المحتوى الرئيسى

اليهودية المصرية المهاجرة لوسيت لوجنادو: سأعود إلى القاهرة.. قريبًا

03/11 07:51

تحدثت لـ«الدستور»» عن رحلة الخروج من الإسكندرية إلى باريس ثم إلى واشنطن..

قبل 54 عامًا من الآن، وتحديدًا فى شهر مارس عام 1963، غادرت مصر عبر ميناء الإسكندرية إلى باريس، تاركة هى وأفراد عائلتها جميعًا ذكريات الطفولة فى شوارع القاهرة، انطلقت فى رحلتها التى انتهت بها فى نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، كى تصبح لاحقًا مراسلة للعالم عن تاريخ اليهود فى مصر.

سكنت لوسيت لوجنادو اليهودية المصرية شارع رمسيس ودرست بمدرسة الليسيه، وعن هذه الذكريات وغيرها تحدثت لـ«الدستور» من نيويورك.

■ كيف كانت حياتك فى مصر؟ وما الذى تتذكرينه عنها الآن؟

كنت طفلة صغيرة عمرى لا يتجاوز ستة أعوام ونصف العام عندما تركت القاهرة مع عائلتى، وعلى الرغم من صغر سنى إلا أننى وجدت الكثير من الذكريات إلى حد جعلنى أكتب كتابين عن حياتى فى القاهرة، وما كتبته عن حياتى فى القاهرة لم أكتب مثله عن حياتى بعد الهجرة.

فى اعتقادى أن سنواتى الأولى كانت فى غاية الأهمية فى تشكيل شخصيتى، هذه السنوات كانت ذات مغزى عميق بالنسبة إلىّ وهو ما دفعنى بعد ذلك لأن أصبح مراسلة للعالم عن تاريخ عائلتى الخاصة فى مصر.

نشأت فى بناية ضخمة بشارع رمسيس وكان معروفًا فى حينه بشارع الملكة نازلى، ذاك الشارع الذى أصبح اليوم رثًا جدًا ومزدحمًا، للأسف كان من قبل شارعًا أنيقًا وواسعًا، كنت أعيش فى شقة كبيرة وكان النجم «أنور وجدى» يسكن بجوارى.

■ مازلت تذكرين التفاصيل وكأنك تتحدثين عن أمس؟

- لم أزل أتذكر منزلى، وأتذكر بوضوح جلستى فى الشرفة الأمامية مع والدى الذى كان مريضا فى ذلك الوقت، كان الشارع المصرى رائعًا، فى نظرى هذه كانت أيام سعادتى الحقيقية.

كنت قريبة من والدى للغاية، فقد أنجبنى فى سن كبيرة، لذا كنت لا أفارقه وعندما كانت لديه مواعيد عمل فى فندق هيلتون النيل كنت أذهب معه، ذاك الفندق الذى عندما رأيته قبل سنوات وجدت شكله تغير تمامًا وعلمت أنه تم بيعه إلى مالك آخر، مما جعل علامته التاريخية تختفى، فكان يجب الحفاظ عليها باعتباره معلمًا تاريخيًا، وفى أحيان أخرى كنا نذهب لـ«جروبى» ونتناول الأطعمة الفرنسية.

عندما أصبح عمرى أربع سنوات، ذهبت إلى مدرسة الليسيه «الفرنسية» فى باب اللوق التى أتذكر أيضا أنها كانت مكانًا رائعًا، وأعتقد أنها تضررت كثيرًا خلال السنوات الست الماضية، وأتمنى لو أن مديرة مدرسة الليسيه تقرأ هذا الحوار وتدعونى لحضور الحصص الدراسية فى المدرسة مرة أخرى.

■ لماذا هاجرت لأمريكا؟ ولو أتيح لك أن تظلى فى مصر هل كنت ستبقين؟

- كان علينا مغادرة مصر كما فعل جميع اليهود الذين وصل عددهم إلى 80 ألفًا فى حينه، رغم أن والدى لم يكن يرغب فى ترك مصر وتجنب الرحيل فى 1957،1956 عندما غادر الكثير من اليهود فى وقت العدوان الثلاثى، وبعد ذلك بدأت الجالية اليهودية تتضاءل وأصبحنا نشعر بأننا غير مُرحب بنا فى مصر.

فى عهد عبد الناصر شعرنا بأن مصر فقط للمصريين ولم يكن يعتبرنا أحد مصريين، رغم ذلك كان والدى يعتبر نفسه مصريًا حتى بعد ذهابنا إلى أمريكا وأصبحنا مواطنين أمريكيين ظللنا نعتبر أنفسنا مصريين، تعرفت على إلى العديد من المغتربين اليهود المصريين فى أمريكا وأماكن أخرى، وكلهم تقريبًا يتذكرون مصر بنفس القدر من الحب والشوق والمرارة أيضًا.

وأتذكر يوم قال والدى إننا علينا الرحيل لأن مصر ستخسر كثيرًا دون اليهود والأجانب فبعد رحيل المجموعات المختلفة من اليهود والأرمن واليونانيين والفرنسيين والإيطاليين لم تعد مصر مثلما كانت، فالقاهرة كانت مدينة من الطراز العالمى، وهكذا كانت الإسكندرية أيضًا.

■ هل فكرتِ فى العودة إلى القاهرة؟

- كثيرًا ما فكرت فى ذلك، ولكن بعد الثورة شعرت بالقلق، ولكنى سأحاول حتما العودة، ففكرة تقسيم وقتى بين القاهرة ونيويورك ستكون مثالية فى نظرى.

■ هل تتواصلين مع أصدقائك القدامى فى مصر؟

- جميع أصدقائى القدامى هاجروا أيضا، ومن بقوا أتواصل معهم جيدًا، على سبيل المثال قمت بتكوين صداقات جديدة مثل مالكة مكتبة «ديوان» فى الزمالك ولكنها هاجرت أيضا إلى لندن، ولكن خلال السنوات القليلة الماضية أقمت صداقات من خلال «فيس بوك» فلدى صديقة تنتظر قدومى للقاهرة لتأخذنى إلى نادى الجزيرة بالزمالك.

■ كيف تتابعين أخبار مصر؟ وما رأيك فى مصر الآن؟

- أتابع أخبار مصر بشغف واهتمام كبيرين، حزنت جدًا عندما علمت أن السياحة تأثرت منذ الثورة وأتألم بسبب الهجمات الإرهابية وأنا أعلم أن الحكومة تحاول جاهدة ولكن يبدو من الصعب جدًا السيطرة عليها، ولكن أعتقد أنه خلال الفترة الأخيرة هناك المزيد من الاستقرار.

■ كيف كانت حياتك فى أمريكا؟

- حياتنا فى أمريكا كانت صعبة، خاصة لوالدى الذى كان يبلغ من العمر 62 عامًا عندما هاجرنا، وهى سن من الصعب فيها العثور على عمل، ناهيك عن الثقافة الجديدة التى انتقلنا إليها، فقد اضطر والدى لأن يبيع «رابطات العنق» فى شوارع نيويورك لكسب المال، رغم أننى كنت صغيرة إلا أنى أتذكر أنها كانت تجربة مهينة.

أمى كانت تصغر أبى بنحو 20 عامًا وهو ما مكنها من العثور على عمل، ولكنها لم تحصل على أكثر مما وجدته فى مصر، أما أنا وإخوتى فحاولنا أن نصبح أمريكيين، فأنا درست بالجامعات الأمريكية وعملت صحفية ثم كاتبة ولكن مازال جزء منى «مكسورًا»، فلا أعلم هل أنا مصرية أم أمريكية، بشكل عام أمريكا هى بلد بارد جدًا بكل معنى الكلمة.

- لدى ثلاثة كتب، الأول عن الطبيب النازى جوزيف منجل أوشفيتز، أما الثانى والثالث فهما عن مذكراتى فى مصر، فكتابى الثانى هو «الرجل ذو البدلة البيضاء» سردت فيه مذكرات والدى ليون لوجنادو فى القاهرة وحكيت عن القاهرة سنة 1940 عندما كانت مدينة دولية وهو الكتاب الذى حظى بشعبية كبيرة فى مصر، وبعده شعرت أنه من الضرورى أيضًا سرد قصة والدتى، لذلك كتبت كتابى الثالث الذى تناول قصة حياة والدتى اليهودية المصرية «إديث» باسم «السنوات المتعجرفة».

حاولت فى كتبى عن مصر أن أحكى قصة مختلفة عن القصة الكلاسيكية عن المهاجرين الذى بمجرد ذهابهم لأمريكا يرتفع مستواهم الاقتصادى وحسب، الواقع عكس ذلك، فعائلتى تدمرت بعد انتقالها من القاهرة إلى نيويورك، شعرنا بأننا غرباء.

■ هل قمت بزيارة إسرائيل من قبل؟

- ذهبت إلى إسرائيل كزيارة، كثير من أقاربى بعد هجرتهم من مصر ذهبوا إليها، وكانت المأساة أننا أثناء إقامتنا فى مصر لم نتمكن من رؤيتهم بعد ذلك.

■ لماذا لم تنتقلى للإقامة فيها؟

- كان من المنطقى أن نذهب لإسرائيل، خاصة بحكم مستوانا الاقتصادى وحتى يكون والدى مع باقى عائلته، لكن والدى كان قلقًا علينا فكان لا يريدنا أن نتجند فى الجيش الإسرائيلى فرأى أنه من الأفضل أن يعيش أبناؤه فى أمريكا، ورغم ذلك فلا أحد منا يعلم المستقبل، فذهبنا لأمريكا وبعد ذلك نشبت حرب فيتنام وعاد الخوف لوالدى من أن يتم تجنيد إخوتى فى الجيش الأمريكى.

والدى ضحى بنفسه أكثر من مرة كى لا يترك مصر، فمثلًا ضحى برؤية إخوته فى إسرائيل كى لا يترك مصر، لأنه بحسب القانون فى حينه كانت تسقط الجنسية المصرية عن أى مصرى يذهب لإسرائيل.

■ هل عرضت عليك إسرائيل الإقامة فيها؟

- أعتقد أن أى يهودى يمكنه الذهاب إلى إسرائيل، فأنا بسهولة أستطيع الإقامة هناك ولكنى فضلت الإقامة فى نيويورك، قلبى وكتبى كانت عن مصر، فهويتى هى أننى يهودية مصرية.

■ ما رأيك فى السياسات التى تتبعها إسرائيل إزاء الفلسطينيين؟

- هذا سؤال سياسى جدًا، وأنا منذ وقت طويل أتجنب السياسة وأفضل الحديث عن الأدب.

■ بعد هجرتك للولايات المتحدة.. متى زرت مصر؟

- أتيت إلى مصر أكثر من مرة وقت التحضير لكتبى، ففى الفصل الأخير من كتابى «الرجل ذو البدلة البيضاء» أرصد فيه رحلتى إلى القاهرة تحت عنوان «القاهرة أخيرًا.. مرة ثانية».

 كما أننى كنت بحاجة لرؤية الأماكن التى تركتها عندما كنت فتاة صغيرة، وددت رؤيتها بعدما أصبحت ناضجة، كنت أريد أن أختبر شعورى تجاه مصر وأيضا كنت أريد أن أستعيد ذكرياتى، هذه الرحلة كانت مفيدة جدًا لى فقد شعرت أنها كانت رحلتى إلى الوراء.

■ لو أتيحت لك زيارة مصر اليوم.. ما الأماكن التى تودين رؤيتها؟

آمل بالتأكيد زيارة القاهرة قريبًا، وأريد أن أزور الكثير من الأماكن، فأتمنى أن أعود إلى بيتى فى شارع الملكة نازلى الذى يطلق عليه الآن شارع رمسيس، وأريد الذهاب إلى مكتبة ديوان فى الزمالك وأود أن أذهب إلى جروبى وأريد أيضا أن أزور الكنيس اليهودى فى شارع عدلى.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل