المحتوى الرئيسى

دليل الطفل العبقرى يبدأ بـ«الاحتواء».. وصناعة المجرم من خلال الضرب والإهمال

02/22 10:05

غياب مادى ومعنوى تمارسه آلاف الأمهات مع أطفالهن، تارة بسبب العمل وضغوط الحياة، وتارة أخرى بسبب الجهل وغياب الوعى بطريقة التعامل المناسبة مع الصغير، فتظل موجودة بالبيت، لكنها فى الحقيقة غائبة، أمام الهاتف أو التلفاز أو الموقد، حيث تُعد الطعام للباقين، فى حين يقضى رضيعها الوقت، مستغيثاً بها كى تأتيه، أو محيطاً بقدميها كعائق لها عن قضاء ما لديها من مهام.

«عيّل زنّان» الوصف الذى يحظى به أكثر الأطفال، كوصمة تلحق بهم، حيث لا يكفّون عن البكاء، لأسباب يجهلها المحيطون، هنا تبدأ مجموعة من النصائح الشهيرة «ماتعوديهوش على الشيل»، «سيبيه وهو هيسكت لوحده».

«غياب الأم» يؤدى إلى أطفال ساديين وسيكوباتيين ومرضى نفسيين.. وخبير تربوى يُحذّر من عقوبة الضرب قبل سن السادسة.. ومطالبات بتشريعات ومؤسسات تتبنى إنتاج الطفل العبقرى وحمايته

ميراث طويل من النظر إلى الطفل، باعتباره كماً مهملاً «أهو عيل.. وكلهم بيتربوا»، ازدراء واضح حتى الاهتمام والعناية تستكثرها الثقافة الشعبية فـ«ابن الكبة طلع القبة، وابن اسم الله خده الله»، أى أن الطفل الذى تهمله وتدعو عليه بالموت والطاعون يبقى ويصل إلى أعلى المراتب، أما ذلك الذى تُعنى به وتُسمى الله مع كل خطوة له، لا يفلح!

ثقافة يتم ترجمتها إلى فعل يومى يتم فى حق الأطفال باسم التربية، يصل فى بعض الأحيان إلى ضرب الرضع باسم التربية والتقويم «اكسر له ضلع يطلع له أربعة وعشرين»، تلك الثقافة التى تمتد إلى عمر المدرسة، فتظهر الجملة الشهيرة من الآباء للمدرسين «اضرب، وأنا أجبس».

نظرة إلى الطفل فى سنواته الأولى، خصوصاً أول عامين على أنه بلا حول ولا قوة، ما دام عاجزاً عن التحكم فى الإخراج والكلام، فهو أقرب إلى البهائم، حيث التسمين هو الهدف الأسمى، معاملة يعكسها المثل الشهير «أكلهم تجارة، ولبسهم خسارة»، فى إشارة إلى محاولات تقليص الإنفاق على الأطفال قدر الإمكان، مع تعظيم الفائدة من إطعامهم.

صورة لا تختلف داخل الحضانات، حيث ملايين الأطفال يقضون أوقاتهم فى محاولات إلهاء متواصلة، تحت عناوين برّاقة تتحدث عن طرق تعليم مبتكرة وأساليب استثنائية لتبقى الحقيقة المرعبة بشأن الأساليب المستخدَمة القاتلة للإبداع والخيال، طى الكتمان، يفضحها من آن إلى آخر، كدمة على وجه الطفل، أو أثر لوخز بجسده، أو حادث يخرج فيه المشرف عن شعوره، خصوصاً إذا كان الطفل من النوع «الحركى».

ساعات طويلة يقضيها الصغار داخل غرف مغلقة فى انتظار انتهاء ساعات عمل الولدين، وسط مشرفين هدفهم الأسمى طفل صامت بلا مطالب أو رغبات؟

تقول باتريشيا بوير، وهى أستاذة فى علم النفس بجامعة إيمورى، إنه كان يعتقد قبل عدة عقود أن الرُّضع ليست لديهم القدرة على تشكيل ذكريات، لكن بعد تطور التقنيات الخاصة بفحص الرضع والأطفال الصغار، اتضح أن البنى العصبية التى تخلق تلك التصورات فى مرحلة الطفولة هى من الناحية النوعية نفسها الموجودة فى الأطفال الكبار والبالغين! حقيقة علمية لا يبدو معها المثل الشعبى السائد «من قلة بختنا العيال بتحبنا» متسقاً بأى شكل.

«من يوم ما شوفتكم يا اولادى ما هنالى زادى» على هذا الأساس يتعامل أكثر المحيطين بالأطفال، الأمر بالكامل مجرد عبء، مما يولد حالة من العدائية غير المقصودة فى التعامل مع الصغير منذ مولده وحتى عمر المدرسة.

«الفترة الأولى فى عمر الطفل، والمقدّرة بعامين لدى بعض العلماء، وخمسة لدى فرويد، هى التى تشكل شخصية الإنسان بالكامل، وما يحدث بعد هذه الفترة يكون مجرد ارتقاء»، يتحدث الدكتور الحملاوى صالح عبدالمعتمد، أستاذ علم النفس التربوى بكلية الآداب جامعة الفيوم، مشيراً إلى أن خطورة تلك المرحلة تكمن فى التحولات العنيفة التى يشهدها الوليد الذى ينتقل من دفء الرحم واحتضانه إلى العالم بصدمة شديدة تتمثل فى انقباضات الولادة، لعل هذا ما يُفسر البكاء الذى يتلوه ساعات نوم طويلة تصل إلى 22 ساعة، فى الفترة الأولى، لكنه رغم ضعفه وصغر حجمه وعدم قدرته على التعبير يشعر بكل شىء، يميز أمه ويعلم إن كانت هادئة أو منفعلة أثناء الرضاعة، وإذا ما كانت تعامله بحب أو لا، هو أيضاً يميز الصوت العالى والهادئ، فإذا كانت البيئة الحاضنة جيّدة سيكون لدينا طفل يشعر من لحظة الميلاد، أن العالم مكان جيّد يحتويه، وإذا كان العكس، فسوف يكون لدينا شخصية تعكس كل ما رأته، وإن لم تتذكره، فسلوك المرء فى الكبر ما هو إلا انعكاس لما اكتسبه منذ لحظة الولادة وحتى تمامه العامين أو الخمسة حسب «فرويد».

تأثير مزدوج، نفسى وجسدى، فمثلاً تناول الطفل للألبان البقرية فى عامه الأول يجعله معرّضاً للإصابة بمرض السكرى فى مراهقته وكهولته، أما منع الصغير عن تناول الملح أو السكر خلال تلك الفترة الدقيقة فإنه يُسهم فى الحفاظ على كبده وكليتيه!

غياب الاهتمام والوعى بجودة الطعام والجو النفسى والعلاقات الاجتماعية يخلق -حسب «الحملاوى»- طفلاً مشكلاً يكتسب فى مستقبله أمراضاً عدة، فنرى -فضلاً عن الأمراض الجسدية- أمراضاً نفسية على هيئة شخصيات سيكوباتية عدائية، أو شخصيات منطوية، فضلاً عن عدد آخر من الأمراض النفسية المعقّدة التى تنشأ من بدايات تبدو غاية فى البساطة.

«جريمة فى حق الطفولة»، هكذا وصف أستاذ علم النفس التربوى ما يجرى بدور الحضانة، حيث لا مناهج حقيقية للتعامل أو التعليم، ولا جهد فى مراقبة العملية التعليمية، خاصة لهؤلاء الذين يتم إدخالهم الحضانة بعمر الثلاثة شهور «السن الطبيعية لدخول الحضانة ثلاث سنوات، والسن الطبيعية للإمساك بالقلم هو ست سنوات، قبل هذا يُعد الأمر جريمة، لأن أياً من عضلات اليد أو عظامه لا تحتمل هذا الدور!».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل