المحتوى الرئيسى

محمد جمال سلامة يكتب: الأوسكار يتوج الجوهرة السمراء فيولا ديفيس.. عن فيلم «Fences» | ساسة بوست

02/27 17:28

منذ 5 دقائق، 27 فبراير,2017

في تجربته الإخراجية الثالثة يتحدى الممثل الأمريكي الكبير «دينزل واشنطن» نفسه مخرجًا وممثلاً ومنتجًا أيضًا، في واحد من أفضل الشرائط السينمائية التي نافست على جوائز الأوسكار هذا الموسم. قبِل واشنطن مهمة عسيرة بتحويل مسرحية برودواي الشهيرة «أسوار» Fences لفيلم يحمل نفس الاسم، في سيناريو «أوجست ويلسون» نفس كاتب المسرحية، ومن بطولة فريق صغير من الممثلين على رأسهم السمراء الجميلة «فيولا ديفيس» التي تقوم بدور رشحها للمرة الثالثة لجائزة الأوسكار، وتوجها بالفعل بجائزة أفضل ممثلة مساعدة ليلة الأحد 26 فبراير، بجانب اقتناصها جائزة الـ BAFTA البريطانية التي تم الإعلان عنها منذ أسابيع قليلة.

الفيلم يدور في حقبة الخمسينات حول «تروي ماكسون» -يجسده دينزل واشنطن-، رب أسرة يعمل بجد في وظيفة متواضعة على عربة لجمع القمامة من شوارع مدينة نيويورك التي تدور فيها الأحداث، ويعود كل ليلة مبكرًا بعد العمل مباشرة ليجد زوجته المخلصة المتفانية «روز» -فيولا ديفيس- في انتظاره داخل بيت مرتب ونظيف، ليجد رائحة العشاء الشهي تفوح في أركانه. وفي نهاية كل أسبوع يعود لروز بمظروف يحتوي على أجر أسبوع كامل، فيعطيه لها لتدبر احتياجات المنزل.

وعلى الرغم من استقرار حياة الزوجين اجتماعيًّا وماديًّا، إلا أن صراعًا يبدو مضطرمًا دائمًا داخل روح «تروي»، لا يبدو مقتنعًا كثيرًا بما يفعله ابنه الأكبر –من زيجة سابقة- «لاينوس» -راسل هورنسبي-، واتجاهه لاحتراف موسيقى الجاز، والعزف مع فريق داخل نادي ليلي يقدم هذا النوع من الموسيقى. ودائمًا ما يثبط همته مع كل مرة يأتيه فيه لاينوس طالبًا اقتراض مبلغ صغير على وعد بأن يرده –ودائمًا ما يرد النقود- وينصحه أن يتجه لاحتراف مهنة حقيقية: ميكانيكي، أو سائق، أو نجار… إلخ.

أيضًا يخوض عراكًا شرسًا مع ابنه الأصغر «كوري» –النجم الإنجليزي الشاب جوفان أديبو- الذي يرغب في الانضمام لفريق كرة القدمن واحتراف اللعبة، بينما لا يرى تروي أيَّ مستقبل في ذلك، ودائمًا ما يلوم الابن أنه لا يساعد في مهام المنزل ويتهرب منها من أجل هوايته التي لا قيمة لها.

فقط يشعر بقليل من السلام مع صديقه المقرب «جيم بونو» -قام بدوره الممثل الكبير ستيفن هيندرسون- الرجل العجوز الذي شارف على السبعين، والذي ما يزال يعمله معه على نفس عربة القمامة التي تجول المدينة يوميًّا، يعودان في أحيان كثيرة سويًا إلى منزل تروي ليجلسا في باحة المنزل الخلفية حيث يلقي تروي على مسامع بونو ذكريات وحوارات لا تنتهي من الماضي، بينما الرجل الطيب يستمع في اهتمام أبوي، وابتسامة حانية على وجهه، مؤمنًا بإيمائه أو بعبارة قصيرة مجاملة على كل شيء يقوله تروي.

يبدو بونو شبحًا على الهامش بالنسبة لتروي، مجرد شخصية تساعده على بقاء ماضيه حيًّا أمامه، لدرجه أنه طول الوقت يتحدث عن زوجته «لوسيل» ولا نراها إطلاقًا طوال الفيلم، لأن ذلك لا يهم، ماضي تروي أكثر أهمية، أولاً لأنه كان في الماضي شخصًا خطيرًا، كان في شبابه سارقًا، الأمر الذي أدى به لقتل شخص يومًا ما، وأدين وسجن بعد هذه الجريمة، حينها تعرف أثناء فترة عقوبته على صديقه بونو، أيضًا في هذه الفترة –قبل الحرب العالمية الثانية- لعب كرة القدم، ولعب الـ Baseball، ولعب موسيقى الجاز، فعل كل شيء يرغب فيه أولاده، لكنه لم يجد قيمة لكل ذلك، كان الرجل الأبيض يأخذ كل شيء، ويستأثر بكل نجاح، ولا يدع للملونين فرصة لإثبات الذات. ترك ذلك في تروي أثرًا عميقًا، لم يعد قادرًا على الاقتناع بأنه يمكنه إنجاز المزيد في حياته، كان يوميًّا يلقي على روز محاضرة، محاولاً أن يثبت لها أنه يقوم بعمل عظيم كونه يأتيها آخر كل أسبوع بمال يكفي الطعام، والملابس، ويكفي لإبقاء سقف فوق رؤوسهم.

لم يستطع أيضًا أن يستوعب أن الزمن قد تغير، وأن العالم بعد الحرب العالمية الثانية لم يعد مثلما كان، وعلى الرغم من مضي الوقت، وظهور حركات المساواة، والمناداة بالحقوق المدنية للسود، وعلى الرغم من أن صورتين للرئيس كينيدي والمناضل الأسطوري مارتن لوثر كينج كانتا تزينا حائط تروي، إلا أن ذلك كله لم يستطع أن يغير من قناعاته التي تنتمي للماضي شيئًا.

وبجانب كل ذلك الصراع داخل نفس تروي الذي لا يستطيع التصالح معه، يظل جاثمًا على روحه عبء أخيه «جابرييل» -الممثل العبقري مايكيلتي ويليامسون، الذي قام بدور المجند الأسود صديق فورست جامب في الفيلم الشهير-، الذي أصيب في الحرب بشظية في دماغه استدعت جراحة كبيرة، تركته معاقًا ذهنيًّا يتجول في شوارع المدينة، يحمل ترومبت مربوطة حول عنقه بحبل، وبيده يضرب على أشباح وهمية يتخيل أنها الشياطين، بينما يقول للناس إنه في الوقت المناسب سينفخ في بوقه لتنفتح أبواب السماء للأرواح الطاهرة وللقديسين. المسكين جابرييل، عندما عاد من الحرب صرف له تعويض كبير اشترى به البيت الذي يقيم فيه أخوه تروي! لا يستطيع تروي تحمل هذا العبء، وهذه المسئولية النفسية تجاه أخيه.

يبدأ تروي في بناء سور خشبي حول بيته ليحمي المنزل من الحيوانات الضالة، ومن المتسكعين، بينما تحاول روز أن تبني سورًا آخر يمنع أسرتها من الانفراط، سور يمنع من الدخول، وآخر يحمي من الخروج.

تتصاعد أحداث الفيلم الرائع، المبني على حوار طويل ومكثف وممتع –ولا غرابة في ذلك لأن العمل في حد ذاته مبني على قاعدة مسرحية-، لتزداد الأمور تعقيدًا، ويبدو كل شيء وكأنه ينفرط خارج سور «روز»، التي تبذل أقصى جهدها لتبقيه متماسكًا. روز على الرغم من محاولاتها لتبدو مرحة، وحيوية، وقوية، إلا أنها لا يمكن في وجودها مع شخص معذب مثل تروي إلا أن تكون سوى مثالٍ للأم المعذبة، والصبورة ذات الجلد والبأس، تقول لابنها إنها اختارت تروي، واختارت أن تعيش معه، واختارت أن تكون كينونتها امتدادًا لكينونته، توحدت معه حتى صارت جزءًا منه، وفي ذلك أمانها وشعورها بالقيمة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل