المحتوى الرئيسى

أقباط سيناء.. هربوا من الموت بجثث ضحاياهم

02/25 10:09

بمجرد أن استلمت أسرة سعد حنا جثتي الأب ونجله، بعد تشريحهما أمس الأول الخميس، رحلت على الفور إلى أقاربهم بمدينة السويس لدفنهما، وانتقلوا أمس إلى الإسماعلية، حيث توفر الكنيسة الإنجيلية هناك بيوتًا لإقامة الأسر النازحة من شمال سيناء.

الأيام الماضية شهدت استهدافًا ملحوظًا من الجماعات المسلحة للأقباط بمدينة العريش، فبحسب مصادر من المدينة، قُتل كل من الطبيب بهجت وليم، ومواطن آخر يدعى عادل شوقي في حي السمران بالمدينة نفسها، ولحق بهم جمال توفيق، ويعمل تاجر أحذية.

لم يتردد أيمن "اسم غير حقيقي بناء على رغبته"، أحد أقارب سعد حنا، الذي وجدوا جثته ملقاة على الطريق، أن يهرب بأولاده وزوجته ووالدة زوجته "التي فقدت زوجها وابنها" خوفًا أن يلقوا نفس المصير.

لا يعرف أيمن شيئًا عن الشقق التي توفرها الكنائس في الإسماعلية، لكن ما يهمه - بحسب ما يقول- أن يجد مكانًا يأمن فيه على أسرته وأبنائه.

اتخذ رامي ياسر "35 سنة" قرار الرحيل أيضًا مثل أيمن، لكن هذه المرة بناءً على اتصال من مديرية الأمن ينصحه بترك العريش.

كان مطعم رامي، الذي يستأجره في إحدى المناطق التجارية بالمدينة، يجاور محل وائل يوسف، الذي قتله مسحلون داخله أواخر شهر يناير الماضي، لأنَّ رجالًا من الجيش والشرطة كانوا يترددون عليه لشراء مشروبات أو غيره – بحسب ما يحكي رامي.

السبب وراء مقتل وائل ينطبق على رامي أيضًا، الذي تربطه علاقة قوية بأفراد الجيش والشرطة، فهم يذهبون إلى مطعمه أو يوصل الطلبات لهم؛ ما جعله مرصودًا مثلهم تمامًا، ومُهدد هو الآخر بالقتل.

رامي يسكن العريش منذ 11 عامًا، وأيمن منذ 18 عامًا، ورغم ذلك يرون مثل عدد من الأقباط أنَّ الأهالي دائمًا ينظرون لهم كـ«وافدين» كون أن أصولهم ليست من المحافظة، فيقول رامي: «الأغلب لا يرغبون في وجودنا، ونشك في بعض الأشخاص بالوشاية للمسلحين عن تحركات المسيحيين، فبعد عملية التهجير من رفح في 2014، تسلل الكثيرون إلى العريش، وأصبح بيننا مندسين لا نعرفهم».

في يناير الماضي، نشرت وزارة الداخلية على صفحتها بموقع التواصل «فيسبوك» مشاهد لجثث رجال ذكرت أنهم ينتمون لتنظيم الدولة "داعش"، قتلوا في تبادل إطلاق نار مع قوات الأمن، وجاء هذا عقب أيام من تفجير سيارة في العريش أسفر عن مقتل ثمانية من أفراد الشرطة، لكن أسر هؤلاء الرجال أصدرت بيانًا ذكرت فيه أنَّ القتلى كانوا معتقلين لدى الشرطة منذ أشهر.

أحمد أبو دراع، صحفي من المدينة، يقول إنه لا جديد طرأ على الأوضاع في المحافظة منذ فترة طويلة إلا فكرة استهداف الأقباط مؤخرًا، وهذا يكون على أطراف المدينة في الأغلب.

ويوضح أبو دراع لـ«التحرير»: «إلى جانب الضربات الموجهة من الأمن إلى أوكار الجماعات، فهناك موجة من الاعتقالات لأبناء المدينة تصاحب كل واقعة، وكان منها هؤلاء الأشخاص الذي نشرت وزارة الداخلية جثثهم، فهم كانوا بالفعل معتقلين منذ شهور، وكتب هو عنهم في وقتها».

ترك أيمن وظيفته في مجلس المدينة، التي كان قد حصل عليها بموجب قانون يلزم بتعيين 5% من ذوي الإعاقة، دون أن يأخذ إجازة أو يبلغ أحدًا، بل ولم يأخذ هو وعائلته ملابسهم، وأغلق عليها شقته، ليضمن خروجًا سهلًا بالتزامن مع خروج عشرات الأسر القبطية خلال يومي الخميس والجمعة الماضيين.

لكن رامي لم يستطع الخروج مع زوجته، فرحل هو منذ أيام إلى مسقط رأسه بمدينة المنصورة بعد مكالمة مديرية الأمن له، ثم رحلت زوجته مع والدتها إلى الإسماعلية لتسكن شقة من الشقق التي توفرها الكنيسة هناك.

رغم ذلك يرى رامي أنَّ «الجيش والشرطة لم يقصروا في حماية الأقباط، لكنهم لا يستطيعون حماية كل فرد طوال الوقت، وأنَّ جزءًا من غضب الجماعات المسلحة تجاه الأقباط هو تجديد الجيش لكنيسة مارجرجس بوسط العريش التي أحرقوها بعد أحداث فض اعتصام رابعة في 2013.

يعتبر حسام الرفاعي، عضو مجلس النواب عن محافظة شمال سيناء، في تصريحاته لـ«التحرير» أنَّ الأمر ليس فتنة أو ضربًا للوحدة الوطنية، حيث أنَّ الوضع المتأزم في المحافظة لا يتضرر منه الأقباط فقط بل المسلمين أيضًا، لافتًا إلى أنَّ الجميع في حالة خوف والأمن يحاول السيطرة.

من جانبه، أصدر اللواء عبد الفتاح حرحور محافظ شمال سيناء قرارًا للمصالح الحكومية والمدارس والجامعات باعتبار الموظفين والطلاب من الأقباط المتغيبين عن العمل في إجازة مفتوحة، لحين استقرار الأوضاع الأمنية.  

لم يتسنَ التواصل مع الأنبا قزمان، أسقف شمال سيناء، الذي لم يرد على هاتفه منذ أسبوع، لكنه كان قد قال في حوار مع «التحرير» - العام الماضي - إنَّ التهديدات تتلقاها الأسر بشكل مستمر من التكفيريين على شكل جوابات توضع أمام بيوتهم، تتنوع في صيغ كتابتها ما بين «ارحل أيها النصراني»، و«لا تلوموا إلا أنفسكم».

وأوضح ّأنَّ الاعتداءات ليست ضد الأقباط فقط  لكن ضد المواطنين بشكل عام.

وردًا على تهجير الأسر القبطية، قال - آنذاك: «لا تهجير للأسر القبطية من شمال سيناء باستثناء منطقة رفح بسبب العمليات العسكرية، لكن هناك أسر غادرت سيناء طوعًا؛ خوفًا على حياتها، ولا يتعدى عددها عشرة أسر».

لقراءة الحوار كامل: أسقف شمال سيناء: الإرهابيون يهددونا بالقتل والترحيل.. ولا تأمين للكنائس

الكنيسة تدين: «دمهم يصرخ أمام الله»

وفي بيان لها، أمس، أدانت الكنيسة ما وصفتها بـ«الأحداث الإرهابية المتتالية» في شمال سيناء التي تستهدف أبناء الوطن المسيحيين، ونعت أبناءها قائلة: «دماؤهم الغالية تصرخ أمام الله طالبة العدل، فهو الذي ينظر ويحكم».

وذكرت أن «البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية يتابع الأحداث التي تستهدف ضرب الوحدة الوطنية وتحاول تمزيق الاصطفاف في مواجهة الارهاب الغاشم المُصدر إلى مصر من الخارج».

وذكر البيان أنَّ الكنيسة في تواصل مستمر مع المسؤولين حسب مواقعهم، ومع الأنبا قزمان أسقف شمال سيناء، ومع المحليات، لتدارك الموقف والتخفيف من آثار الاعتداءات.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل