المحتوى الرئيسى

"الركود" كلمة سر في أزمات بورسعيد

02/20 14:12

على مدى الأسابيع الماضية، كانت محافظة بورسعيد (شمال شرق مصر) حاضرة دائما في كل وسائل الإعلام على خلفية حكم القضاء في "مجزرة بورسعيد" وما صاحب ذلك من اشتباكات مع الشرطة ثم فرض حالة الطوارئ -التي تحداها المتظاهرون- فالدعوة إلى عصيان مدني، حتى باتت المدينة الساحلية ساحة اشتباك متقطع وتوتر مستمر.

ويعتقد من يتابعون الإعلام أن المشكلة في بورسعيد ناتجة عن تعصب كروي أو ثأر مع الشرطة أو غضب من السلطة، لكن زيارة بورسعيد ولقاء بعض أهلها تكشف أن ما تشهده المدينة ليس إلا نتيجة لسبب رئيسي يتمثل ببساطة في حالة الركود، بل الكساد الذي أصاب المحافظة المطلة على قناة السويس.

ركبت سيارة أجرة في بورسعيد وكان طبيعيا أن أسأل سائقها عن حال المدينة، فإذا بالرجل يقدم لنفسه بأنه لم يتعلم لكنه يمتلك خبرة عقود طويلة عاشها في بورسعيد، ثم يؤكد أن الجميع في مصر من سلطة ومعارضة وإعلام لا يعرف، وربما يعرف ويتجاهل، أصل المشكلة في بورسعيد وهي الشلل الذي لحق بها في الأشهر الأخيرة، مما حوّل الغالبية الساحقة من سكانها إلى عاطلين.

السيد مرسي عثمان، كان متحدثا لبقا، فاستعرض تاريخ بورسعيد في المقاومة ضد إسرائيل وما أنتجه من شعور بالفخر لدى أبنائها. وشرح أن شح الموارد في المحافظة جعل التجارة هي نشاطها الوحيد منذ أعلنتها السلطات المصرية منطقة حرة، مما جعلها قبلة للمصريين الراغبين في شراء البضائع المتنوعة من ملابس وأدوات وقطع غيار بأسعار أقل من نظيرتها في بقية المدن المصرية حتى مع إضافة الجمارك البسيطة التي يتم دفعها.

وعرج عثمان على أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك وما تعرضت له بورسعيد من ظلم أعقب ما قيل إنها كانت محاولة لاغتياله من مواطن بسيط اقترب من موكب الرئيس لتقديم شكوى مكتوبة فأطلق الحراس النار عليه وقتلوه. وأشار إلى اتجاه نظام مبارك نحو عدم تجديد قانون المنطقة الحرة وقال إنه "كان بداية إطلاق النار على بورسعيد".

قاطعت السائق المسترسل وسألته عما إذا كان يعرف أن مجلس الشورى (الذي يقوم مرحليا بدور التشريع لحين انتخاب مجلس للنواب) قرر مؤخرا استمرار المنطقة الحرة، فرد بالتأكيد أن المشكلة ليست في القوانين وإنما في الممارسة والتطبيق حيث بدأت السلطات بدعوى التسهيل على المستثمرين والقضاء على التهريب باتخاذ إجراءات تسمح لتجار الجملة بالحصول على البضائع من الميناء ونقلها مباشرة إلى خارج بورسعيد لبيعها في القاهرة والمدن الأخرى.

العم عثمان يؤكد أن هذا التعديل ضرب بورسعيد في مقتل، فالبضائع أصبحت تنقل من المنبع وبالتالي توقف عمل أهل بورسعيد من تجار للجملة أو التجزئة، وفقد الباعة والحمالون والسائقون أعمالهم، كما توقف المصريون عن زياراتهم المعتادة للشراء من بورسعيد.

ومع حرصه على الإشارة إلى أنه لم يحصل على تعليم أكاديمي لكنه يعتمد على خبرة السنين، قال السائق العجوز، إن من بين المتضررين مئات وربما آلاف من أبناء بورسعيد كانوا يقتاتون من عمليات "تهريب لكميات صغيرة من البضائع"، وعلى السلطة إذا كانت راشدة أن تتساءل عن النشاط الذي يمكن أن يقوم به هؤلاء وغيرهم إذا توقف مصدر رزقهم بشكل مفاجئ في وقت يشهد ارتفاعا مستمرا للأسعار.

المثير أن أهل بورسعيد يعتقدون، حسب ما يقول العم عثمان، أن "التهريب" ما زال قائما لكن يقوم به عدد قليل من النافذين الذين يحصدون كل ما كان يحصده آلاف البسطاء، وإذا أضفنا عدم وجود أي موارد بديلة أو وظائف شاغرة في أي مجال صناعي أو خدمي أدركنا أن الغضب هو النتيجة الطبيعية وأن التنفيس عنه في مثل الظروف الحالية لن يكون إلا عن طريق العنف.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل