لـ«التحرير» إن هذا الموقف هو أنه عندما مَرض في أثناء زيارته للقاهرة، وجد اهتماما من العاملين المصريين بالفندق إلى جانب الحفاوة التي لقيها من المصريين عمومًا، وهو ما لا يجد مثله في ألمانيا.

تكررت زيارات رو لمصر في عامي 1979 و1981، ودرس علم المصريات في جامعة هيدلبرج الألمانية، فبدأ عمله في مجال الحفر والتنقيب هناك، ثم عاد إلى مصر لينتقل بين أسوان والأقصر ودهشور والكوم الأحمر والجيزة في الفترة من 1988 لـ1999.

أصبح رو مدير الفريق الألماني في أسوان منذ عام 2000 وحتى 2010، وسافر إلى ألمانيا حتى تواصلت معه وزارة الأثار المصرية ليعود في 2012 ويبدأ الحفر والتنقيب بمنطقة المطرية، وقد كان.

يقف رو، ممسكًا بـ«طبق الكشري» الذي يتناوله يوميا، يقول إنه يعرف الأهالي والعمال جيدًا، ويرى أنه لابد أن يتعاون الجميع من أجل إنجاح هذا المشروع الذي توقف أكثر من مرة بسبب الأوضاع الأمنية خاصة في هذه المنطقة، التي شهدت أحداث عنف.

بعد أن توقفت الأعمال بالمشروع للمرة الأولى في 2011، طلبت وزارة الآثار من البعثة الألمانية برئاسة رو المشاركة في أعمال الحفر والتمويل، وبحسب حديثه، «فمصدر التمويل هو الحكومة الألمانية وأحيانًا يتحمل بعض التكاليف على نفقته الشخصية».

ذلك بعد أن كانت وزارة الآثار المصرية تدفع نحو 100 ألف جنيه سنويًا منذ أن بدأ المشروع في 2005، ثم ازدادت لـ 200 ألف، لكن بعدها لم تستطع تحمُل نفقات  المشروع - وفقًا لأيمن العشماوي، رئيس الفريق المصري بالمنطقة.

منذ أن بدأ رو عمله مع فريقه في 2012، قرر بعض أهالي المنطقة من رجال وسيدات الذهاب إليه لطلب العمل معه في الردم أو نقل المخلفات، مقابل الحصول على 50 جنيها يوميًا.

«أم زياد وأم كريم»، سيدتان من العاملات في المشروع، تتركام أبناءهما منذ السادسة صباحًا وحتى الواحدة ظهرًا، وهى مدة العمل اليومية، لتحملا مع غيرهم المخلفات أو غيرها: «علينا مساعدة أزواجنا. فهما سائقين وأرزاقهم بسيطة، والأسعار أصبحت مرتفعة جدًا».

يعمل إلى جانب هؤلاء عمال أخرون يُعرفون بـ«المحترفين» - بحسب وصف أيمن العشماوي، رئيس الفريق المصري - وهم جاءوا من محافظة قنا عن طريق رئيس البعثة الألمانية، الذي يعرفهم وتعامل معهم في أكثر من موقع حفر بمحافظات مختلفة.

يحصل العامل الفني «المحترف» على ضعف ما يحصل عليه العامل المحلي، فيقول سعيد فكري، المشرف على عمال قنا، «نعمل في كل المحافظات وكل المواقع الآثرية مع البعثات الأجنبية التي تطلبنا.. لدينا خبرة كبيرة في هذا المجال الذي توارثناه، ونعتمد على أيدينا، ومن جانبها توفر لنا البعثة شقق بمنطقة الحفر إذا كانت خارج قنا».

كانت المنازل المجاورة لعميات الحفر «ناشعة» بسبب الكميات الكبيرة من المياه الجوفية الموجودة في الأرض، واعتبر رئيس الفريق المصري أنها كانت أكبر مشكلة واجهتهم أثناء عمليات الحفر لأنها تؤدي إلى سقوط الأرض والإضرار بالتماثيل الأثرية، لكن لم تكن هىي المشكلة الوحيدة إذ كان بجانبها سلوكيات أهالي المنطقة أيضًا - بحسب قوله.

أشار مفتش الآثار، عمرو الساكت، إلى النقطة ذاتها، حيث اشتكى من الزحام، وإلقاء الأهالي للقمامة في الأرض، وهو ما دمر ما قد تم حفره أثناء فترة توقف المشروع بعد الثورة، ويقول: «منطقة سوق الخميس مطمع لبعض الأهالي، فهى أراضي تابعة للأوقاف، وهم لا يريدون أن نسيطر عليها.. نحن هنا معرضون للأذى دائمًا لكن لم يحدث شئ سئ حتى الآن».

رغم تخوفات مفتش الآثار، إلا أن المنطقة لا يوجد فيها سوى بعض أفراد الحراسة من الأمن الداخلي لوزارة الآثار، الذين يجلسون في «كشك» صغير، ويقسمون الورديات فيما بينهم على مدار الـ24 ساعة، وعليهم حماية عشرات القطع المستخرجة والملقاة في الأرض، حيث إنها لم تُنقل لأي متحف حتى الآن.

الصورة من موقع الحفر بمنطقة المطرية - المصدر: Afp

في حين أن عشرات القطع الآثرية الواضحة وغير الواضحة المعالم ملقاة في الأرض ويعبث بها الأطفال، إلا أن أخرى أُستخرجت خلال الفترات الماضية نُقلت إلى متحف المسلة بالمطرية ومخزن بجانبه، بحسب مصطفى أمين، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار.

لا يستطيع أمين تحديد عدد القطع المستخرجة منذ البدء في المشروع حتى الآن، لكنه يؤكد أن كل قطعة حتى لو كانت صغيرة مُسلجة في دفاتر الوزارة.

ومن المقرر - وفقًا لأمين - نقل التمثالين إلى المتحف المصري الكبير، وترميمهما أولًا قبل العرض.

وبرغم المناقشات التي أخذت وقتًا طويلًا بين الفريق المصري ومفتشي وزارة الآثار والبعثة الألمانية حول الطرق المثلى لاستخراج بقية أجزاء التمثال، إلا أن نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ينتقدون طرق انتشال التمثالين باستخدام جرافات آلية ومعدات ثقيلة.

لكن ردًا على ذلك أصدرت وزارة الأثار بيانًا رسميًا، أوضحت فيه أن «التمثال الذي يرجح أنه للملك رمسيس الثاني، عُثر عليه مكسورا إلى أجزاء كبيرة. وهو مصنوع من حجر الكوارتز، ويبلغ طوله حوالي ثمانية أمتار. لم يتم رفع التمثال، ولكن جزء من رأسه، باستخدام الرافعة نظرا لثقل وزنه، وذلك بعد تدعيم الكتلة بواسطة العروق الخشبية وألواح الفلين لفصلها عن الجسم المعدني للرافعة. كما تم رفعها مع كمية كبيرة من التربة الطينية التي كانت تحيط بها».

وذكر البيان أيضًا أنه «عُثر على الجزء العلوي من تمثال بالحجم الطبيعي الملك سيتي، وهو مصنوع من الحجر الجيري، وباقي أجزاء التمثال ما زالت موجودة بالموقع وجار دراسة كيفية رفعها». 

وأكد مصطفى أمين في تصريحات خاصة ما جاء في بيان الوزارة: «التماثيل تم استخرجها بالطرق العلمية وهى بحالة جيدة، ولم يُكسر أو يُخدش أيًا منها كما يدعي البعض، والآن نعمل يدويًا دون معدات».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل