المحتوى الرئيسى

محمد زكريا يكتب: ملامح التمويل الإسلامي في إفريقيا  | ساسة بوست

02/27 21:59

منذ 12 دقيقة، 27 فبراير,2017

        تتميز القارة الإفريقية عن بقية القارات بتنوعها الجغرافي، وتعددها الثقافي والاجتماعي، ووفرة مواردها الطبيعية (الاقتصادية)، إذ تبلغ مساحتها 30 مليون كيلومتر مربع، موزعة بين 54 دولة، بكثافة سكانية تصل إلى قرابة البليون نسمة. وتنقسم إلى خمسة أقسام جغرافية حسب الجهات الأربعة، إضافة إلى المنطقة الوسطى، وهي: شمال، شرق، غرب، جنوب، وسط إفريقيا.

           وتعتبر معظم أسواق القارة الإفريقية أسواقًا ناشئة، شأنها شأن بقية الأسواق الناشئة؛ إذ تتأثر اقتصاداتها بالعوامل الخارجية بدرجة كبيرة، وحسب التقرير الذي أعدته شركة بيتك التابعة لبيت التمويل الكويتي، فإنه يوجد في القارة الإفريقية حوالي 38 مؤسسة مالية ومصرفية إسلامية، وأكد أن القارة تعدّ سوقًا واعدة للمعاملات المالية الإسلامية. وفيما يلي سنبين ملامح التمويل الإسلامي فيها بشكل موجز. (كونا، 2012)

      إن منطقة شمال إفريقيا بدولها الست (مصر، ليبيا، تونس، الجزائر، المملكة المغربية وموريتانيا)، بدأت منذ وقت مبكر في العمل المصرفي الإسلامي، منذ التجربة الأولى التي خاضتها مصر بقيادة د. أحمد النجار[1] في ممارسة المصرفية الإسلامية، ويتوقع منها أن تكون من أفضل مناطق القارة جاذبية للتمويل الإسلامي في كثير من قطاعاتها الاقتصادية، سواء على المستوى الأكاديمي أو المستوى التطبيقي؛ وذلك بسبب نسبة المسلمين الكبيرة «91%»، والكثافة السكانية «190 مليون نسمة تقريبًا»، إضافة إلى المبادرات المتصاعدة في جعل التمويل الإسلامي خيارًا مفضلاً لدى متخذي القرار في القطاع العام والخاص والمستهلكين على حد سواء.

هناك توجه نحو الأخذ بالتمويل الإسلامي كحل لبعض

المشكلات الاقتصادية عند البعض، وكبديل أمثل لدى البعض الآخر، ففي عام 2007 أذن

البنك المركزي المغربي بأنواع معينة من المنتجات المالية

الإسلامية أطلق عليها مسمى «المنتجات المالية

البديلة»، استجابة للطلب المتصاعد على التمويل الإسلامي. إضافة إلى تأسيس بنوك

إسلامية في كل من مصر والجزائر وتونس، فضلاً

عن إنشاء نوافذ إسلامية في مصر والمغرب والجزائر،

وبنك الزيتونة الإسلامي التونسي أبرز مثال على ذلك.

غرب إفريقيا وتصاعد نمو الصناعة المالية الإسلامية

في الجزء الغربي من إفريقيا نلاحظ تطورًا في الصناعة المالية الإسلامية في أكثر من دولة، كنيجيريا، كوديفوار، السنيغال وغيرها. هناك قوانين مصرفية في صيغتها المعدلة تنص على السماح بممارسة الصناعة المالية الإسلامية في نيجيريا، وجاء على إثر الموافقة تشغيل نافذة إسلامية في بنك حبيب عام 1992، كما منح بنك جايز الدولي تصريحًا لممارسة الأعمال المصرفية الإسلامية من نوع فريد في البلاد في يونيو 2011.

وفي السنغال، استحوذ بنك آسيا «بنوك المشاركة في تركيا» على %40 في شركة التمويل الإفريقية القابضة في أكتوبر 2009، كما كان لمشروع الصكوك السنغالي المدشن في يونيو 2014، والذي بلغت قيمته 100 بليار فرنك إفريقي «200 مليون دولار» دور مهم في الصناعة المالية في المنطقة، «وهذه الصفقة هي الأولى من نوعها في منطقة جنوب الصحراء التي تهدف إلى تنمية أسواق رأس المال الإسلامية كأداة تمويلية بديلة في اقتصادات الدول الإفريقية[2]، وقد أثبت المشروع جدارته مما جعل الرئيس السنغالي «ماكي سال» يطلب من البنك الإسلامي للتنمية في أبريل 2015 مساعدة بلاده في دخول سوق التمويل الإسلامي للمرة الثانية مع سعيها لتجهيز التمويلات اللازمة لمشروعات بنية تحتية. «رويترز».

كما سجلت كوديفوار «ساحل العاج» نجاحًا باهرًا في تنفيذ أكبر عملية إصدار للصكوك السيادية في غرب إفريقيا بقيمة 155 مليار فرنك إفريقي «244 مليون دولار». وقد ساهمت المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص، عضو مجموعة البنك الإسلامي للتنمية ومقرها، بوصفها المرتِّب الرئيس للعملية ومديرة الإصدار في الوقت نفسه. وقد اكتتب في عملية إصدار الصكوك ومدتها خمس سنوات مستثمرون إقليميون ودوليون، كما اكتتب فيها مستثمرون أفراد من الدول الثمانية الأعضاء في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا. وهناك دول أخرى ساعية على ساق وقدم في خوض تجربة التمويل الإسلامي.

شرق إفريقيا.. دور التشريعات في تطوير المالية الإسلامية

في شرق إفريقيا، فقد بادرت كينيا بدخول مجال الصناعة الإسلامية، وذلك في عام 2008 عندما سمحت الحكومة الكينية للبنك التجاري الكيني بالبدء بالعمليات التشغيلية لبنك الأمانة الإسلامي، كأول بنك إسلامي في كينيا. ثم تأسيس البنك الخليجي الإفريقي، وكينيا لديها الآن اثنان من البنوك الإسلامية. وبعد قيام البنك المركزي الكيني بتعديل قانون البنوك في مايو 2010، ليسمح للمؤسسات المالية الإسلامية ممارسة أنشطتها من أجل تحقيق النمو والازدهار؛ ساهم بشكل كبير في دفع عجلة المالية الإسلامية، إذ تبنت خمسة بنوك تقليدية أخرى المنتجات المصرفية الإسلامية، وذلك بغرض دعم المنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، وتوسيع قاعدة العملاء. وكذلك الحال في أوغندا، إذ قام البنك المركزي الأوغندي بتعديل الأنظمة المصرفية للسماح بتأسيس بنوك إسلامية في البلاد.

وأبرز مثال في هذا القطر هو تجربة السودان الفريدة التي ساهمت بشكل كبير في توغل التمويل الإسلامي في المنطقة، ولأهمية هذه التجربة لا بد أن تعطى حقها من العرض المبسط.

تجربة السودان في التمويل الإسلامي

تتميز دولة السودان بالتجانس العرقي، والتعدد الثقافي، والتباين الجغرافي، وهي دولة ذات أصالة عربية إسلامية وأعراق إفريقية، وهذا التشكيل مكّنها أن تلعب دورًا مهمًا في العلاقات العربية الإفريقية؛ بل جعلها جسرًا تاريخيًا وحضاريًا نفذ به الإسلام إلى الدول الإفريقية، لا سيما وسط إفريقيا وشرقها. أضف إلى ذلك، كونها من الدول الأوائل في تطبيق النظام المصرفي الإسلامي، فقد قدمت نموذجًا متكاملاً للتمويل الإسلامي الذي يمثل نمطـًا متميزًا على مستوى العالمين؛ العربي والإسلامي، وعلى مستوى القارة الإفريقية.

وتعتبر السودان البيئة الثانية الحاضنة لفكرة الدكتور أحمد عبد العزيز النجار فيما يتعلق بتطبيق المصرفية الإسلامية في ستينات القرن الماضي بعد تعثرها في قرية «ميت غمر» المصرية عام 1963، وتلقت الدعم من جميع أطياف المجتمع السوداني، بدءًا برئيس الجمهورية، مرورًا بالمؤسسات التعليمية والتمويلية، انتهاء بالقاعدة الشعبية. وفي هذا يقرر الدكتور الصديق طلحة محمد رحمة الله في كتابه: «التمويل الإسلامي في السودان التحديات ورؤى المستقبل»، قائلاً: «بدأت بواكير الاهتمام بموضوع الاقتصاد الإسلامي منذ منتصف الستينات عندما قررت جامعة أم درمان الإسلامية إقامة شعبة لتدريس الاقتصاد الإسلامي بإشراف د. أحمد عبد العزيز النجار ود. محمد عبد الله العربي وتبع هذا المشروع مباشرة الدعوة لقيام مصرف للادخار وفق الموجهات الإسلامية. ولقد أعلن عن قيامه السيد/ رئيس الجمهورية آنذاك الزعيم إسماعيل الأزهري في الاحتفال بعيد الاستقلال المجيد». «الصديق، 2006»

وصاحَب ذلك، السياسة التي تبنتها الدولة والتي اشتملت على الانفتاح الاقتصادي ولعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية، مما سمح للمصارف الإسلامية من أن تشق طريقها نحو السودان كمصرف فيصل الإسلامي وغيره، ويعتبر مصرف فيصل الإسلامي أول مصرف إسلامي خاص يعمل في السودان وكان له دور كبير في دعم القطاع المصرفي للخوض في التجربة الجديدة، وازداد عدد المصارف في القطاع الخاص، وترتب على ذلك تعديل القوانين المتعلقة بالاستثمار لاستيعاب التغيرات المختلفة التي طرأت في المنظومة الاقتصادية للبلاد. ولقد ساهم قرار الدولة المتعلق بإلغاء سعر الفائدة في البنوك المتخصصة بشكل كبير في توطيد فكرة المصرفية الإسلامية في البلاد، وجاء هذا القرار عام 1982م نتيجة للظلم المترتب على عملاء البنوك من خلال سعر الفائدة الربوي، خاصة نموذج البنك الزراعي، وفي هذا الصدد تروى قصة رب الأسرة المزارع في إحدى المناطق الريفية الذي أخذ قرضًا للزراعة ورهن بيته الوحيد لذلك القرض، وبعد وفاته تراكمت الفائدة السنوية، وقررت إدارة البنك بيع العقار، وعندما علم رئيس الدولة بهذه الحالة أصدر قرارًا بإلغاء البيع، ومن ثم إعادة النظر في سلفيات التمويل الزراعي، وعقب ذلك إصدار القرار بإلغاء الفوائد الربوية من هذه المصارف المتخصصة «الزراعي، الصناعي، والعقاري». بعد ذلك سارع النظام لتبني النهج الإسلامي وأصدر قوانين مختلفة التي مثلت جانبًا مهمًا في الأسلمة الشاملة، ورغم الانتقاد الحاد الذي وجه لها كونها كانت مرتجلة وغير مدروسة؛ إلا أنها عبرت بصورة واضحة عن أثر المدّ الإسلامي المتزايد في أوساط الشعب السوداني ودوره المهم في حياتهم. «الصديق،2006، ص 76».

وفي عام 1983 تم الإعلان عن تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع أنحاء السودان، وشمل ذلك أسلمة النظام المالي، ثم في العام 1984 أصدر البنك المركزي منشورًا إلى المصارف يعمم فيه ممارسة عملها وفق النظام المالي في الشريعة الإسلامية، ويؤكد على عدم قبول الودائع المصرفية على أساس سعر الفائدة، وإنما يتم قبولها فقط وفق الصيغ الإسلامية.

ولتحقيق هذه الأهداف الكبرى تم إنشاء الهيئة العليا للرقابة الشرعية للمصارف والمؤسسات المالية، ولعبت دورًا محوريًا في تنفيذ أسلمة القطاع المصرفي، وهي في الأصل كانت امتدادًا لهيئة الرقابة الشرعية لمصرف فيصل الإسلامي التي أنشئت في عام 1978، وهذا ما يؤكد الدور المهم الذي لعبه مصرف فيصل الإسلامي في تلك الحقبة. ثم توالت التشريعات والتعديلات لتفادي العقبات، ومواكبة الأحداث حتى تمكنت التجربة، وأثبتت جدارتها؛ لتجعل السودان في مصاف الدول الأوائل في العالم – وليس في إفريقيا فحسب-التي تبنت النظام الإسلامي في جميع أجهزتها المالية وأنشطتها الاقتصادية وفق مبادئ الشريعة الإسلامية.

يمثل المسلمون نسبة 2.3% من سكان المنطقة، أو 1.3 مليون نسمة، ومع ذلك، فإن نسبة الذين يستخدمون المصرفية الإسلامية في تعاملاتهم تقدر بين %10 إلى %15 فقط من مجموع السكان المسلمين في الدولة. ويوجد حاليًا ثلاث مؤسسات تتعامل بالمصرفية الإسلامية، إحداها مؤسسة مالية إسلامية متكاملة، ومؤسستان لهما نوافذ إسلامية، ويعد بنك البركة، والذي تأسس في عام 1989، أول بنك إسلامي.

وسط إفريقيا (مجموعة السيماك).. الحلقة المفقودة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل