المحتوى الرئيسى

صمت إجباري

02/21 14:37

«القهوة يا سعد بيه»..!!دخل عليَّ سامح في عجلٍ، وضع أمامي كوب القهوة بسرعة ورحل..كنتُ قد ألقيت بظهري إلى آخر ما يحتمل الكرسيّ الوثير، شاخصًا بعينيَّ نحو اللاشيء، هاجرًا حاسوبي الذي يناديني لجولةٍ أخرى، تائهًا كأنني مدعوٌّ في حفل زفاف لا أعرف فيه أحدًا.قرع سامح كوب القهوة، في فظاظة اعتادها، واعتَدتُها.. وقبل أن أتمتم بمعهود كلماتي: (شكرًا يا سموح)، (تسلم إيديك يا سامح)، أدار الأخير ظهره، وأطلق ساقيه نحو الباب..تركني معلَّقَةً عينايَ بوردة في قميصه من الخلف، زاهية أكثر مما ينبغي، وكلمات كثيرة منتصبة على باب فمي، تستأذن في الخروج!غير أنها لا تخرج!أردتُ الحديث فكان صوتي مبحوحًا، لا معالمَ له!!يزورني شبح الخوف على استحياء!أجاهد لأصرخَ.. أفتعِلُ الكلام.. تخرج من فمي الأحرفُ مرتعشةً كعجوزٍ طاعنٍ، غامضةً كطلسم..أصرخ.. فينبعج الصوت أكثرَ، يشبه صرير عجلات تحكّ الإفريز.تتيبس يدايَ أمام وجهي، وينحبس الصوت تمامًا.. أدير أصبعي السبابة فأدخله إلى فمي ومنه إلى الحلق، أحاول أن أقيء الكلمات.. أن أشق لها طريقًا لتنطلق.أقف مرتعبًا أركل الكرسيَّ..أنفاسي تتسارع.. وصدري يعلو ويهبط..والصوت.. لا يخرج!تنحدر دمعة ساخنة.. أصارِع ضبابات الصمت التي تتزايد بإصرار، تتشرنق حولي.. أجري في الغرفة.. تشتبك قدماي بسلكِ الهاتف، وأتدحرجُ نحو الباب الذي تركه سامح نصفَ مفتوح..أزحف على يديَّ.. انكمشت طفلًا رضيعًا يخشى الظلام..أعوي مثل ذئب فَقَدَ عشيرته..لا أحد في المكتب المجاور.. أين ذهبوا..؟!الدمعة الساخنة شقت طريقها إلى فمي، تعارِضُ حلاوتها مرارة المشهد، نشاز في وسط عزف سيمفوني..بكاء مكتوم، وعويل غير مسموع..يا رب!!أقولُها فتستطيلُ بعضُ أحرفِها وتتشوَّه غير مفهومة..فجأةً ينزاحُ الرعب وتتبدد السحب السوداء، أشعر ببعض اطمئنان، يساعدني مقبض الباب مشكورًا على الوقوف، أنظر في المرأة بقلبٍ دخلته نسمة باردة فهدأ قيظه..أشعل سيجارتي مع كوب القهوة الذي كان ألقاه سامح..!وأتذكر أنني أبكم!!

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل