المحتوى الرئيسى

أفريقيا.. حنين للتاريخ وشراكة للمستقبل | المصري اليوم

02/25 01:59

يحدث كثيرًا أن أشعر فجأة بالحنين عندما تخطر ببالي قارة (أفريقيا) دون مقدمات وبلا أي أسباب موضوعية، أرى فيها (البيت الكبير) كما يروق لي أن أسميها، وقد يعرف المقربون مني مدى عشقى للسفر.. ولكني أصرح لهم دائمًا مستخدمة لهجتنا المصرية الدارجة بطريقتنا المبطنة بشيء من السخرية: (إنه برغم عشقى الشديد للسفر والمغامرة إلا أنى من الناس الفقرية اللى متقدرش تستمتع وهى برّه مصر أكتر من 3 أيام، بعدها ببدأ أحس بوجع الغربة وبأبقى عاملة زى الطفل الصغير اللى أخدوه من حضن أمه، قد إيه بيكون إحساسه بالحنين وإنه عاوز يرجعلها)، ولكن.... القارة السمراء وتحديدًا «دولها الأفريقية» ربما استطاعت أن تغيّر من ذلك بنسبة كبيرة جدًا، فخلال سفرى أو تواجدى بإحدى تلك الدول أكاد لا أشعر بهدا الشعور المزعج، (وكأنى في بيت العيلة فعلًا ومروحتش بعيد).

ولا أدرى تحديدًا ما هو سبب عشقى لتلك السمراء الساحرة، ولا أجد جوابًا واضحًا لسر تأثيرها عليّ، ولكنى مستمتعة باستسلامى تماما لقوة جذبها، ووجدت نفسى أقع في غرامها منذ أول لقاء لنا وحتى من قبل اللقاء، وبشكل عام فلدى شعور دائم بالانتماء للجنوب (لصعيد مصر بصفة خاصة... ويمتد أيضًا لما وراء حدود البلاد ليشمل باقى القارة الأفريقية).

وقد تجدد إحساسى هذا وأنا أقرأ المانشيت الرئيسى بجريدة «المصرى اليوم» يوم الأحد الماضى والذى جاء فيه: (السيسى في نيروبى .... مصر تبحث عن مكانتها الأفريقية)، وللمصادفة، فقد كانت كينيا آخر الدول الأفريقية التي قمت بزيارتها منذ عدة أشهر.. ورحت أتذكر سحر منتجعات مومباسا الساحلية على المحيط الهندى، وكذلك غاباتها الاستوائية الغنية التي تشبه حديقة حيوان كبيرة مفتوحة تزينها أجمل وأندر الأشجار والورود، فكينيا تعد أكبر دولة منافسة لهولندا في تصدير الورود على مستوى العالم.

وعلى الشاطئ يتردد إيقاع الطبول ذات النكهة الأفريقية لتقدم عليه قبائل المسايا، بزيها الأحمر المميز وحليها العاجية الملونة، رقصاتها المعبرة عن أشكال وطقوس الحياة البرية في أحراش البلاد.... وقد كان الأحلى بالنسبة لى من كل ذلك بشاشة الوجه ذي البشرة السمراء التي تُشعرك بنوع جميل من الإحساس بالارتياح والتفاؤل طوال وقتك هناك... ولا أستطيع التحدث عن كينيا دون توجيه التحية للمصرى دمث الخلق سعادة السفير، محمود طلعت، سفيرنا بنيروبى.

ولعلنا نعلم جميعًا أن علاقة مصر بكينيا علاقة تاريخية، شكّلتها الجغرافيا وكان ولا يزال نهر النيل بمثابة القاسم المشترك بين الدولتين والذي يمدّهما بأحد أهم أسباب الحياة. وربما يعرف الكثير منا أن علاقتنا السياسية بكينيا علاقة قديمة، كان قد بدأها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بمساندته لحركة (الماو ماو) عن طريق عمل حملة إعلامية ودبلوماسية مركزة ضد الاحتلال الإنجليزي لكينيا، وفتح حينها أبواب القاهرة للزعماء الكينيين، كما قام بإمدادهم بالعديد من المساعدات لتنشيط حركاتهم، ويعد من أهم ما قدمه عبدالناصر أيضًا قيامه بتخصيص إذاعة موجهة من مصر عرفت بـ (صوت أفريقيا) وكانت أول إذاعة باللغة السواحلية تصدر من أفريقيا لدعم الشعب الكينى في نضاله لتحرير بلاده، واستمرت تلك العلاقة كذلك حتى بعد استقلال كينيا في شكل تقديم المساعدات الطبية والغذائية والفنية للإخوة هناك في فترات الأزمات والكوارث الطبيعية، سواء في أوقات الجفاف أو الفيضانات.

وبشكل عام، يمكننا أن نقسم علاقة مصر بأفريقيا إلى مراحل أو محطات: كان أهمها على الإطلاق مرحلة التحرر من الاستعمار في بداية الخمسينيات، والتى لعبت فيها مصر تحت حكم الزعيم جمال عبدالناصر دورًا قياديًا مؤثرًا، ولن أستطيع أن أوفي الحديث عن تلك المرحلة حقه في المساحة المحدودة للمقال، حيث يحتاج الأمر لمجلدات من الكتب لشرح تفاصيلها، خاصة للأجيال الجديدة، لأن دراسة التاريخ واستيعابه يُعدّان أحد أهم عوامل بناء المستقبل.

وأما المرحلة الثانية فهى مرحلة الخبراء أو محطة «الأفريقى»، كما كان يطلق عليه، أو وزير الدولة للشؤون الخارجية، د. بطرس غالى، الشخصية العظيمة الذى قام بإنشاء الصندوق المصرى للتعاون الفنى مع الدول الأفريقية في بداية ثمانينيات القرن الماضي، حيث كانت مهمة الصندوق الأساسية إرسال خبراء مصريين إلى الدول الأفريقية، خاصة في مجالى الطب والزراعة، لهدفين أساسيين، أحدهما عميق وهو المساعدة في تنمية أفريقيا، والآخر أعمق وهو تكوين نواة لتجمعات مصرية تندمج وتنصهر في الداخل الأفريقى لتزيد من دعم الروابط والصلات بين مصر والقارة.

وأما المرحلة الثالثة والأخيرة، فهي مرحلة الشراكة التى بدأت منذ عام 2014 تحديدًا، وجاء ذلك من خلال التأكيد على هوية مصر الأفريقية في ديباجة الدستور المصري الجديد، وما تلى ذلك من إعلان القيادة المصرية عن أولوية التزام مصر نحو أفريقيا، وجاء إعلان الرئيس السيسى في القمة الأفريقية رقم 23 في مالابو عن إنشاء (الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية) كأداة مهمة وبداية لتلك المرحلة، حيث تتمحور مهمة الوكالة بشكل أساسى إلى مشاركة مصر للدول الأفريقية بالمعارف والخبرات، بما يسهم في تنمية القدرات البشرية والمؤسسية للقارة، وإذا كانت مكافحة الاستعمار هي أداة توحيد الشعوب في ستينيات القرن الماضي فإن كسب معركة التنمية هو إحدى أهم أدوات هذا الوقت. (وعن دور وعمل الوكالة سيكون لنا حديث مفصل فيما بعد).

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل