المحتوى الرئيسى

الرؤية القرآنية للكون وسكانه

03/09 22:09

توافقنا مع الغالبية من أهل الفكر أن الرؤية الكلية أو الرؤية الكونية هى تصور الذات لنفسها، وما فوقها، وما يتساوى معها وما هو دونها وما وظيفة كل كائن فى هذه الحياة. وزعمنا أن رؤى العالم ليست إبداعا حديثا بل إنها قديمة أزلية، ونشير اليوم إلى رؤية كونية أخرى لمخلوق آخر هو «الملائكة»، وقد فهمنا من القرآن أن الملائكة نوع من المخلوقات الغيبية التى لا ترى وأنها كانت السيد بين المخلوقات قديما قبل خلق آدم. وواضح من القرآن الكريم أن «الملائكة» نوع من سكان الكون الذين اختاروا لأنفسهم حياة «التسخير» ولم يغتروا فى قدراتهم ولم يتعرضوا لحمل ما لا يطيقون. فلما أراد سبحانه اتخاذ خليفة فى الأرض يتولى التنسيق بين المسخرات فضلا عن التزامه بأصول العلاقات من الكائنات وبعضها البعض، عرض الله ذلك الأمر على الملائكة: ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَة قَالُوا أَتجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّى أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)).. ومن هنا نستطيع استخراج رؤية الملائكة للكون وسكانه.

بداية تعترف الملائكة عن قناعة أنها ومعها سائر المسخرات «مخلوقة» محدودة القدرات، وأن خالقها هو الإله الأكبر المستحق وحده للتقديس والطاعة ((..وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ..)). كما تعلن الملائكة فى وضوح تام أن الواجب الأعلى والغاية العظمى من جميع الكائنات هى الإصلاح فى الأرض، والمحافظة على الأنفس.. ولذلك أعلنوا تخوفهم من آدم وذريته فقالوا: ((..أَتجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ..))، فالملائكة لا تخاف على كرسى سيادتها بين المخلوقات، ولا يشغلها أن يوجد كائن آخر يتميز بصلاحيات ومميزات أكبر منها.. لكن خشية الملائكة متعلقة بتجاوز الحدود ومخالفة الشرع... لذلك نحس جميعا بلطف الله ورحمته إذ يستمع إلى بعض خلقه (الملائكة) ولم يتهمهم لا بكفر ولا فسق ولا تطاول، بل جاء الرد الإلهى الحكيم ((..إِنِّى أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)) والعذر بالجهل مقبول عند العلام العليم سبحانه.

فى الكلمات المعدودة التى ذكرناها من القرآن، عبرت الملائكة أوضح تعبير عن تصور للكون وما فيه.. فهى ترى نفسها ضمن الموجودات مخلوقات لها وظائف محددة، وتوقن أن خالق كل شىء إله كبير متعال له وحده الطاعة والتقديس. كما عبرت عن نفسها أنها هى «ذات مكانة بين المخلوقات إلا أنها ملتزمة دائما بطاعة مطلقة للخالق العظيم ((.. وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ..)). كما بينت الملائكة عقيدتها بشأن حركة جميع المخلوقات ووجوب التزام كل المخلوقات بالإعمار والمحافظة على النفوس، إذ لا يجب أن يتجاوز مخلوق ما فيفسد فى الأرض أو يسفك الدماء ((..أَتجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ..)).

لازلنا نتابع إدراك الملائكة لـ«الكون وما يجب فيه» إذ صدر الأمر الإلهى لها وهى على عرش السيادة بين المخلوقات، صدر الأمر الإلهى لها بالسجود لآدم فلم تتلكأ ولم تعترض، ولم تشغل نفسها بالجدل... وإذا كان لها حق ــ بسبب جهلها بالغيب ــ أن تتخوف من تصرفات آدم وذريته، فليس من حقها أن تتأخر فى تنفيذ الأمر الواضح، فأسرعت الملائكة بالسجود.. سجود طاعة لأمر الله أولا، وتكريما لآدم ثانيا.. نعم دون أدنى مناقشة فى أقدميتها وفى سوابق طاعتها وفى حداثة آدم بالنسبة لعلمها، ولا مناقشة فى مادة خلق آدم من تراب أو طين أو... إلخ.. فإن الإطار العام للعبادة هو الطاعة والالتزام.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل