المحتوى الرئيسى

أحمد فتحي يكتب: الحب فى زمن “التعويم”

02/22 10:27

قرارات اقتصادية أطاحت بالعملة المحلية وسط تهليلات إعلامية بأنها الأصلح والأصح للمواكبة العالمية. البطون خاوية، والتقشف على اﻷبواب، ولن يتبقى لنا عمِّة ولا جلبابا وسط نجاحنا باجتهاد في تفرقنا شيعا وأحزابا.

خط تفكيري واحد يقطن بيوتا لم تفكر سوى في الترشيد والتدبير بعد تعويم العملة أمام الدولار. من أين سنأكل؟ وكيف نُدبِّر؟

بات التعويم -طرح الأشياء للعرض والطلب- وباء ينتشر في كل شيء، ليس على المستوى الاقتصادي والعملات فحسب، بل مبدأ مؤصَّل في المعنوي قبل المادي. سحابة سوداء أخفت بريق نجم كل شيء.

أشياء كثيرة باتت خاضعة للتعويم، الأحلام. المبادئ والآمال، ربما تحلم بالحرية والتعبير عن رأيك دون مساءلة أمنية. تحلم بعمل شريف تتقاضى عنه أجرًا عادلًا. تطمح في عدل قانوني وعدالة قضائية. تأمل أن تنجح في دراستك وتعمل بما تعلمت. ولكنك تكتشف أنها ليست هي الأحلام التي من المفترض أن تشغل خاطرك. لأنها حقوقك الطبيعية!

طموحك للعرض والطلب، تعويمها حتمي في مثل هذا البلد، إن كان هناك عرض فلا مجال للطلب لأن قيمتها لم تتخط حدود التحقيق والتنفيذ، إلا بطلب الواسطة. حقك أن تحلم، لكن “هنا” احلم قدر ارتفاع سقفك. هذا ما فُرض علينا!

تتبدد الطموح وتضيع الآمال. وربما يكون حلمًا مزدوجًا إن كان لك شريك يتمنى بيتًا يجمعكما، أو علاقة تكتمل، أو ظروف تتحسن. لا موارد، لا سبيل للعيش، لا دخل يكفي.

نظل مُحلِّقين في سماء الرزق علنا نحصد ما يجعل حاجتنا رخيصة الثمن فلا نخضع للي الأذرع أمام الأسعار. نظل نحلق ونحلق حتى نصطدم بحقيقة انتهاء زمن الرخص.

«انتهى زمن الرخص». طالما سمعناها من أجدادنا، أو أهالينا، وفي كل زمن ينتهي الرخص، ليظهر في أشياء أخرى أهلكها التعويم من طول فترة تركها للعرض والطلب، فتفقد قيمتها ومعدنها.

الذات والكرامة والاحترام والنخوة، وغيرها. كلها أشياء دخلت عهد الرخص. وعود عائمة لتغيير أو تبديل ﻷفضل. عهود بصبر وتحمل عسى العائم يستقر، إلا أنه يغرق وتطفو الكلمات. مجرد كلمات تُقال في أي مناسبة وأي وقت تتأزم اﻷوضاع. الكلمات واﻷحرف أضحت رخيصة أيضًا، بل بـ”بلاش”!

حريتك عائمة خاضعة للعرض والطلب، ربما تتصارع جهات ما على قيمتك وحياتك. وكلما زاد الطلب في حريتك، زادت عرضتك للانتهاك والظلم، ربما تكن مؤشراتك عالية لدرجة تصفيتك أو إخفائك أو تعذيبك حتى الموت.

نلجأ إلى الفرار ونتمنى الهجرة. الهروب إلى أي ملاذ آمن نحيا به حياة عادية آدمية على أقل تقدير. حياة نفتقد معالمها في بلد التعويم.

هكذا أصبح تفكير «جيل الثورة» بعد حصار واستبداد. بل الثورة عينها أضحت خاضعة للتعويم. أوقات تُنعت بالـ”مؤامرة” وأخرى بالثورة المجيدة. تختلف المنصات والقائل واحد ووصفها يظل عائما وفق العرض والطلب.

في أيام سوداء كتلك يظل الحب هو اﻷصدق من أشياء كثيرة. يبقى الشيء الوحيد الذي ينطق به القلوب دون مقابل، دون مصلحة أو فائدة قابلة للتعويم.

يبقى الرهان اﻷوحد المدعم في أسوأ وأحلك الظروف. حروب وشدائد ينتصر الحب فيها وسط هولها وعظمتها. رأينا ما فعلاه الشاب والفتاة في سوريا وتوثيقهما لعشقهما على جدران بيوت مدينتهما المقصوفة. كم من قصة شبيهة قاومت ونمت ونجحت وسط أشد اﻷحوال.

ربما تَقل العزائم أو تُحبط اﻷنفس، ولكن تبقى القلوب عاشقة لامعة مضيئة وسط عتمة الظلمات أو بعد المسافات.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل