المحتوى الرئيسى

حكاية الرقص الشرقي من الألف للياء .. الفاتنة سامية جمال

02/25 08:35

لم تكد تتجاوز ربيعها الثامن حتي ألهمها الخاطر أن تصنع مرآة.

ببيت فيه المرايا محرمة، وضعت تلك الطفلة الصغيرة القماش الداكن خلف الزجاج كي يعكس صورتها ورقصت، لم تكن رقصتها وهي يتيمة الأم إلا احتجاجاً واحتياجاً لشيء من البهجة مما جعل «العلقة الساخنة» التي نالتها من زوجة أبيها كعقاب علي ما فعلته من «العيب» غير كافية لكسر ذلك الخاطر المشاكس الذي انطبع داخلها وقد أزكاه المنع.

زينب إبراهيم خليل محفوظ المولودة بمحافظة بني سويف عام 1924، والتي لم يلبث أن شب عودها حتي غادرت بيت أبيها لتذهب إلي القاهرة هرباً من قسوة زوجته، حيث أقامت في ضيافة أختها المتزوجة فاطمة والتي أوكلت لها رعاية الولد وشئون البيت بعد طردها للخادمة، فوافقت علي مضض بينما كان الخاطر المطبوع بداخلها يتحين الفرصة كي يشاكس من جديد.

تخرج الفتاة السمراء من السينما حيث اصطحبتها جارتها لمشاهدة فيلم «ملكة المسارح»، وقد أخذت ملامح الحلم تتشكل داخلها دون أمل في تحقق قريب، وهي التي انتقلت لتوها من مشغل لطباعة القماش للعمل كممرضة بأحد المستشفيات كي تتحصل علي دخل ما، حتي التقت مصطفي الجمال والذي تصادف وجوده بأحد الأيام بكافتيريا الجمال _الخاصة بأبيه_ حيث اعتادت الجلوس، فتحكي له عن حلمها في حديث عابر انتهي بوعد منه أن يقدمها لملكة المسارح، فتجد نفسها أمام «بديعة مصابني» تسألها عن إسمها، وقد أربكها السؤال للحظات نظرت فيها لمصطفي قبل أن تجيب وقد تيمنت بشيء من إسمه علي سبيل العرفان.

تشارك الفتاة السمراء بإسمها الفني الذي إختارته في التابلوهات الجماعية ضمن باقي فتيات الفرقة، حتي يأتي اليوم الذي تمنحها فيه بديعة فرصة لتؤدي رقصة منفردة «صولو» بإحدى الحفلات بعد أن لقنها مدرب الرقص بالفرقة «إيزاك ديكسون» بعض الحركات، إلا أنها أضاعت تلك الفرصة وأخفقت تماماً حين أنستها رهبة الجمهور ما تعلمته من حركات فوقفت جامدة لا تقدر علي الحراك وسط عبارات السخرية وصفير الإستهجان، لتعود كما كانت بين صفوف الكومبارس.

يذكرها الخاطر أن المرايا لم تعد محرمة، فتقرر شراء «جرامافون».

كانت وكأنها تعود بالزمن لعمق عالمها الخاص كي تستلهم منه أسلوبها الخاص حين وقفت أمام إنعكاس صورتها لترقص من جديد، وقد حرصت أن تبتعد عن التقليد والسائد حين إختارت مقطوعتين غربيتين إحداهما كانت «هنجاريان رابسودي رقم 2» للموسيقار المجري «فرانز ليست» والأخري «رقصة النار الطقسية» للأسباني «مانويل دي فالا»، وصارت تواصل الرقص أمام المرآه بالساعات يومياً لمدة شهر كامل طمعاً في فرصة أخري أخبرتها بديعة بعد إلحاح أنها ستكون الأخيرة.

ألهمها نجاحها الكبير هذه المرة أن تدرس الرقص الغربي الحديث فالتحقت بمدرسة للرقص تنقلت فيها بين رقصات الصالون مثل السامبا والرومبا والروك آند رول والشارلستون والتانغو والفالس، لتنتهي بدراسة الباليه بمساعدة مدربة الرقص «سونيا إيفانوفا»، مما أثري أدوات الأداء الحركي لديها ومنحها المجال لإكمال ملامح إسلوبها أو مدرستها الخاصة في الرقص الشرقي بعد أن مزجته بكل ما درسته وتدربت عليه مما ساهم في تميزها وتألقها السريع.

يطيب الخاطر لأحلام آخري كانت تراودها، فتستعين بالورد.

شغفت بصوته منذ أن كانت فتاة صغيرة تتلهف لسماع أغانيه، لذلك حرصت أن تحضر معها باقة من الورد عندما ذهبت كي تهنئه _وهو ابن فرقتها_ بقرب انتهاء تصوير أول أفلامه «إنتصار الشباب»، وما أن دخلت الإستديو حتي فوجئت بهم يعدونها لتظهر بأحد المشاهد وقد وافقت حين أخبروها أنها ستقف بجانبه، «حبيب العمر» في الحياة كما بالفيلم الشهير الذي حمل نفس الأسم وقد تقاسما بطولته ضمن أفلام أخري ظلت دون سواها هي الأحب والأقرب لقلب كل منهما، قبل أن تنتهي علاقة الحب بينهما بعد 8 سنوات كاملة_ وإن إستمرت المحبة _ ربما لأنه _وهو الأمير المهاجر_ قد منعه مركزه من الإرتباط الرسمي بمن يحب، أو لأنه_وهو الأعزب الأبدي_كان يري في الزواج ما يقتل الحب والإبداع، أو لأنه_وهو المحب الغيور_قد آثر الإنسحاب لشكه في ود متبادل بين محبوبته_وهي راقصة البلاط المقربة_وبين فاروق «الملك»_وهو غريم سابق_سبق له أن خطف منه قلب ناريمان _وهي حبه القديم_كما أشيع، لكن المؤكد في الأمر أن سامية جمال كانت هي أيضاً «حبيبة العمر» في حياة فريد الأطرش.

ينكسر الخاطر فتسافر إلي باريس وقد أصبحت وجه الشرق الفاتن وذاعت شهرتها بعدما شاركت بعدة أفلام أجنبية لتلتقي بمتعهد الحفلات الأمريكي «شيبرد كينج» الذي أسلم وغير أسمه إلى عبد الله كي يتزوجها وتنتقل معه إلي أمريكا حيث إستطاع أن يحصل لها علي عقود عمل في مسارح 15 ولاية، لكنها طلبت الطلاق عندما إكتشفت أنه استولي علي أجرها من العمل طوال 16 شهراً، لتعود بعدها إلي مصر.

«الغزل حوار ظريف إما أن يؤدى إلى قسم البوليس أو إلى المأذون»، «غزل رشدي أباظة قادني إلي المأذون»، هكذا قالت في حوار لها مع جلال معوض بمجلة الإذاعة والتليفزيون، أفلام عديدة جمعت بينهما قبل أن تقرر إعتزال العمل تماماً حين راق لها أن تكون الزوجة المتفانية في حبه والأم الحنونة لـ«قسمت» ابنته من زواج سابق، كانت تتسامح معه في نزواته المتعددة وعلاقاته النسائية التي لا تنتهي طالما كان يعود إليها في النهاية باكياً كطفل صغير، إلا أنها لم تحتمل إدمانه للخمور فانتهي زواجهما بالطلاق بعد 18 سنة.

عادت سامية للرقص لفترة كي تؤمن إحتياجاتاها المادية لكنها اعتزلت مرة ثانية بعد تكريمها بمهرجان «تولوز» بفرنسا، لتنعم بعدها بحياة هادئة بعيداً عن الأضواء وسط الأقارب والأصدقاء قبل أن ترحل عن عالمنا عام 1994، تلك الفتاة السمراء التي ألهمهما خاطرها يوما أن تبحث عن البهجة فأحضرت لنا كل البهجة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل