المحتوى الرئيسى

محمد حمدى سلطان يكتب: على معزة وإبراهيم.. هكذا تكون السينما - E3lam.Org

03/10 23:22

من النادر أن تشاهد فيلما وتتعايش معه ومع أحداثه وتتفاعل مع أبطاله لدرجة أن تشعر وكأنك واحدًا منهم. لا أتحدث عن الواقعية بقدر ما أقصد الحميمية، وهو شعور يحتاج إلى درجة عالية من الصدق وإلاتقان لدى صناع العمل الفنى حتى يصل للمشاهد. وهذا ما شعرت به وأنا أشاهد رحلة ” على معزة وابراهيم ” فى فيلم يمثل إضافة لسينما مصرية تعانى من أمراض وأزمات ومشاكل لا حد لها.

فيلم مختلف عن السائد ولكنه ليس اختلافًا مُفتعلاً أو لمجرد الإختلاف والسلام، فلم يقصد صُناعه صناعة فيلم مختلف بقدر ما أرادوا صناعة فيلم حقيقى يلمس مشاعر المشاهد، ويدعوه لتأمل الحياة والاستمتاع بها، رغم كل ما قد يحيط به من ظروف خاصة لن يفهمها أو يشعر بها أحد سواه. فالاختلاف فى الفيلم يبدأ من أبطاله أنفسهم، الذين قبل أن نتعرف على طبيعة اختلافهم يأخذنا الفيلم فى البداية لنتعرف على طبيعة ذلك المجتمع، الذى ينظر إلى بطلينا على أنهم مجانين أو مرضى نفسيين.

مجتمع فيه ضابط الشرطة المسئول عن حماية الناس يقوم بإيقاف على وصديقه كاماتا، ويستولى على ” دبدوب ” الأول ويقوم بتمزيقه بحثًا عن مخدرات أو شئ ما مهرب بداخله، فى نفس اللحظة التى تمر فيها من أمام الضابط فتاة مخطوفة بداخل سيارة وتستغيث، وهى نور أو الفنانة ” ناهد السباعى ” ولكن صوتها لا يصل إلى الضابط ولا يسترعى انتباهه لانشغاله بتمزيق جسد ” الدبدوب ” ليقوم على معزة وصديقه بمطاردة الخاطفين بأنفسهم، بعد أن تركهم الضابط، لينجحوا فى النهاية فى إنقاذ الفتاة فى مشهد يمثل بداية موفقة تمامًا، ويحمل رسالة واضحة بأننا نعيش فى مجتمع عبثى مختل ويعانى من الإنفلات.

هذه هى الفكرة الأولى التى بُنيت عليها دراما الفيلم كله، وتتضح أكثر عندما نجد على معزة يتعرض لسخرية جيرانه والمحيطين به، حتى نجد والدته نوسة ” سلوى محمد على ” تؤمن بأن ابنها مريض أو ” معموله عمل ” وكل هذا بسبب حبه الشديد وتعلقه بالمعزة ندى. فتذهب به نوسة إلى دجال أو معالج روحانى يصف لابنها علاجًا بأن يقوم برمى ” 3 زلطات ” فى البحر الأبيض المتوسط والأحمر ونهر النيل، حتى يبطل مفعول العمل أو السحر الذى يعتقد الدجال أن هناك شخصًا ما صنعه لابنها ورماه فى أحد البحور الثلاثة. وهكذا ببساطة سيعتبرك الناس مريضًا أو معتوهًا لتعلقك بمعزة بينما يصبح اعتقادك فى العلاج من خلال رمى ” 3 زلطات ” فى المياه أمرًا عقلانيًا وطبيعيًا جدًا، لنكتشف سويًا ومن خلال مشاهد الفيلم الأولى أن هذا المجتمع العبثى المنفلت والذى يهوى إصدار الأحكام على الآخرين، لم يصل لهذه الحالة بسبب انعدام الإحساس بالأمن فقط ولكن هناك الجهل أيضًا، أحد الأسباب الرئيسية لكل ما يفرزه هذا المجتمع من أمراض.

عند المعالج يلتقى على بإبراهيم وتبدأ صداقتهما ويقرران القيام برحلة إلى الاسكندرية وسيناء لرمى ” الزلطات الثلاثة ” لأن المعالج وصف لإبراهيم نفس العلاج. إبراهيم الذى يعانى من حالة وراثية غريبة فهو يستمع إلى أصوات غامضة تسبب له ألمًا رهيبًا، اللافت أنهم يقرران القيام بالرحلة رغم استخفافهم بالأمر وعدم اقتناعهم بجدوى هذا العلاج وكأنها رغبة دفينة بداخل كل منهم فى التشبه بهذا المجتمع الذى يلفظهم ويعاملهم كمرضى لمجرد اختلافهم، فإذا كان إبراهيم يبحث عن خلاص من آلامه ويتشبث بأى أمل، فعلى معزة ربما لم يسافر سوى لكى يثبت لأمه أنه ليس مريضًا.

واللافت أيضا أن كل منهما سخر من الآخر فى البداية، فإبراهيم لم يفهم تعلق على بندى وعلى معزة رآه مجنونًا أو ” مناخوليا ” على حد وصفه وهو ما يؤكد أنك حتى ولو كنت ضحية للمجتمع فستعانى أيضا من نفس أمراضه، وأنك وإن كنت صاحب مأساة فلن تشعر أبدًا بمأساة غيرك إلا إذا اقتربت منه بدرجة كافية، وهو ما حدث بين على وإبراهيم فى نهاية رحلتهم، مع أنى أعيب على السيناريو رغم تماسكه عدم اهتمامه بشكل كافى بهذه الرحلة، فعندما انتهت وعادا إلى القاهرة شعرت كمشاهد بأن هناك شيئًا ما ناقصًا، أو كان هناك الكثير مما يمكن أن يُقال أو يحدث فى أثناء هذه الرحلة أكثر مما شاهدته، وأيضا شخصية نور أو صباح جاءت سطحية تمامًا وعلاقتها بكاماتا وحبه لها لم نجد له مبررًا منطقيًا أو حتى غير منطقى، ولم أحب التفسير الذى جاء فى نهاية الفيلم لسبب تعلق على بالمعزة ندى وكنت أفضل أن يُترك الأمر فى سياق مشاعر إنسانية غير مفهومة، فالبحث عن إجابة أو تفسير لها يفسد رونقها الجميل.

عمومًا نجاح الفيلم بالنسبة لى تلخص فى إحساسى بالتوتر والخوف كلما تعرضت المعزة ندى للخطر، وهو دليل على التوحد مع على معزة الذى نجح فى أن يجعلنى أتعاطف معه وأتفهم تمامًا تعلقه بندى. لم تكسب السينما المصرية فقط فيلمًا مهمًا فى توقيت مثل هذا ولكن مكسبها الحقيقى فى فريق العمل فالممثل على صبحى مفاجأة حقيقية وأداؤه التمثيلى بسيط ومقنع ويمتلك لمحة ساخرة قدمها باتزان مناسب للدور، والأهم تمتعه بسلاسة تجعلك تشعر وكأنه لا يبذل أى مجهود ليقنعك بأنه على معزة، أما أحمد مجدى فكأنى أراه يمثل لأول مرة فأدواره السابقة كانت متوسطة المستوى، ولكنه هنا أثبت امتلاكه لموهبة كبيرة، وهو يبدو من نوعية الممثلين الذين يمتلكون قدرات كبيرة ولكنهم يحتاجون دائمًا إلى مخرجين من نوع خاص خاص مثل المخرج شريف البندراى الذى قدم شهادة ميلاده كمخرج موهوب مبشر ويعد بالمزيد فى فيلمه الروائى الطويل الأول بعد عدة تجارب ناجحة فى الأفلام القصيرة آخرها ” حار جاف صيفا ” ولا تفوتنى الإشادة بكاماتا أو الممثل الموهوب أسامة ابو العطا الذى مازال يحتاج إلى مساحة أكبر بكثير من نوعية الأدوار الصغيرة التى قدمها فى مسيرته حتى الآن.

ما زلنا فى بداية العام ولكنى أثق أننا عند نهايته، وعندما نعد على أصابعنا عدد الأفلام الجيدة التى عُرضت فى 2017 سيكون ” على معزة وإبراهيم ” هو أحدهم، إن لم يكن أفضلهم على الإطلاق. ويبقى أن أشير إلى ملحوظة أخيرة، وهى أننى عندما دخلت إلى قاعة العرض لم أجد بها سوى فتاةً واحدة والتى قامت وتركت الفيلم فى منتصفه، لأشاهد نصفه الثانى بمفردى. وهو ما يؤكد أننا نملأ الدنيا صراخًا ونهاجم الفن الهابط ويصنع البعض حملات لمقاطعة أفلام السبكى، ونترحم كثيرًا على زمن الفن الجميل، وعندما يُعرض فيلم حقيقى ومهم، لا نجد أحدًا يلتفت إليه أو يهتم بالذهاب لمشاهدته. وهو ما يجعلنى أقتنع تمامًا أننا لا نجيد سوى الكلام، وأقتنع أكثر بصحة مقولة ” الجمهور عاوز كدة ” لأنه فعلا عاوز كدة حتى ولو ادَّعى العكس !

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل