المحتوى الرئيسى

الشباب العربي.. ضيعْنا انتماءنا

03/10 21:42

كغيري من الشباب العربي، ضيعت انتمائي! ورغم أنه لا يوجد طريقة لقياس الانتماء، فإنني أعتقد جازماً أنه لو وجِدَت طريقة لقياسه، لتبين أن إحساس الانتماء لدى الشباب العربي بشكل عام في أدنى مستوياته، فلم يبقَ لدينا ما ننتمي إليه اليوم، فمعظم القيم والمفاهيم والقضايا التي انتمى إليها الجيل السابق لم تعد موجودة، فيما لم تفرز المرحلة الحالية قضايا واضحة تعوض ما فُقد.

ولربما من أهم الأسباب وراء ذلك، انهيار مفهوم العروبة بشكلها التجريدي، وموجات العولمة التي اجتاحتنا دون أن نكون مستعدين لها فكرياً أو اجتماعياً، إضافة إلى فشل الربيع العربي في تحقيق معظم أهدافه.

فماذا بقي لنا من عروبتنا غير الاسم وتاريخ نتغنى به كُلما فاخرَنا أحدهم بحال قومه اليوم؟! فلا لساننا اليوم عربي مع تعدد وتشعب اللهجات، ولا ملبسنا بقي شرقياً بعد أن غزتنا "الموضة" الغربية، ولم نعد كالجسد الواحد بعد أن فرقتنا "الفيزا"، ولا يجرؤ أحدنا على نصرة الآخر إلا تحت مظلة إجماع الأمم المتحدة!

فهل حقاً بقي لدينا ما ننتمي إليه كعرب؟

بل إن الموضوع تجاوز ذلك، فحتى القضايا التي كانت تجمع الشعوب العربية فيما مضى، استهلكها بعض السفهاء حتى أفرغوها من معناها! فاعوج طريق القدس حتى بات يمر من حلب والزبداني؟ وقيل لنا إن الجيوش التي تغنينا ببطولتها في طفولتنا أدارت بنادقها عن العدو إلى صدورنا لتحمينا من المؤامرة! ومغتصِب السُّلطة بات يُحاضر في الشرعية والديمقراطية ويطالبنا بـ"التضحية" فداءً للوطن، ثم نُلام إذا قلنا إننا فقدنا البوصلة، وأضعنا الطريق!

وحتى لو خفضنا سقف الانتماء إلى حده الأدنى، بأن نكتفي بانتمائنا إلى أوطاننا فقط، فلن تتغير النِسبُ كثيراً، فكم منا يشعر بانتماء حقيقي إلى وطنه؟!

فمعنى أن تنتمي إلى الوطن، هو أن تكون جزءاً منه مؤمناً بكل ما فيه، مستعداً للتضحية في سبيله، مفضلاً إياه عن أي مكان آخر، وإن لم تكن كذلك فأنت منفيٌّ في وطنك، فالمنفى حالة وليس مكاناً، وكم منا يجوب شوارع بلاده منفياً!

والدليل على ذلك، الأعداد الغفيرة من الشباب العربي الذي تراه يومياً أمام السفارات الأجنبية باحثاً عن تذكرة خروج إلى أي مكان عدا وطنه.

ولكن، هل يُلام الشباب على ذلك؟

بالتأكيد لا، فرغم حالة الإحباط التي عاشها الشباب قبل فترة الربيع العربي، فإنه تمكَّن من تفجير ثورات في عدة بلدان عربية رغم قبضتها الأمنية المحكمة، مؤكدين أن فقدان الانتماء هو رد فعل على التهميش فقط لا قرار شخصي، مُبدين استعدادهم لتقديم التضحيات مقابل استعادة الانتماء إلى أوطانهم، وإن كانت تلك الثورات لم تحقق أهدافها، فالسبب في ذلك يعود إلى قلة خبرتهم التي أودت بهم إلى استبدال الوجوه فقط، مع تمكُّن الأنظمة من إعادة إنتاج نفسها من جديد قبل تمكنهم من اجتثاثها، ما أعادهم إلى حالة الإحباط مجدداً.

كما أن الشباب العربي لا يزال يتفاعل مع القضايا المبدئية حين حدوثها ولو بالحد الأدنى، كالعدوان الأخير على قطاع غزة، أو قضية الطفل السوري إيلان الذي غرق في البحر.. وغيرها من القضايا، ما يؤكد أن المشكلة في خلق حالة الانتماء، وليس في الشباب كفئة عمرية.

وتبدأ المشكلة الحقيقية في البحث اليائس عن الانتماء، فالانتماء غريزة بشرية لا يمكن الاستغناء عنها، وفي ظل شحِّ القضايا الواضحة التي يمكن الانتماء إليها، تجد الشباب العربي مجبَراً على القبول بـالانضمام إلى أي "تجمّع" وإن كان لا يتوافق مع أفكاره؛ فقط للشعور بالانتماء.

فتجدهم يشجعون فريق كرة قدم حد الِاستبسال رغم جهلهم بالقواعد الأساسية للعبة، أو نجم أحد برامج "الواقع"؛ فقط لأنه من بلدهم دون النظر إلى موهبته، أو حتى ممثل أو مغنى..! كرد فعل طبيعي على حالة "اللا انتماء" التي يعيشونها، ما يؤكد أهمية التحكم في رغبتهم في الانتماء، عبر توجيههم إلى القضايا والمفاهيم التي تستحق حقاً أن يشعر الفرد منا بالانتماء

وإن كنا فقدنا الأمل في الحكومات لإعادة الانتماء إلى شعوبها، فإن الأمل يبقى في النخب المثقفة التي كانت دوماً موجِّهاً للمجتمعات، وتلعب دور البوصلة عندما تفقد المجتمعات طريقها، بإعادة توصيف قضايا الأمة الرئيسية بشكل واضح لا يحتمل اللبس، مع محاولة احتواء التأثيرات الخارجية التي عصفت بمجتمعاتنا، وضرورة إحياء الثقافة العربية بكل أشكالها؛ لتتمكن من المنافسة في مضمار العولمة.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل