المحتوى الرئيسى

«حاويات اللاندين».. مبيدات تهلك الحرث والنسل

02/20 15:35

تختلف أصناف الاعتداء على النفس البشرية، فقد يكون على شكل قتل أو سرقة أو تعذيب أو اضطهاد، لكن حلقةً تنضم لما بات يسميه كثيرون "مسلسل معاناة المصريين"، يتمثَّل فيما وصفوه بـ"الإهمال الحكومي".

لسنوات مضت، تعدَّدت شكاوى الناس الذين منحهم حالهم وصف "الغلابة" بين نقص تعليم أو أدوية أو غذاء أو علاج، وصولًا في هذه المارة لما أسماها "خبراء" كارثةً، ستهلك الحرث والنسل.

الواقعة تتثمل في "اللاندين المسرطن".. إذ توجد شحنةٌ من هذه المبيدات منذ 20 سنةً إلا واحدة بميناء الأدبية، بحجم 220 طنًا.. "حاويات الموت" لم تتخلص منها الحكومة فباتت تهدِّد الجميع، أرضًا وإنسانًا.

في 1998، استوردت إحدى الشركات 15 حاوية تحتوي على مبيدات حشرية، في عهد الوزير الأسبق يوسف والي، وجاءت الشحنة عن طريق فرنسا مرورًا بميناء أغادير بالمغرب ثمَّ إلى المنطقة الحرة ببورسعيد، ولكن المستورد أرسل الحاويات إلى ميناء الأدبية بالسويس.

وبالكشف، تبيَّن أنَّها مواد مشعة مسرطنة، وعند فرز الشحنة وجدوا لافتة مكتوبة على الحاويات تقول "مصرح دخولها البلاد"، وبداخل الحاوية مكتوب على الشحنة "مواد غير مصرح لها الدخول إلى البلاد"، فتمَّ التحفظ على الشحنة، وهنا حرَّر المستورد أذون شحن، وتمَّ ترحيل خمس حاويات إلى السنغال في عام 2000، ثمَّ اختفى نهائيًّا صاحب الشحنة والشركة المستوردة.

المنطقة الحرة أبلغت النيابة بأنَّه تمَّ القبض على "ع. س"، صاحب المخازن التي تمَّ وضع الشحنة بها بمصر، وحكم عليه بالسجن، ثمَّ استأنف وحصل على براءة من القضية.

في 2010، ناشد المجلس التنفيذي لمحافظة السويس، رئيس الوزراء الأسبق الدكتور أحمد نظيف بالتدخل فورًا، فأصدر قرارًا في منتصف العام بإعدام الشحنة في منطقة "الناصرية" بمحافظة الإسكندرية بالمدفن الصحي.

وزارة البيئة تحفظت على القرار، فتحدَّثت عن تأثير خطيرة على المياه الجوفية من دفن الشحنة وطالبت بعدم إعدامها بالمدفن الصحي لخطورتها.

بعد ذلك، تمَّ التفاوض مع شركة "لافارج" الفرنسية بالمنطقة الصناعية بالعين السخنة من أجل إعدام الشحنة في أفرانها عالية الحرارة، لكنها رفضت خوفًا من تصاعد أبخرة سرطانية عقب إعدام الشحنة تؤثر على العاملين والمنطقة المحيطة بالكامل.

في مارس 2012، أرسلت هيئة الطاقة الذرية تقريرًا لإدارة الميناء عن الوضع النهائي للشحنات، التي رفعته بدورها للمجلس العسكري "الحاكم آنذاك" لاتخاذ القرار المناسب لإعدام هذه الشحنات، حيث جدَّد العاملون بالميناء خلال العام نفسه طلباتهم واستغاثاتهم للمجلس العسكري لإنقاذهم من هذه الشحنة المسرطنة والمشعة التي تشكل خطورة على حياتهم، بالإضافة إلى أنَّ الميناء يستقبل يوميًّا موادًا غذائية وسلعية، بالإضافة إلى الشحنات الحيوانية، وهو ما يعرض هذه الشحنات في أي لحظة إلى التأثر؛ نظرًا لتحلل الشحنات الملوثة داخل الميناء.

ورغم الإعلان أوائل 2013 عن المضى قدمًا فى حل الأزمة وتبني حكومة هشام قنديل هذا الأمر، ولكن على أرض الواقع لم يتم شيء.

هذه المبيدات تعود إلى عام 1998 لشركة وُصفت بـ"الوهمية" لتصديرها لإحدى الدول الإفريقية عن طريق شركة أخرى خارج مصر، وتمَّ تحويلها للقضاء، والنيابة العامة.

لجنة كشفت الأخطار.. احذروا اللاندين

في 2014، أوصت لجنةٌ شكَّلتها كلية العلوم بجامعة الإسكندرية لتقييم الآثار البيئية والاجتماعية للتخلص من "اللاندين" بميناء الأدبية بمقر هيئة موانئ البحر الأحمر بالسويس، بضرورة إزالة الحاويات خلال تسعة أشهر، وهو ما لم يحدث حتى الآن.

اللجنة كشفت - وقتها - أنَّه أثناء فحص الحاويات وتحليلها تبيَّن أنَّ مادة اللاندين الموجودة بالحاويات تؤدي إلى نشر إشعاعات بمساحة 3670 مترًا، وهو ما يضر بمنطقة "صوامع القمح" بالميناء، وهو ما يؤثر على القمح بالضرورة، بل حذَّرت العاملين وكافة الشركات العاملة والقريبة من الحاويات.

وعود الوزارة.. ضوء خافت في عتمة الخوف

مرت أعوام وأشهر وأيام، وظلَّت هذه "الحاويات" محلها، لا تزال ولا تفتح، تحمل خطر السرطان، تهدِّد صوامع القمح المتاخمة لها، وآلاف البشر الذين يعيشون في محيطها.

قبل ستة أشهر، وتحديدًا في سبتمبر من العام الماضي، حمل الدكتور خالد فهمي وزير البيئة بشرى لمن يطاردهم خطر "سرطان اللاندين"، إذ قال إنَّ الوزارة ملتزمةٌ بما وعدت به بإنهاء أزمة جميع الملوثات العضوية.

الوزير تحدَّث عن "واقعة الميناء" ضمن حديثه عن مبيدات تتواجد في مناطق أخرى، فقال إنَّ كمية المبيدات تتوزع بين ألف طن من المبيدات المحظورة والمنتهية الصلاحية في بعض المواقع، ومنها 220 طنًا مخزنة في ميناء الأدبية بالسويس، وحوالي 430 طنًا في منطقة الصف بالجيزة، و350 طنًا في عدة مناطق أخرى، كما يهدف المشروع إلى جمع ومعالجة 1000 طن من الزيوت الملوثة بمادة ثنائى فينيل متعدد الكلور "PCBs".

الوزير أوضح أنَّه تمَّ اكتشاف أنَّ الحاويات تضم مبيدات حشرية بها مادة "اللندين" المسرطنة، والمحظور دخولها إلى البلاد، لافتًا إلى أنَّه تمَّت محاكمة صاحب الشحنة والشركة المستوردة إلا أنَّهما حصلا على البراءة في 2006، واختفيا بعد ذلك.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل