المحتوى الرئيسى

وداعاً لشتاء «الكحة».. واحذر «الصيدلى صديقى» | المصري اليوم

03/09 22:41

ونحن نودع هذا الشتاء لاحظ أغلبنا أنه لم يكن شتاء شديد البرودة فقط، ولكنه كان كما أطلق عليه أحد مرضاى فى وصف بسيط أنه «شتاء الكحة». وأنا لا أعرف أحدا من المحيطين بى أو بحكم عملى لم يصب بأدوار الكحة والزكام وسيلان الأنف وأوجاع المفاصل والعضلات لأكثر من مرة فى هذا الشتاء. وكانت مثل هذه الأدوار تستمر لعدة أيام وتتكرر لأكثر من مرة قد تقصر أو تطول لعدة أسابيع!.

ولا يلجأ معظم المرضى للأطباء لعلاج مثل هذه الأدوار لسهولة الحصول على أدوية الحساسية ومضادات الاحتقان ومخفضات الحرارة وآلام الجسد العامة.

ومعظم هذه الأدوية مصرح باستخدامها عالميا بدون روشتة طبية ويطلق عليها «OTC» أو تشبها بالبضائع المرصوصة فى متجر «السوبر ماركت» «Over-the-counter»، لأنها بجرعاتها العادية لا تسبب أضرارا مباشرة لأعضاء الجسم المختلفة وليس لها صفة الإدمان بتكرار استخدامها.

ولكن المشكلة هنا أن جميع الصيدليات تتعامل مع كل الأدوية على أنها من حقها أن تبيعها بدون روشتة طبية أو أى إشراف طبى معتمد، عدا الأدوية التى تقع تحت بند المخدرات!!، وأيضا فالأدوية الأخيرة يمكن الحصول عليها فى معظم الأحيان (من الصيدلى صديقى) ببعض المشقة!، ويمكننا أن نطلق عبارة «سوبر ماركت الأدوية» على أى صيدلية فى مصر، لأنك يمكنك شراء أى دواء كأنه «OTC»، كما تم تعريفه من قبل، بدون الحاجة إلى روشتة طبية!!.

ويقول المثل الشعبى «رزق الهبل على المجانين» فأصبح كل من يعمل فى صيدلية يطلق عليه لقب «دكتور»، علما بأن لقب دكتور فى العامية المصرية يعنى خريج كلية الطب!، وبعض الصيادلة وليس كلهم يتصرفون بمنطق «الأهبل» الذى يشخص جميع الأمراض ويصف الأدوية حسب الشكوى الظاهرية للمريض وقدر الربح المتوقع من بيع دواء بعينه!.

والتعليم فى كلية الصيدلة لا يحتوى على خطوات الكشف على مريض أو تشخيص الأمراض المختلفة، وأيضا فهناك عدد كبير من العاملين بالصيدليات لم يتخرج أصلا فى كلية الصيدلة، وليس له أى دراية بعلم الأدوية. وخطورة هذا الأمر أن العديد من المرضى يلجأ إلى الصيدلى للتشخيص والعلاج هربا من مشقة زيارة الطبيب أو بعدا عن التكاليف المادية لمثل هذه الزيارة!.

ولنعرف حجم المشكلة فقصص الأطباء لا تنتهى، فهذا مريض يعانى من ارتفاع شديد بضغط العين مما كاد يودى ببصره، وكان يستخدم قطرات ومراهم الحساسية والالتهابات حسب نصيحة الصيدلى. وسيدة حضرت إلى الرعاية المركزة بأزمة قلبية حادة وبالتحقق من تاريخها المرضى وجد أنها كانت تعانى من صداع نصفى مزمن وكان الصيدلى (الصيدلى صديقى) يوفر لها على مدار السنين دواء قد منع استخدامه يحتوى على مادة «إرجوتامين» التى تسبب انقباض الشرايين عامة وينهى كابوس مثل هذه الأزمات، ولكنه مع كثرة استخدامه قد يساعد على انسداد الشرايين التاجية وجلطة القلب!!، وفى الآونة الأخيرة عرض علينا مريض فى بداية الثلاثينيات من عمره يعانى من اختلال بنبض القلب، ولوحظ أن نبضه كان أقل من الأربعين فى الدقيقة (النبض الطبيعى ما بين 60 و90)، وكان الكشف الطبى وكل أبحاثه المعملية طبيعية، واكتشفنا أنه يأخذ دواءين لعلاج تضخم البروستاتا والجرعة الكبيرة لواحد منهما تبطئ نبض القلب كأثر جانبى. وعندما سألناه من الذى شخص حالتك ووصف مثل هذا العلاج وكانت إجابته أنه كان يعانى من صعوبة فى التبول، وأن الصيدلى قال له إنه يعانى من تضخم البروستاتا، ووصف له مثل هذا العلاج، وعندما لم يحدث له تحسن نصحه بزيادة الجرعات!، ولكن للأسف عند إحالته إلى الطبيب المتخصص فى المسالك البولية أخبرنا أنه يعانى من ورم سرطانى بقاعدة المثانة!!.

ويحكى لك الأطباء عشرات القصص الطبية الدرامية المشابهة لما ذكرت. وأنا لست ضد الصيادلة فالكثير من أصدقائى وأهلى يعمل بالصيدلة!!، ولكن مثال «الأهبل والمجنون» ينطبق بشدة على علاقة الصيدلى بالمريض فى بلدنا، لأنه لا يوجد قانون يمكن تطبيقه، كما هو معمول به فى العالم كله ليردع أيا منا بأن يسمح لنفسه أن يكون «أهبل» أو «مجنونا» أو العكس وهو لا يعلم!.

وبعيدا عن الصيدليات أو مصدر بيع الدواء، فنحن بطبيعتنا نميل للتباهى بمعرفة ووصف جميع أنواع الأدوية، وأصبح سؤال «كيف حال صحتك؟» يعقبه رأى شبه طبى ساذج عن حالتك المرضية مع تشديد النصح بأخذ أنواع متعددة من الدواء يمكنك شراؤها بدون روشتة طبية من «سوبر ماركت الأدوية» أو الصيدلية!.

ومن أكبر المشاكل التى نواجهها فى العلاج أن العديد من المرضى لم يأخذ بعضا من كل دوائه الموصوف فى الروشتة، لأنه ببساطة قرأ النشرة الداخلية لعلبة دواء ما وأصابه الذعر من بعض الآثار الجانبية التى ذكرت فى النشرة حتى وإن ذكر فيها أنها نادرة الحدوث، وبالتالى لم يحصل على علاج متوازن!، وفى العديد من الدول الغربية وبعض الدول العربية، لا توجد أى نشرة داخلية مصاحبة لعلبة الدواء، ويوجد أيضا شكل عبوة الدواء البلاستيكية، ويلصق عليها بعض بيانات الطبيب والمريض والاسم العلمى للدواء، وعدد الأقراص وطريقة الاستخدام فقط!.

وبالعودة لشتاء «الكحة»، وبعيدا عن الصيادلة، فلقد لاحظنا كأطباء كثرة أدوار الالتهابات الشعبية التى قد تؤدى فى العديد من الحالات إلى التهاب رئوى حاد يستدعى دخول المستشفى!!، والملاحظة الأكثر أهمية أن معظم هؤلاء المرضى قد تناول أكثر من مضاد حيوى بدون استشارة طبيب، وأن هذه المضادات الحيوية لم يكن لها تأثير يذكر فى علاج مثل هذه الأدوار!.

والأبحاث العلمية الحديثة قد أثبتت أن العديد من الميكروبات المعروفة والمسببة للأمراض والتى كان يمكن علاجها بمضادات حيوية معروفة سابقا قد طورت مناعة لهذه المضادات حتى إنه أطلق عليها لقب الميكروبات الخارقة «Superbugs». حتى إن مرض «السل» الذى عاد ليطل بالتدريج بين ضعاف المرضى قد أصبح منه أنواع لا يؤثر فيها أى مضادات حيوية كانت تستخدم فى السابق، وهو ما أطلق عليه «totally drug-resistant tuberculosis».

والمشكلة ليست فى خلق وتطوير مضادات حيوية جديدة للقضاء على مثل هذه الأوبئة، وهذا ما تحاوله شركات الدواء العملاقة ولكن فى طريقة استخدامها الخاطئة بدون إشراف طبى!.

وفى رأيى أن معظم هذه الميكروبات الخارقة قد خرج جزء كبير منها من العالم الثالث لتغزو العالم كله، وذلك بسبب التسيب السائد فى وصف وبيع المضادات الحيوية وغيرها بدون روشتة طبية لها نوع من الأهلية كما هو سائد فى جميع دول العالم المتقدمة!.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل