المحتوى الرئيسى

محمد حمدي سلطان يكتب : تحيا جمهورية "مش متابع والله" - E3lam.Org

02/22 00:09

أغلب الإكتشافات العظيمة والمهمة والتى غيرت مجرى التاريخ، وتركت تأثيرًا هائلًا على شكل الحياة، تم التوصل إليها عن طريق الصدفة. مسيرة العلم نفسها كان للصُدف دور رئيسى فى تقدمها. نيوتن مثلًا كان جالسًا تحت شجرة تفاح لا ندرى ربما طردته زوجته من المنزل، أو يفكر فى ماذا سيتناول على العشاء فإذا بتفاحة تسقط فوق رأسه، ليكتشف قانون الجاذبية ويصبح عالمًا عظيمًا.

بالطبع لا ننكر أن نيوتن اجتهد وفكر و” شغل دماغه ” ليتوصل فى النهاية إلى هذه النتيجة العبقرية، بينما لو كان شخصًا آخر جالسًا مكانه، لم يكن ليفعل اكثر من أن يأكل التفاحة وربما لصعد فوق الشجرة ليأتى بالمزيد من التفاح. عبد العاطى مثلاً كان سيبذل أقصى جهده من أجل إيجاد طريقة يحول بها التفاحة إلى ” صباع كفتة ” ولربما اكتشف قانون ” الجاذبية الكفتجية ” ولكن لأن ربنا كبير ورحمته واسعة ويضع كل إنسان فى مكانه المناسب، كان نيوتن هو الجالس تحت شجرة التفاح فى هذه اللحظة تحديدًا، بينما ابتُلينا نحن بعبد العاطى ولدينا نيوتن أيضًا ولكنه ترك العلم وتفرغ لكتابة المقالات فى ” المصرى اليوم ” ولا تتعجب ففى مصر توقع أى شىء فأنا ركبت فى مرة مع سواق توكتوك اسمه ” نابليون ”

نفس الصدفة تكررت مع أرشميدس وهو يأخذ حمامه وكان يبحث عن الصابونة ربما، وعندما وجدها طافية على سطح الماء اكتشف ” قانون الطفو ” ليخرج إلى الشارع عاريًا وهو يصرخ فى سعادة ” وجدتها وجدتها ” والأمر لا يختلف كثيرًا مع باسم مرسى رغم أن الأخير لا يدرك حتى هذه اللحظة انه اكتشف نظرية فلسفية عميقة ربما تغير شكل العالم كله وهى نظرية ” مش متابع والله ” ولو كان باسم انضم لقائمة المنتخب فى بطولة الجابون ما كنا لنكتشفها، فشكرًا لهذه الصدفة السعيدة.

فؤائد هذه النظرية لا تُعد ولا تُحصى فبدايةً هى ستنقذك من الدخول فى أى نقاش سخيف يُفضى إلى جدال عقيم لا ينتهى إلا بالسباب وتبادل الاتهامات، أو بالخصام والقطيعة و” بلوك على الفيس ” فى أحسن الأحوال. فعندما يُطلب رأيك فى أى مناقشة لا تقُل رأيًا سلبيًا أو إيجابيًا ولا تلجأ للصمت، إنما رُد مبتسمًا وبكل هدوء وثقة : مش متابع والله. ولن يستطيع أحدٌ أن يلومك، فإذا كان الغايب حجته معاه فالمش متابع والله حجته معاه برضه. بالعكس ربما يحترم البعض رغبتك فى عدم الإدلاء برأيك فى أمر لا تعلم عنه شيئًا.

أما الأهم من ذلك فهو أنك ستحمى نفسك من الوقوع فى فخ التصنيف وهو الوباء الذى استشرى فى المجتمع كله فى السنوات الأخيرة، فأنت إذا كنت مع الثورة ستصبح ” شمام كلة ” ولو كنت ضدها فأنت ” فلول ” ولو كنت محايدًا تكتفى بالمتابعة فأنت ” حزب كنبة ” لو كنت معارضًا للرئيس فأنت ” أهل شر ” ولو كنت مؤيدًا له فأنت ” طبال ” وهو لفظ أكثر تهذيبًا عن آخر أكثر تداولًا. وإذا لم تكن مؤيدًا ولا معارضًا فأنت بالتأكيد جبان تخاف أن تتكلم أو يتم وصفك بالسلبية فى أحسن الأحوال.

وهكذا فكل الطرق مسدودة وأيًا كان رأيك هتتشتم هتتشتم، ولذلك فطوق النجاة الوحيد المتاح أمامك لتتجنب كل ذلك هو أن تتحول إلى ” مش متابع والله ” يمشى على قدمين. وعاجلًا أو آجلاً سنتوصل جميعًا إلى هذه النتيجة الحتمية ليصبح اتجاهًا عامًا فى البلد، ونستيقظ ذات يوم لنجد لدينا حركة سياسية تتحول بعد ذلك إلى حزب ” مش متابع والله ” والذى سيكتسح الانتخابات ويشكل الحكومة لتصبح لدينا أول حكومة فى التاريخ تعترف صراحة بأنها ” حكومة مش متابعة والله ” بعكس كل الحكومات السابقة، والتى كانت مش متابعة وعاملة نفسها متابعة وكله تمام يا سيادة الرئيس.

ليس تنبؤًا بالمستقبل ولكنها نتيجة حتمية لكل هذا الفشل المُتوارث وتدهور الأحوال المستمر عبر عقود طويلة، فهذا الشعب الطيب المسكين الصامد والصابر أبد الدهر، أقنعوه بالاشتراكية وبشروه بالانفتاح، أغرقوه بالديون وطالبوه بربط الحزام، حارب من أجل العروبة ودافع عن الإسلام، دفع ثمن كل الحروب ولم يجنِ شيئًا فى وقت السلام، أقنعه عبد الناصر أننا دولة عظمى تملك قرارها ومصيرها بيدها، وأقنعه السادات أننا دولة صغيرة وأن 99% من أوراق اللعبة فى يد الأمريكان، وجاء مبارك ليقنعه أننا مجرد دولة تابعة لا تنشد سوى الإستقرار، حتى جاء اليوم ليجد من يحاول إقناعه بأننا مش دولة أصلا بل شبه دولة !

فهل تبَقى بعد كل ذلك ما يستحق الإهتمام والمتابعة ؟ بالعكس لقد جربنا المتابعين والفاهمين والمهتمين والمتخصصين والمتفذلكين والخبراء والعباقرة والفلاسفة ولم نجنِ سوى فشل تلو فشل والمزيد والمزيد من التدهور، فلنجرب إذن اللى ” مش متابعين والله ” والله حالنا أكيد هيكون أحسن على كافة المستويات، فلو كانت الحكومة مش متابعة والشعب مش متابع، لعاش البلد فى حالة من الهدوء والسكينة و” الأنتخة ” ولتخلص إلى الأبد من كل هذا الهرى والفتى والعداء المستحكم بين الجميع. وحينها فقط سننتظر أول رئيس ” برنس فى نفسه ” منتخب. فإذا كان الواقع أقرب إلى ” ديستوبيا ” فإن البديل ليس فى ” يوتوبيا ” أو ” جمهورية أفلاطون ” المثالية لأنها أقرب إلى الخيال، بل الحل والبديل يكمن فى ” جمهورية نفسك “.. فلتحيا جمهورية ” مش متابع والله ” !

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل