المحتوى الرئيسى

د. الحملاوي صالح يكتب: قراءة لوجه طاغية | الفيومية

02/28 16:22

الرئيسيه » رأي » د. الحملاوي صالح يكتب: قراءة لوجه طاغية

ما هو الشيء المغري الذي يدعو إلى إعتلاء القمة؟ ما هي هذه الحلاوة التي لا يقاوَم اغراؤها؟ للإجابة عن هذا السؤال خلص علماء البيولوجيا لنتيجة سيئة عن طبيعة الإنسان، مفادها: “أن الإنسان يولد ليس بعطش إلى القوة؛ بل بميل الى سوء استخدام السلطة”، وخلص كثير من علماء النفس والاجتماع إلى أن الشعوب هي التي تصنع الطاغية كما تصنع خلية النحل ملكتها من أصغر العاملات، كل ما تحتاجه حتى تصبح ملكة هو تغذيتها برحيق خاص.

وفي عالم البشر يمكن لأي مغامر من أمة مريضة أن يقفز من على ظهر حصان عسكري إلى مركز الصدارة والتأليه، وفقط كل ما يحتاجه أمران: عدم التورع عن سفك الدم، وتجنيد الأتباع بغير حساب وضمير، وبقدر كذب الحاشية وتملقها يعتقد الطاغية أنه خير من وطأت أقدامه البرية، وأن جبلته مصنوعة من طينة الإله.

فالسلطة تفسد الإنسان وتحوله إلى طاغية، جبار، أحمق متكبر، والطاغية: من تولي حكماً فطغي وظلم وتجاوز حدود الاستقامة والعدل؛ تنفيذا لمآربه ومطامعه. أما المستبد: فهو السيد علي عبيده، من يتفرد برأيه ويستقل به. وهو “الحَكَم المطلق” الذي يتوهم أنه يمثل سلطة الأب علي رعاياه، وقد كان أرسطو من بين الأوائل الذين قاموا بتطوير مصطلح المستبد وقابل بينه وبين الطغيان ، وقال أنهما وسيلتان لحكم الرعايا كالعبيد . فالاستبداد عنده يعني خضوع المواطنين للحاكم بإرادتهم؛ لأنهم خلقوا عبيداً . بينما الطغيان يقتصر على اغتصاب السلطة ، ويقوم بها شخص مستخدماً مجموعة من الجنود المرتزقة ، لينغمس الطاغية في إشباع شهواته دونما اكتراث بقانون أو بعرف ، مقيماً سلطته على القهر، وليس أسهل عنده من سفك الدماء، وقتل الناس.

يقترب الطاغية من “التأليه”، مُرهباً الناس بالتعالي وبالتعاظم ويتوهم أن الدولة تتوحد فيه، وأنه مصدر الإلهام. يتحكم بشؤون البلاد بإرادته المنفردة ويحكم بهواه ويعلم أنه غاصب ومعتدٍ، فيضع كعب حذائه في أفواه الملايين؛ لسدها عن النطق. وإذا ما أمسك بزمام السلطة، وطالت مدة حكمه، ازدادت طبيعة الطغيان والاستبداد وتأصلاً فيه. ويتمسك “الطاغية” بمظهر ديمقراطي لتسويغ سلطته ولإعطاء نظامه “شرعية” بمقتضاها يحكم ويتحكم. لا يعترف بقانون أو دستور للبلاد ؛ فإرادته هي القانون والدستور وما يقوله واجب التنفيذ وما على الناس الا السمع والطاعة. فهو فوق القانون، لا يُسأل؛ بل يَسأل غيره. فلا يخضع لمحاسبة ولا لمساءلة ولا لرقابة ، يقول “أفلاطون” :”من يقتل الناس ظلما وعدواناً ، ويشردهم، ويقتلهم، فمن المحتم أن ينتهي به المطاف الى أن يصبح طاغية، ويتحول إلى ذئب”.

يري الطاغية أن إرادته هي إرادة الشعب، فهو من يتحسس مطالب الأمة؛ ومن ثم يقول أنه يصدر قوانينه وقراراته وفقاً لها، فهو دائما على حق، ولكي يثبت ذلك يلجأ إلى الاستفتاء ليخرج من قبعته أرنبا اسمه “الديمقراطية”. يوحي الزعيم إلي من حوله “زخرف القول غرورا “أن الأمور في أحسن أحوالها، وأن كل شيء تحت السيطرة؛ فلا يسجلون إلا الانتصارات ولا يظهرون إلا عظمة القائد الذي لايخطيء. ويلجأ الطاغية عادة الى تدمير روح المواطنين ، وجعلهم يعيشون في مهانة؛ كي يعتادوا الذلة والهوان. وجعلهم يشعرون بأنهم غرباء بأوطانهم ، فيرى المواطن خيرات وطنه تذهب لغيره، ويرى المفسدين يتبخترون بسياراتهم الفارهة وينعمون بالعيش بالقصور والأراضي والمزارع، ويرى أن المفسد وعائلته يعالجون لأتفه الأسباب على نفقة أبناء المجتمع، في حين لا يجد المواطن ثمن حبة الدواء، فيعتاد المواطن على الهوان والمذلة.

والمتأمل لشخصية الطاغية يجد أنها جمعت صفات مشتركة مكنت علماء النفس والاجتماع من تصنيفها تحت بند: “ الشخصية البارانوية الملوثة بسمات سيكوباتية ونرجسية”. فالطاغية ينشأ في جو أسرى مضطرب خالي من الحب والثقة، مما يؤدي إلى أن (الطاغية) يتعلم أن لا أمان ولا ثقة ولا حب، وأن العالم المحيط يتسم بالعدوانية والقسوة ، ولا مكان فيه إلا للقوى المسيطر المستبد. ويتعلم الطاغية أن التعاون مع الآخرين غير مُجدٍ، لذلك لا يعطى ثقته لأحد؛ ومن هنا تنشأ جذور استبداده برأيه واستخفافه بكل من عداه، فهو وحده الذي يملك الحقيقة المطلقة. والطاغية يكون بالغ الحساسية لأية كلمة أو إشارة تصدر من الآخرين – حتى ولو بدون قصد – فتراه يعطيها تفسيرات كثيرة تدور كلها حول رغبة الآخرين في مضايقته وإيذائه والحط من شأنه، فهو لا يعرف النوايا الحسنة، بل إن كل شئ بالنسبة له يحمل نوايا عدوانية شريرة من الآخرين. يحمل الطاغية نفْساً وضيعة فقيرة هزيلة خاوية، يستبد بها الرعب لأتفه الأسباب، فتراه يعاني الشكوى والتذمر، ومن هنا يدخل الطاغية في دائرة مفرغة، ليصبح أشقي الناس، وليصبح أشد الناس غدراً، وحسداً، وظلماً وفجوراً، ولأنه أتعس الناس فهو يفيض على شعبه بما يعانيه من بؤس وذلة وفقر نفسي وخبث ووضاعة وتهور.

والطاغية لا يعرف الصداقة، ولا الإخلاص، ويغيب لديه الجانب الإنساني؛ فالناس كلهم يريدون الإطاحة به، لذلك يسعي جاداً للقضاء على البارزين من الرجال وأصحاب العقول النيرة أو تهجيرهم، واستئصال كل من حاول أن يرفع رأسه. والسؤال هنا : ماهو المضاد الحيوي الفعال ضد هذا المرض؟ ان كل وسائل السيطرة والقمع يمكن مكافحتها دوما بفعالية؛ مما يعطي الأمل في التخلص من مرض الطغيان، صفوة القول: أن الطغاة أضعف مما نتصور، ويمكن استئصالهم وإلقائهم في مزبلة التاريخ. والسلاح الفعال في ذلك هو: “النقد العلني”، أما المجتمعات الخرساء فلا يمكنها تحطيم الأصنام السياسية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل