المحتوى الرئيسى

كنائس العريش لا تصلي.. حكايات النزوح الجماعي للأقباط

02/25 17:33

تجمع سكان إحدى عمارات حى المساعيد غرب مدينة العريش حول أسرة جارهم القبطى "أبو مينا" ليودعوه قبل رحيله عن المحافظة إلى مسقط رأسه فى إحدى محافظات الصعيد.

يروى "خالد" الشاب العشرينى، الذى يسكن أمام شقة "أبو مينا"، تفاصيل لحظات الوداع بين الأهالى وجارهم القبطى، كيف أن أهالى العمارة فوجئوا بوجود سيارة أسفل العمارة وقيام جارهم بإنزال حقائب أسرته المكونة من ثلاثة أطفال وزوجته، وبمجرد رؤيته همَّ الجميع بمساعدته لإنجاز الأمر فى أقل وقت.

عادت حوادث استهداف الأقباط  فى شمال سيناء، لتطفو على السطح مرة أخرى، ولكن هذه المرة بوتيرة أسرع فى مدينة العريش بعد قيام تنظيم ما يعرف "بولاية سيناء" باستهداف 7 أقباط وقتلهم بطرق بشعة وحرق مساكنهم داخل المدينة.

الشاب "خالد" قبل عامين رحل عن مدينة رفح وأصبح أحد النازحين بسبب الإرهاب، واليوم يودع جاره القبطى الذى يرحل عن مدينة العريش لنفس السبب، يؤكد الشاب العشرينى أنه يعلم أن لحظات الوداع والهجرة مؤلمة وقاسية.

يوضح الشاب أنه منذ بداية الأسبوع الماضى لم يشاهد جارهم القبطى يخرج من منزله وأغلق محله الذى كان قريبا من مكان سكنه، وأصبحت تحركاته محدودة بعد زيادة وتيرة أحداث العنف ضد الأقباط فى العريش، لافتًا إلى أن آخر عبارات الأهالى لجارهم قبل الرحيل كانت "لعل الظاهر شر والباطن خير بإذن الله".

عاش الأقباط فى شمال سيناء، ما قبل 25 يناير فى حالة من الود والوئام مع أهالى المحافظة من حضرها وبدوها، ولم تحدث طوال العقود الماضية أى أحداث عنف بين المسلمين والأقباط حتى فى مدينتي رفح والشيخ زويد، اللتين كانتا توجد بهما جماعات تعتنق الفكر الجهادى.

لكن مؤخرا تنوعت عمليات استهداف الأقباط على أيدي الجماعات المسلحة فى شمال سيناء ما بين حرق كنائس واغتيال مباشر بالرصاص وخطف وطلب فدية وأخرى خطف وذبح، مع إرسال رسائل وعيد واستهداف بين حين وآخر، الأمر الذي أجبر عديدا من الأسر المسيحية على الهجرة الجماعية.

منذ بداية شهر فبراير الجارى كثف التنظيم الإرهابى الذى ينشط فى شمال سيناء من استهدافه لمسيحيي العريش، حتى تمت تصفية 7 أقباط وخطف شاب آخر يدعى "رومانى كامل" بعد تصفية والده أمام أسرته ومن ثم حرق منزلهم.

وفى حادثة أخرى اقتحم مسلحون منزلا فى حى السمران جنوبي العريش وقاموا بقتل "سعد حنا" وحرق نجله "مدحت" وحرق المنزل بالكامل.

وأجبرت الأحداث الأخيرة عددا كبيرا من أقباط مدينة العريش على الهجرة خارج شمال سيناء خوفًا على حياتهم وحياة ذويهم.

بعد 20 عامًا ليلة وداع

قضى "أبو رامى" ليلته الأخيرة حتى فجر اليوم السبت داخل الكافتيريا التى يمتلكها فى حى المساعيد، بعد أن جمع أمتعة أسرته داخل شقته، ساعات أخيرة قضاها يتذكر 20 عامًا من عمره مكثها وسط أهالى مدينة العريش.

تجمعت الأسرة المكونة من أبو رامى وزوجته وأبنائه الثلاثة وزوجة أحد أبنائه وطفليها، يؤكد الرجل الذي شارف على الخمسين من عمره أنه كان رافضًا لقرار الرحيل ولكنه استجاب لمطالب أسرته خوفًا من القادم المجهول.

رفضت زوجته ترك أبنائها داخل الكافتيريا بمفردهم، وقررت أن تقضى معهم ساعات الليل الأخيرة قبل الرحيل، بسبب إذا وقع مكروه لأى أحد يواجه الجميع نفس المصير.

"أحمد.م" شاب وصديق مقرب من أحد أبناء أبو رامى يؤكد أن عددا من الأصدقاء المسلمين بقوا مع الأسرة حتى رحيلهم عن المدينة، مضيفا أنه مع خيوط الفجر الأولى وانتهاء حظر التجوال حضر ميكروباص صغير يحمل أسرا قبطية أخرى اختارت الرحيل عن المحافظة.

يقول الأنبا ميخائيل راعى الكنيسة الأرثوذكسية لأقباط شمال سيناء فى مطرانية العريش، إن الوضع الحالى دفع عديدا من الأسر المسيحية للهجرة الجماعية من المحافظة، مؤكدا أن 150 أسرة رحلت عن مدينة العريش خلال الأيام الماضية.

وأضاف فى تصريحات لـ"التحرير"، أن عدد الأقباط فى شمال سيناء قبل ثورة 25 يناير كان 600 أسرة، وبسبب أحداث العنف تقلص بسبب الهجرة من وقت لآخر، موضحا أن الأسر التى رحلت منها قصدت الكنيسة الإنجيلية فى الإسماعيلية وبعض المحافظات التي تمثل أصول مساقط رؤوسهم أو وجود أقاربهم، مؤكدًا أن المطرانية فى شمال سيناء تفتح أبوابها لجميع الأسر المسيحية فى المحافظة.

وعلى خلفية الأحداث الوحشية استقبلت محافظة الإسماعيلية أكثر من 40 أسرة قبطية قادمة من مدينة العريش، وتم تسكينهم فى شقق سكنية، بالتنسيق مع الكنيسة الإنجيلية فى المحافظة، وذلك بناء على تصريحات صحفية للواء ياسين طاهر محافظ الإسماعيلية.

تعتبر الهجرة الجماعية الحالية للأسر القبطية فى شمال سيناء فصلا واحدا لقصة طويلة من معاناة الأقباط فى شمال سيناء بعد ثورة 25 يناير، منذ حرق كنيسة رفح عقب الثورة واستهداف عدد من رجال الدين المسيحى برصاص مسلحين فى أوقات متفاوتة من الأعوام السابقة.

عقب ثورة 25 من يناير وفى يوم 29 يناير قامت مجموعات مسلحة بالتوجه إلى كنيسة "العائلة المقدسة" فى مدينة رفح الحدودية شرقى مصر، وقاموا بإضرام النيران بها وتفجير أجزاء منها بمواد متفجرة، وسرقة محتوياتها وكتابة عبارات وعيد للأقباط المقيمين فى المدينة.

بعد حادث الحرق توالت الأحداث، فقام مسلحون بترك منشورات وعيد وتهديد فى متاجر خاصة بأقباط فى مدينة رفح، طالبوهم فيها بالرحيل وأسرهم من المدينة، ولكن لم يعبأ أحد بتلك المنشورات، ما دفع مجموعة مسلحة باستهداف قبطى فى متجره يدعى "جورج"، ما دفع معظم الأسر المسيحية إلى أن تترك رفح وتتجه صوب مدينة العريش.

ودفع هذا الحادث محافظ شمال سيناء إلى إصدار قرار تم فيه نقل جميع الموظفين الحكوميين من الأقباط فى مدينة رفح إلى مدينة العريش.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل