المحتوى الرئيسى

“التلّي” يتوسّط حزب الله !

02/23 12:14

لم تعد الجرود اللبنانية الشرقية وخلفيتها القلمونية برداً وسلاماً على المسلحين الذين يستوطنوها منذ أعوام. ومع إدراكهم بسقوط مشاريعهم، بدأ الخوف يتوجّسهم ويتخيّلون مصيراً قاتماً يتنظرهم بعد أن غدوا ورقة تقاسم مصالح على طاولة المفاوضات السورية.

أعوام صعبة مرّت على مسلحين من جبهة النصرة وداعش وغيرهما الذين لجأوا إلى هذه المنطقة أو كوّنوا أنفسهم فيها. حيث تمتعوا براحة وحرية أمنت لهم سهولة في التأسيس، حتى باغتهم “حزب الله” أعوام 2014 و 2015 مغيراً في المعادلات قالباً المشهد رأساً على عقب, فغدت بيئة “الإمارة” مستباحةً، وتحولت نسبة الـ80% من السيطرة في الجرود إلى حزب الله الذي إرتفعت قواته على القمم الشاهقة، فيما عزّزت القوات السورية من وجودها في الخلف ونظيرتها اللبنانية من الأمام التي أمسكت الحدود وبقوة، فباتت قوات “أبو مالك التلي” (فتح الشام أو جبهة النصرة سابقةً) مطوقةً من كل الأماكن ما فتح الباب أمام بدء أفول نجم الحالة الإرهابية هذه في الجرود.

حزب الله ومنذ عامين على آخر عملية عسكرية واسعة شنها في الجرود، إعتمد تكتيك التضييق دون الدخول في عمليات عسكرية مهتماً فقط توجيه ضربات محكمة أو تنفيذ عمليات ذات نوعية وخاصية أمنية تمكن من “إيجاع” النصرة. توازياً، لم يكن الجيش اللبناني بعيداً عن هذا الجو، فهو إستفاد من إقتطاع حزب الله لقوة جبهة النصرة في الجرود القلمونية والتضييق على داعش من خلال تنفيذه لعمليات ذات نمط أمني مميز كان أبرزها سحب الإرهابي المطلوب “أحمد يوسف آمون” من كنف التنظيم كـ”الشعرة من العجينة” مع مساعديه وإيداعهم مديرية المخابرات كذلك تنفيذه لعمليات تصفية أمنية كالقضاء على سامح البريدي ومجموعته مثلاً.

العمليات الأمنية التي كان لها أثر بالغ فرضت على المجموعات معطى جديد زاد من نسبة إستنزافها في منطقة باتت محاصرة فيها، ومع بدء سريان مفاعيل إتفاقات إطلاق النار والهدوء في الجبهات السورية، بدأت الفلول الإرهابية في الجرود تحسب إمكانية الإنقضاض عليها مع بذوغ شمس الربيع، وإستدراكاً للموقف الصعب تلطت خلف قوى سورية معارضة تكشف الوقائع أنها بدأت مفاوضات مع حزب الله والجيش السوري، لكن أبرز ما تمكن “ليبانون ديبايت” من الإستحصال عليه من مراجع أمنية مواكبة، إلتماس نيّة مبنية على تقاطع معلومات تشير إلى إستعداد قائد جبهة النصرة في الجرود الغربية للقلمون ومنطقة عرسال، أبو مالك التلي، للتفاوض بغية إخلاء مراكزه المتبقية في المنطقة والتي تتركز في بعض نواحي وسط جرود عرسال القريبة من الجزء الشمالي الغربي من جرود القلمون (معاقل داعش)، ونقاط تقع في آخر جرود فليطة المرتبطة بجرد قارة الذي يتمتع تنظيم داعش بسلطة فيه.

عوامل فرار جبهة النصرة والتلي تحديداً من جرود عرسال والقلمون نحو الداخل السوري كثيرة، لعل أبرزها تغيّر المزاج الشعبي في عرسال التي كانت تعتبر حتى الأمس القريب المتنفس الوحيد لهذه المجموعات. المزاج تغيّر وفق مراجع أمنية، بعد الإنتخابات البلدية الأخيرة والواقع الجديد الذي أنتجته في الصندايق، هذا جانب، وجانب آخر بعد الأزمات المتتالية التي ترزح تحتها عرسال والتي وجهت أصابع الإتهام فيها إلى النازحين السوريين بعد إدراك أهالي البلدة أن هؤلاء تحولوا إلى حالة أمنية غير إنسانية بدأت تنعكس سلباً على الواقع الإجتماعي العرسالي.

العامل أعلاه هو أحد الأسباب المهمة، لكن ثمة أسباب تنظر إليها جبهة النصرة وقائدها في المنطقة على أنها لا تقل شئناً، فعملية الطوق العسكري زادت و لم تعد تترك أي متنفس للمسلحين اللهم إلا جيوب قليلة، فضلاً عن الصعوبة التي بدأت تظهر في عملية إيصال المعونات التموينية التي يحتاجها المسلحين، وهناك عامل أيضاً لا يمكن إخفاؤه هو حالة الطقس السيئة التي حتمت وفق تقاطع المعلومات على المسلحين المتمترسين مقاومة الطبيعة وهو ما أنهكهم أضعافاً مضاعفة.

الهامش الذي غيّر مزاج المسلحين بدورهم هو إدراكهم إرتفاع منسوب الحل السياسي على العسكري أولاً وثانياً إقتراب مناطق المصالحات من حدود سيطرتهم وثالثاً إتساع عمليات الجيش السوري والروس قرب تدمر التي ستشكل إنعكاساً مغايراً للسابق هذه المرة حيث هناك نية بـ”إكتساح مناطق سيطرة الإرهابيين في البادية”. من هنا أتت القراءة الجديدة لـ”التلّي” الذي أدرك أن هامش المناورة ضاق وإمكانية الإستمرار في منطقة مغلقة شبة معدومة، وفي حال إختار البقاء أكثر عليه أن يواجه أمرين، إما تحمل نتائج الإستمرار في العيش بالحد الأدنى الذي لا يوفر قدرة على القتال، وإما مواجهة عملية عسكرية ستأتي عاجلاً أم آجلاً وتستغل ضعف المسلحين للقضاء عليهم، وعليه لم يعد من ملاذ لـ”التلّي” سوى محاولة إستخراج حل يشمله كما شمل غيره من مسلحين جرى نقلهم من خلال تنازلات وتفاهمات إلى إدلب.

مراجع أمنية تتحدث عن معلومات متقاطعة تؤكد ورود ما أسمتها بـ”رسائل هادئة” مصدرها “أبو مالك التلي” أتت بطرق غير مباشرة من خلال إيحاءات قدمها وسطاء محلّيين في المنطقة إلى حزب الله تحديداً تلمح إلى وجود نية لبحث حل يؤدي إلى إنسحاب مسلحي جبهة النصرة من المناطق الجردية في القلمون وعرسال نحو منطقة إدلب وفقاً لتسوية ما. حزب الله يعتبر أن الموضوع مرتبط بالدولة السورية، وهو “سمع دون أن يبدي رأياً” لكن جهات قريبة منه تحلّل أن الخطوة في حال حصلت تؤكد نجاح السيناريو الذي عملت عليه المقاومة طيلة عامين والذي أدى إلى إسقاط المسلحين دون عملية عسكرية شاملة وفرضت عليهم واقعاً جديداً.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل