المحتوى الرئيسى

«رسالة إلى الدعاة»: الدعوة إلى الله صدع بالحق ورحمة بالخلق

03/11 10:25

أكد د. ناجح إبراهيم فى كتابه «رسالة إلى الدعاة» أن الدعوة إلى الله يمكن أن نعرفها فى كلمتين قصيرتين بسيطتين هما «الصدع بالحق والرحمة بالخلق»، فمن جمع هذين العنصرين فقد أًصبح من الدعاة بحق، فالدعوة «حب» فى المقام الأول، ومن كره لن يصبح داعية، موضحاً أن صورة الدعوة تشوهت فى الفترة التى أعقبت ثورة 25 يناير نتيجة بعض الممارسات السلبية من بعض أبناء التيار الإسلامى أو بعض «الدعاة» الذين قدموا صورة ممسوخة وبائسة عن الداعية، لافتاً إلى أن الداعية الحق هو الذى يُبشر ولا ينفر ويجمع ولا يفرق ويحبب الخلق فى الحق سبحانه ولا ينفرهم من الدين، وهو الذى ييسر للناس ولا يعسر عليهم، ويعلم أن مهمته هداية الخلق وليس تكفيرهم أو تفسيقهم أو تبديعهم.. فنحن دعاة لا قضاة، ودعاة لا بغاة، ودعاة لا ولاة.

على الدعاة الإيمان بضرورة تجديد الخطاب الدينى وتطويره حتى يواكب تطورات العصر ويناسب أفهام الناس وعقولهم

ومن شروط الداعية، كما يقول «إبراهيم»، أن يُفرق بين الأصول والفروع، والغايات والوسائل، والثوابت والمتغيرات والعقائدى والسياسى، والدعوى والحزبى، ويدور مع الشريعة حيث دارت، ولا يدور مع نفسه أو جماعته، ولا يتحدث عن نفسه أو جماعته أو فصيله أكثر مما يتحدث عن ربه ورسوله ودينه، ويعلم أن الأصل فى الدماء هو العصمة، ويستخدم آلية النقد الذاتى التى ذكرها القرآن قبل 15 قرناً من الزمان وسماها النفس اللوامة وأقسم بها «وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ» لتطوير أدائه وتصحيح عيوبه ونقد أفكاره البشرية وتحسين أدواته، أما من لا يقبل النقد الذاتى البنّاء المهذب فلا يدرك شيئاً عن أهمية النفس اللوامة التى أقسم بها القرآن وربطها بيوم القيامة، وكأنه لا ينجو يوم القيامة إلا من كان مصاحباً للنفس اللوامة.

وطالب «إبراهيم» الدعاة أن يتذكروا أن رسول الله لم يورث ديناراً ولا درهماً ولكنه ورث شريعة تبلغ للناس وعلماً ينشر بين الناس وحكمة تذاع بين الخلائق، وأن الدعوة ليست مجرد سرد لأدلة الأحكام ولا هى مجادلة مع الناس أو منازلة كلامية ومحاولة هزيمة الناس بالحجة والبيان وقهرهم بالدليل، وإنما الصدع بالحق والرحمة بالخلق، وهى تحبيب الخلق فى الحق، وسوقهم بلطف ورفق إلى الله.

وأكد أنه على الدعاة أن يعلموا أن قلوب العباد بيد الله لا بأيديهم، وأنهم مجرد أسباب للهداية والصلاح، وأن عليهم الحرص على عدم تجريح الأشخاص والهيئات فى دعوتهم، وأن يعترفوا بإيجابيات الآخرين قبل أن يذكروا سلبياتهم، وأن يذكروا حسنات الآخرين كمدخل حسن إلى النفس البشرية لقبول نصحهم فيما سوى ذلك.

صورة الدعوة تشوهت فى الفترة التى أعقبت ثورة 25 يناير نتيجة بعض الممارسات السلبية لبعض أبناء التيار الإسلامى

وتابع: «الدعاة هم رسل المحبة وصناع الحياة الجميلة والهداة إلى طريق الحق الذين يبلغون الخلق رسالة الحق، وعليهم التمايز عن السياسى الذى يشغل المناصب السياسية ليقود الأمة بالعدل والحق ويسوى بين الرعية، لأن كرسى السلطة يخرج لكل من يجلس عليها، مهما كان توجهه، ليقتل أحسن ما فيه ويخرج أسوأ ما فيه، خاصة إذا نازعه آخرون هذا الكرسى، أو حاولوا انتزاعه منه، والداعية والسياسى لا غنى عنهما أبداً، ولكن هناك فرقاً هائلاً بينهما، فالداعية عادة ما يريد وجه الله ويرنو إليه سبحانه، أما السياسى فعينه على كرسى السلطة، والداعية يريد الإنسان لربه والسياسى يريده لنفسه أو لحزبه فإذا ابتعد عن دعمه أو الانضمام إلى حزبه غضب منه وحنق عليه، فالسياسى أو التنظيمى لا يعطى إلا من كان معه ولا يقبل إلا على من يدعمه ويؤيده.. الداعية بحق يدور حول الإسلام حيث دار ويتحرك مع القرآن حيث كان، ويتدثر بالشريعة حيثما توجهت، بينما السياسى يدور مع كراسى السلطة حيث كانت، فإذا كانت مع فلان كان معه، وإذا تحولت منه إلى آخرين كان معهم، فالداعية يحب ربه ويقدمه على كل شىء، والسياسى يحب السلطة ويقدمها على كل شىء، والداعية يسعى للدين والسياسى يسعى لاعتلاء سدة السلطة».

وأشار «إبراهيم» إلى أن الدعوة مواءمة شرعية بين الواجب والواقع حيث الاهتمام بزرع الإيمان قبل الفرائض وأداء الفرائض قبل النوافل واجتناب الكبائر قبل الصغائر، والإسلام دين إيجابى يتفاعل مع الناس فى مجتمعاتهم ويأبى على أتباعه أن ينزووا فى الصوامع أو ينكفئوا على ذواتهم تاركين المجتمع يموج بالفتن ويضطرب بالفساد، فنحن لا نعيش لأنفسنا ونتمحور حول رغباتنا الشخصية، فما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط.. وهذا هتاف الرسول الكريم: «خير الناس أنفعهم للناس».

وتحت عنوان «لا للصدام مع المجتمع»، قال «إبراهيم»: «الدعوة الصحيحة هى التى تعمل فى محيط الناس، ليس بمعزل عن الكون، فالمخالطة ضرورة حياتية وفطرة بشرية والاعتزال استثناء من أصل الاجتماع، فالدعاة لا يعيشون فى برج عاجى.. بل نتقابل مع الناس ونعايشهم ونحمل همومهم، ونسعى فى مشكلاتهم، ونشاركهم مسراتهم وأحزانهم، ونعبر عن آمالهم وآلامهم، ونؤازرهم، ونُعلم جاهلهم، وننبه غافلهم، ونذكر ناسيهم وندعو شاردهم، ونعالج مريضهم ونقوى ضعفهم، ونجبر كسرهم، فالداعية أب للصغير وابن للكبير وأخ للنظير».

وتحت عنوان «بين سنن العادات وسنن المندوبات»، قال المؤلف: «الدعوة الصحيحة هى التى تفرق بين سنن العادات وسنن المندوبات.. بين ما فعله النبى وموافقةً لأعراف قومه، وبين ما فعله ليكون سنة مندوبة لأمته، فالنبى لم يخرج عن عادات قومه فى شىء إلا ما كان مخالفاً لشريعة الله سبحانه وتعالى، ومن السنة موافقة العادات فى غير محرم، فدعوتنا بناء لا هدم، والدعوة الصحيحة تتبنى ثقافة البناء لا الهدم، والتعمير لا التقويض، والإصلاح لا الإفساد.. فإن الهدم سهل يسير، والتقويض أمر يحسنه كل أحد، أما البناء والتعمير فصعب عسير ولا يحسنه كل أحد، بل يحتاج إلى همم».

ويضيف: «ليس من مهمتنا الغلظة على الناس والتنكيل بهم، وإنما مهمتنا هى هداية الخلائق وإرشادهم إلى الحق بلين وتلطف، وليست الدعوة مجرد كلمات تتردد أو قوالب تحفظ، وإنما نبثها مشاعر فياضة وعواطف جياشة تنتقل من قلب الداعية إلى الآخرين».

وتحت عنوان «ديناميكية الإسلام.. وخمول دعاته» شَخّص «إبراهيم» الحالة الدينية فى مصر بقوله: «هناك حالة ضعف وفتور وخمول لم يسبق لها مثيل فى الدعوة الإسلامية فى مصر، مع تفلت أخلاقى لا نظير له، يمتزج بجهل بالإسلام العظيم خاصة وبرسالة الأديان عامة، مع حالة خلط بغيضة بين الإسلام العظيم المعصوم وبين تصرفات بعض المسلمين التى تجافى الإسلام وتنفر الناس عنه وتدعو الناس ضمناً إلى الانصراف عنه، وذلك لغياب بعض معانى الإسلام العظيمة التى قد يجهلها أكثر الشباب ويحتاج إليها الدعاة لبيانها للناس، منها أن الحرية هبة ربانية وعلى الذين يحاولون استعباد الآخرين أن يتوقفوا عن ذلك، وأن من عظمة الإسلام أنه يجمع بين المثالية والواقعية ومنحه للبشر حق التشريع فى مسائل محددة بحيث لا تصطدم مع شريعة السماء، وفيها التشريع فى مساحة العفو التشريعى وما لا نص فيه، والتشريع بالقياس والتشريع بالمصلحة المرسلة وغيرها، وأن الإسلام العظيم قد سمح باختلاف الدين فى بيت صغير تتلاقى فيه الوجوه ويسوده الحب والود».

وأوضح أنه «لا بد من التأكيد على أن نفى الآخر هو من صنع الصراع السياسى والتنافس على السلطة، وليس من صنع الإسلام الذى يدعو إلى التعاون على البر والتقوى وينهى عن التعاون على الإثم والعدوان: «وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ»، والإسلام لم يأمر أبداً أتباعه بأن يبسطوا أيديهم بالأذى إلى هرة أو حيوان.. فما بالنا بالإنسان.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل