المحتوى الرئيسى

الديمقراطية في الكويت .. أصالة وثراء ونمو طبيعي

02/23 15:52

تحتفل دولة الكويت هذه الأيام بالعيد الوطني السادس والخمسين وذكرى التحرير السادسة والعشرين وذلك بالتزامن مع الاحتفال بالذكرى الحادية عشرة لتولي الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح مقاليد الحكم في البلاد في ظل تجربة ديمقراطية رائدة تعيشها الكويت وفي اعقاب انتخابات مجلس الأمة الجديد التي جرت في نوفمبر الماضي وأظهرت مدى التنوع والثراء الديمقراطي للشعب الكويتي.

وقامت دولة الكويت على أسس ومبادئ الديمقراطية الحقة فمنذ تأسيسها في القرن الـ 18 التف الكويتيون حول حكامهم لتشهد تجربة ديمقراطية رائدة وفريدة توجت بوضع دستور لها في العام 1962 في عهد أمير الكويت الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح.

ولا يمكن التأريخ للمسيرة البرلمانية في الكويت بيوم قيام المجلس التأسيس أو انتخاب أول مجلس للأمة وإنما لا بد من ملاحظة أن روح الديمقراطية الأصيلة والمتجذرة في المجتمع الكويتي قد انعكست على السلوك الذي يحكم الروابط والعلاقات بين الحاكم والمواطنين منذ نشأة الكويت ككيان سياسي، حيث كانت العلاقة بين القيادة وأبناء الشعب علاقة الأسرة الواحدة التي تحكمها قيم وأواصر عربية عريقة.

وحتى قبل أن تعرف المنطقة العربية التطبيق الديمقراطي بالصيغ والأشكال المألوفة فقد كانت الكويت مجبولة منذ تأسيسها على الشورى والتواصل والتلاحم بين أفراد مجتمعها الصغير وذلك من خلال الدواوين التي هي في الواقع برلمانات محلية مصغرة تنتشر في أحياء الكويت القديمة يتبادل فيها أهل الرأي والشورى آراءهم ثم تتوارد فيما بعد حتى أصبحت تعقد في كل بيت تقريباً وبشكل دائم وتجمع بين أفراد العائلة الكويتية وجيرانهم وأصدقائهم ، كما أن موضوعات النقاش فيها مفتوحة على كل ما يجري على ساحة الاهتمام العام للمواطنين وفي كل المجالات المالية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها ، انها تجسيد كويتي لروح الديمقراطية وبنكهة عربية خليجية.

قامت أول تجربة انتخابية في هذا المجتمع الصغير عن طريق إنشاء المجلس البلدي عام 1930 ، ففي الوقت الذي كان فيه الكويتيون يسعون جاهدين لوضع أسس ومعايير لتنمية وخدمة مجتمعهم، وشكل هذا المجلس اتجاهاً جديداً نحو مشاركة الكويتيين في إدارة البلاد ، حيث اختار الكويتيون عن طريق الانتخابات المحدودة مجلساً يتكون من 11 عضوا ورئيس دائم ومدير وينتخب الأعضاء والمدير كل سنتين، يجتمع الأعضاء مرة في الاسبوع للتباحث حول وجهات نظرهم بشأن حاجة الناس والمدينة وأهم الأعمال المطلوب القيام بها في مجالات التعليم والأمن والصحة والانشاءات وغيرها وكان المجلس يرأسه –بنص المادة الثانية من قانون البلدية- فرد من آل الصباح .

وتلت انتخابات البلدية انتخابات لدوائر المعارف والصحة والأوقاف عام 1936 م وكان لتلك الانتخابات أثرها الكبير في زيادة الوعي بمبدأ الشورى والمشاركة في تنظيم شؤون الدولة من خلال مؤسساتهم.

وفي العام 1938 وتحت تأثير ظروف داخلية وخارجية رأى الكويتيون ضرورة المشاركة بالحكم بشكل أكثر نيابية وديمقراطية من أجل عمل إصلاحات عدة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، وفي اطار السعي لانشاء مجلس تشريعي أنشأ بعض التجار تجمعاً تحت مسمى 'الكتلة الوطنية ' واختار أعضاء الكتلة ثلاثة ممثلين عنهم ليرفعوا رسالة للأمير الراحل الشيخ أحمد الجابر الصباح، تضمنت رغبة في المشاركة في تسيير أمور البلاد اعتمادًا على أساس المبايعة وجعل الحكم شورياً بين الحاكم والمحكوم، و باعتبار أن التطور في مختلف جوانب الحياة يحتم الأخذ بمبدأ الشورى، فاستجاب الحاكم لرغبتهم وقرر إجراء انتخابات وأيده في ذلك نائبه وولي عهده الشيخ عبد الله السالم الصباح.

وفي اليوم التالي لموافقة الأمير علي اجراء الانتخابات تم إعداد قائمة تضم 320 ناخباً تم استدعاؤهم للإدلاء بأصواتهم للانتخابات التي فاز فيها 14 عضوًا من بين 20 مرشحًا تقريباً وتم اختيار الشيخ عبد الله السالم رئيساً للمجلس.

وبعد أن باشر المجلس مهامه قام بصياغة مشروع دستور الكويت في الأسبوع الأول من يوليو 1938 حددت فيه اختصاصات المجلس التشريعي وحاز المشروع على إجماع أعضاء المجلس ، وتم رفعه للأمير للمصادقة عليه بتاريخ 9 يوليو 1938 م.

ويمكننا القول إن الكويت تتمتع بتجربة ديمقراطية متقدمة عن العديد من البلدان في المنطقة وخارجها. ومن أهم مظاهر الديمقراطية في الكويت، الديوانيات التي يجري فيها النقاش في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بحرية، يضاف إلى ذلك حق المرأة في التصويت والترشح للانتخابات منذ عام 2005 عندما وافق مجلس الأمة على تعديل قانون الانتخابات بما يسمح للمرأة بالمشاركة في العمل السياسي وأسفر ذلك عن فوز بعض النساء في الانتخابات البرلمانية التي تلت هذا التعديل  .

وجاءت  انتخابات مجلس الأمة في 26 نوفمبر الماضي لتسلط الضوء من جديد على دور مجلس الأمة من جانب ومدى وعي الناخب الكويتي في اختيار نواب الأمة من جانب آخر.

فقد كان أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، قد حل البرلمان السابق وفقا للدستور الذي يمنحه هذا الحق اذا رأي ان الضرورة تقتضي الحل، وقال: «إن العمل البرلماني انطوى على انتهاك للدستور وللقانون، وتجاوز لحدود السلطات الأخرى، وتدني لغة الحوار على نحو غير مسبوق تحقيقا لغايات قصيرة ضيقة على حساب مصلحة الوطن ».

ويري المراقبون أن تدخل الأمير كحكم بين السلطات وفقا للمواد 102 و107 من الدستور الكويتي أسهم في تجنب الكويت أزمات من عدم الاستقرار السياسي باللجوء إلى الناخبين ليكونوا الفيصل في الخلاف بين الحكومة .

وتأتي أهمية مجلس الأمة الجديد أيضًا في مواجهة الأوضاع الاقتصادية التي تحل بالبلاد، ومنها انخفاض أسعار النفط وضرورة أن يتصدى المجلس مع الحكومة لمعالجة الأوضاع الناجمة عن قلة الإيرادات ، ويضاف إلى ذلك هناك تحديات أمنية من جراء التنظيمات المتطرفة، ولعل ما حدث من تفجير مسجد الإمام الصادق لهو أكبر دليل على هذا التحدي. ولكن حكمة أمير الكويت أسهمت في تجنب التبعات السلبية لهذا الحادث الإرهابي. ومن هنا  فقد اخذ  المجلس الجديد علي عاتقه مسئولية وضع  تلك التحديات الاقتصادية والأمنية على قمة أولوياته .

ووفقًا للتقارير الدولية تعد التجربة الديمقراطية الكويتية واحدة من افضل التجارب في العالم العربي والتي تعكس الصورة المشرقة لدولة الكويت في ضوء الازدهار الذي تعيشه منذ تأسيسها ليسهم ابناؤها في عملية البناء وتطوير مؤسسات الدولة، والتي تشكل علامة فارقة في المنطقة.

والي جانب المظهر الديمقراطي فان الكويت التي تعد احد اعمدة استقرار الخليج والمنطقة ، وبإمكانها الحفاظ على استقرارها السياسي والامني وتحقيق مزيد من الانفتاح والتنمية الاقتصادية القائمة على المعرفة والابتكار من خلال محافظتها على قيمها الديموقراطية التي اهتمت بتنميتها طيلة السنوات الماضية، كما أن الكويت تواجه تحديات فيما يتعلق بالامن الاقليمي والمجال الاقتصادي إثر تراجع اسعار النفط واندلاع عدد من الأزمات بالمنطقة.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل