المحتوى الرئيسى

أدب الأطفال في الإمارات.. كتابة البراءة والأحلام والزهور

02/21 13:08

أدب الأطفال واحد من المجالات المعرفية التي ينبغي أن يتوافر في كتابتها وكتّابها على السواء ذائقة ومهارة خاصة للغاية، إنها الكتابة التي تخاطب البراءة والتفتح، وتدغدغ الأحلام والزهور في خيال الصغار، وتحاول أن تتقمص إلى حد كبير عيني الطفل وروحه ومثيرات خياله، حرفا وصورة، فإذا لم تتوفر هذه الذائقة كنا إزاء أعمال مبهرة أشكالها جميلة لكنها بلا روح، وربما لا تنجح في استمالة أي من الأطفال الذين تخاطبهم وتتوجه إليهم.

وإذا كان على الكاتب المبدع عموما، أن يحيا عصره، ويلاحق التطورات التي تجري حوله بوعي واستيعاب، فإن الأمر تتضاعف أهميته وضرورته بالنسبة لكاتب الأطفال الذي عليه أن يمتلك حساسيتين؛ الأولى بوعيه ككاتب في اللحظة الراهنة واستيعابه للتطورات والمتغيرات، والثانية كشخص آخر يسعى إلى تحويل هذه الخبرة وهذا الوعي إلى إبداع مناسب لطفل هذا الزمان، بلغة يفهمها ويتفاعل معها وصورة تجذبه وتحتل مكانها في ذاكرته البصرية.

الكاتب والشاعر أحمد سويلم، صاحب الرصيد الوافر من الكتابة للأطفال، قال لـ "العين"، حول التكوين الخاص لكاتب الأطفال عمومًا، إن كاتب الأطفال ليس بالضرورة هو كاتب الكبار وليس هو السياسي أو المؤرخ؛ لأنه ببساطة أمام متلق له طبيعة خاصة ومن نوع مختلف، له سيكولوجيته الفريدة التي تختلف حتما عن سيكولوجية الكبار، وله مداركه الخاصة وعالمه النوعي، التي تفرض فرضا وسائطه التي يجب أن تكون في أطر خاصة به.

ويضيف سويلم أنه لهذا يجب على من يتصدى للكتابة للأطفال أن يتسلح باعتبارات ثلاثة تؤمن طريق وصوله إلى قارئه الصغير: اعتبار سيكولوجي، أو نفسي، يتعلق بضرورة الوعي باحتياجات الطفل النفسية في مراحل عمره وبيئاته المختلفة. والثاني اعتبار ثقافي أو فكري، يؤكد فيه سعة الأفق والإدراك والثقافة المتسعة بحيث لا يترك للطفل أية فرصة للتساؤل أو الحيرة أمام أي غموض أو معلومة مجهولة. والاعتبار الثالث والأخير، اعتبار فني خاص بالوسيلة التي يقدم بها الكاتب عمله إلى الطفل، وأن يكون ممتلكا للأدوات والمهارات اللازمة لكتابة الشكل أو النوع الذي اختاره (شعرا، مسرحا، قصة).

واختتم سويلم حديثه بقوله إن التأليف للأطفال يعتمد على الإبداع الخالص، بما هو خلق جديد لا يقوم على توظيف أي مواد سابقة ولا يعيد صياغة كتابة قديمة أو نصوص سابقة.

في السنوات الأخيرة، في دول الخليج العربي، وخاصة في الإمارات، تنامى اهتمام هائل بأدب الطفل وكل ما يتعلق به، خصوصًا مع المبادرات والفعاليات التي تتبناها الدولة الإماراتية وتوليها اهتماما غير مسبوق في إطار الاهتمام بالقراءة عموما واللغة العربية. طفرة حقيقية في الكِتاب الموجه إلى الطفل، محتوى وصورة، شكلا وطباعة وإخراجا فنيا، وكرست العديد من المؤسسات ودور النشر الخاصة جهودها لأدب الطفل وكتب الأطفال.

لم يعد غائبا الجهود الكثيفة الموجهة لتنمية مواهب الأجيال الجديدة من المبدعين في مجال أدب الأطفال، أصبحت إحدى أهم الأولويات في الثقافة الخليجية والإماراتية بشكل عام، من خلال عقد الدورات التدريبية وورش العمل حول أدب الأطفال والكتابة لهم، وتنمية الذوق لأدب الأطفال والقدرة على تقييمه ونقده.

الكاتبة الإمارتية، الدكتورة نسيبة العزيبي، ثمرة ناضجة لهذه التنمية للمواهب، وواحدة من المبدعات اللائي كرسن جهودهن للكتابة للطفل، وخصوصًا القصص المصورة الموجهة للأطفال؛ من أبرز أعمالها "تكشيرة"، و"المخلوقات الفضائية تحب الملوخية"، و"عجيب يجب النوم"، وأحدثها "أمي غوريللا وأبي فيل" التي كتبتها بحساسية مدهشة وأقبل أطفال على هذا الكتاب بحب وشغف.

العزيبي استهلت حديثها لـ "العين" بالتأكيد على رصد الاهتمام الكبير بأدب الطفل في الإمارات، تقول "بالطبع هناك نشاط عارم وملموس نظرا للاهتمام الكبير الذي توليه الدولة للأطفال وعلى كل المستويات، بدءا من تخصيص المسابقات وتعزيز التنافسية في الكتابة الموجهة للطفل والجوائز التكريمية وصولا إلى إصدار قانون القراءة الذي عزز ذلك الاهتمام بشكل مدهش وغير مسبوق".

العزيبي أضافت أن دول الخليج العربي، وخاصة الإمارات، شهدت في السنوات الأخيرة "تسونامي" كتابة للأطفال، وعلقت على ما وصفته بأنه "أمر رائع، أن تجد العديد من الكتاب والكاتبات والفنانين والرسامين يحشدون جهودهم لإبداع أعمال خاصة للأطفال".

والكتابة للأطفال في الإمارات، والحديث ما زال للعزيبي، نشيطة جدا جدا إذا ما قارناها بغيرها من الدول الأخرى، فهناك دور نشر محلية تعنى بكتاب الطفل وتحرص على تقديمه بصورة مقاربة لما هو عليه في الغرب. هناك مثلا دار العالم العربي (التي أخرجت لي عددا من كتبي للأطفال)، ودار كلمات، ودار الهدهد، ودار سما، ودار الفلك.. وغيرها؛ هي دور نشر إماراتية مهتمة ومتخصصة في كتب الأطفال واليافعين. والاهتمام تجاوز الجهود الفردية إلى المؤسسات فجاءت جائزة اتصالات لأدب الأطفال وجائزة الشيخ زايد لكتاب الطفل وقوانين الدولة المشجعة على القراءة كلها تعزز قيمتها وتخلق بيئة حاضنة لأدب الطفل العربي.

أما عن احترافها الكتابة للأطفال، بجانب تخصصها العلمي والأكاديمي في مجال الصيدلة، فأوضحت أن الكتابة للنشر -أو بمعنى آخر- أن تكتب نصا للأطفال لينشر، شيء لم تدركه إلا متأخراً بعد حصولها على درجة الدكتوراه من بريطانيا وعودتها إلى في 2012.

تقول العزيبي "أظن أن نقطة التحول في الرؤية بدأ حين دعتني صديقتي الدكتورة لطيفة النجار -وكانت أيامها أستاذ اللغة العربية في جامعة الإمارات- إلى حضور آخر يوم في ورشة الكتابة للأطفال والتي كانت تقدمها في أبوظبي لمجموعة من طالبات الجامعة المهتمات والشغوفات بالكتابة للصغار. واقترحت أن أحضر للفرجة فلبيت دعوتها وذهبت وجلست واستمعت، ثم عن دون قصد مني تفاعلت مع باقي الحضور وشاركت في التمارين وتحمست كثيرًا.. ولَم يمضِ الكثير من الوقت قبل أن يومض الضوء".

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل