المحتوى الرئيسى

رفاه العياش تكتب: أطفالنا بين أيديهم | ساسة بوست

02/20 12:01

منذ 11 دقيقة، 20 فبراير,2017

في السنوات العشر الأخيرة لمع نجم الدراما التركية إلى أن أعمانا فقد غزت البيوت والعقول، فلا تجد بيتًا إلا وترى أهله نذروا ساعاتٍ من يومهم لها، وكما عُرف عن مسلسلاتهم أنها من فئة المئة حلقة وتتألف من أجزاء لاتقل عن ثلاثة وقد تصل إلى الستة أجزاء. ومع ذلك تجدهم يتابعون بشوق دون تململٍ أو سأم فقد يُخيّل إليك أن هناك قصةً تشدُّ المشاهد والأحداث محبوكة بطريقة فريدة.

فقط حاول أن تعاين بنفسك مجريات الأحداث حلقة واحدة وإن كنت من جماعة صبر أيوب قد تأتي على نفسك وتتابع حلقة ثانية لتصل إلى قناعة تامة بسذاجة الأحداث وتفاهة القصة. المشهد يقتصر على مناظر خلابة لا يُنكر جمالها ولا جميل في ذلك سواها، أما لو تعمّقت قليلًا لوجدت أنهم أفسدوا أجيالنا

فمن المحزن أن ترى عائلةً بأكملها صغارًا وكبارًا تكاد عيونهم تخرج من وجوههم من شدة التركيز، وعائلة أخرى الأم فيها منكبّة على الواتس آب والأب على الفيسبوك وطفلة لم تبلغ السبع سنوات تتسمر أمام شاشة التلفاز تحضر إحدى المسلسلات وتدعو أمها لرؤية مشهد زفاف البطلة والأفظع أن البطلة تزوجت من البطل وابنتهم تحضر حفل زفافهما، فتسائِل أمها بغضب لمَ لم أحضر حفل  زفافكم أنتِ وأبي؟ ولمَ لم تشتروا لي فستانا أبيض كتلك الطفلة؟ وغيرها من الأسئلة المحرجة التي يقع في فخها الأهل ويتلعثمون في الإجابة.

لمَ لم نفكر جيدًا بأن الأطفال في هذا العمر كاللَّبِنة تتشكّل في أيدينا كما نشاء ويحفظون مانلقّنهم إياه، ففي هذا العمر تُبنى شخصيتهم وتترسخ القيم في نفوسهم، فكيف سنقنعهم بأن هذا اللباس  لايناسبنا وأن حبّ المرأة لرجلٍ غير زوجها من نواهينا. ولو صمت الأهل تهرُّبًا وتركوا الأطفال بدون إجابات، لاقتنع الأطفال بمايحدث أمامهم وتأكدوا أنه ليس بالمعيب.

لقد تأثرنا بهم أكثر من الحد الطبيعي تأثرنا في لباسهم، في تقاليدهم، في مأكولاتهم، في انفتاحهم. وأظن الأتراك أنفسهم لا يقدسون مسلاسلاتهم كما نفعل نحن، فعرفانًا منّا لجهدهم في سلب عقولنا استعرنا أسماءهم حتى كاد لا يخلو بيت من طفل أو طفلة سُمّي على اسم أحد أبطال تلك المسلسلات، لا أدري أهو تيمّنًا أم عرفانًا!

إلى متى سنبقى نحفل بأعمالهم التي تدمر أجيالنا على مهل؟ لمَ دومًا نحتفي بسخافاتهم نأخذ سلبياتهم ونغض البصر عن إيجابياتهم؟ فلمَ احتفينا بمسلسل حريم السلطان الذي استند إلى تاريخ مشوّه وتركنا قيامة أرطغرل الذي وثّق التاريخ بصدق؟ لمَ نشتري أفكارهم الملوّثة وأعمالهم المشوّهة؟!

زخرفوا لنا قصصهم المشوهة التي لاتنضح بعقيدة أو أخلاق ببهرجةٍ خادعة من الموضة والممثلات الجميلات والديكورات الأخاذة وراحوا يهتمون ببناء وطنهم ونحن غافلون عن دمار وطننا. كيف أغفلنا جرح حلب النازف على كتف تركيا وفي حلب تصبُّ جراح وطن بأكمله. فلا وقت لدينا سوى أن نغير صور حساباتنا بعد كل مجزرة إلى صورة تحمل عبارة #حلب_تحترق  ونعود على الفور لمعرفة مصير البطل الذي نجا من الموت بأعجوبة لا تقنع سوى عقل طفلٍ صغير.

لكأننا استودعنا جرحنا في مخيمات اللجوء ريثما نمتّع نظرنا ببعض الجمال بحجة أن نفوسنا المتعبة من أثر الحرب وتحتاج للراحة، لكن من قال أن راحتها في تلك المسلسلات؟ إني أجزم أنها تزيد المكتئب اكتئابًا وتضاعف كرهه لمنزله وحقده على مجتمعه وتمرّده على عاداته.

واليقين أن المتضرر الأكبر من كل ذلك هم الأطفال إن تركناهم بين براثن تلك المشاهد دون أن يكون الأهل معهم للرقابة على أقل تقدير. فهي ليست أفلامًا كارتونية كتلك التي كانت تُعرض في التسعينات لنأمن على أبنائنا وبناتنا في حضرتها. فاليوم لست أنت وحدك من تربي أطفالك، يشاركك في التربية التلفاز والإنترنت والأجهزة الذكية وإن لم تكن على مستوى من الوعي والمتابعة لدمرت جيلًا دون أن تعلم.

ليت الزمان توقف حين كنا صغارًا عندما كان يُسمح لنا بمشاهدة مسلسل كوميدي واحد نتابعه بوجود العائلة كلها وربما الجيران مرة واحدة في الأسبوع بعد تحقيقات مطولة حول إنهاء الدروس وشريطة أن تكون الامتحانات على بُعد أشهرٍ منا، وأفلام الكارتون التي مدتها نصف ساعة يضيع نصف الوقت في انتظار الكابتن ماجد ليسدد الكرة أو هايدي وجورجي وغيرها من البرامج التي تركت أثرًا جميلًا في نفوسنا لذلك ترانا نذكرها إلى يومنا هذا.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل