المحتوى الرئيسى

«ناتو» عربى (٢)

02/19 22:03

بدأت الدول العربية تجربة العمل المشترك عام ١٩٤٥، أى قبل تجربة الدول الأوروبية، وفى الوقت الذى أقامت فيه الدول الأوروبية أنجح تجربة عمل إقليمى مشترك، بقيت التجربة العربية على حالها، تمتلك إطاراً للعمل المشترك وهو الجامعة العربية دون مردود حقيقى، بقيت دول متصارعة متنازعة يخاصم بعضها بعضاً وتستعين بقوى خارجية فى مواجهة شريك العمل العربى المشترك مثلما حدث على أثر الغزو العراقى للكويت عام ١٩٩٠. وفى الوقت الذى بدأت تجربة العمل العربى المشترك بتعاون شامل فى كافة المجالات ومعاهدة دفاع مشترك وسوق عربية مشتركة، فإن التجربة الأوروبية بدأت متواضعة للغاية، بدأت بتعاون فى مجال الفحم والصلب وتطورت تدريجياً حتى صارت أنجح تجربة للعمل الإقليمى المشترك، وصلت إلى سوق واحدة وعملة موحدة بل وتأشيرة دخول واحدة لمعظم دول الاتحاد الأوروبى، أما التجربة العربية فقد بقيت حبراً على ورق باستثناء مؤسسة الجامعة العربية وبعض المنظمات التابعة لها، التى أصبحت مؤسسات بيروقراطية تعمل من أجل الحفاظ على البقاء أكثر من هدف آخر.

فى المقابل، ورغم التطور الهائل الذى حققته تجربة العمل الأوروبى المشترك، والذى جعل باقى دول القارة تتسابق لدخول الاتحاد والالتحاق بعضويته، فإن الدول الأوروبية أرست مبدأ هاماً للغاية فى تفاعلاتها، هو تسوية الخلافات التى يمكن أن تنشب بينها بجميع الوسائل فيما عدا القوة المسلحة، فقد اختبرت هذه الدول اللجوء إلى القوة فى القرن العشرين فدخلت فى حربين عالميتين أسفرتا عن مقتل قرابة الستين مليون إنسان، وإصابة عشرات الملايين وحالة دمار شامل في الدول المهزومة والمنتصرة على حد سواء. فى البداية، اعتمدت الدول الأوروبية الغربية على مظلة الحماية الأمريكية التى تمثلت فى حلف شمالى الأطلنطى «الناتو»، وركزت هى فى عمليات إعادة الإعمار والتطوير، وبعد أن حققت ما تريد من تنمية شاملة بدأت تبحث عن مظلة عسكرية أوروبية، وهنا اعتمدت على بنية عسكرية أوروبية قديمة هى اتحاد غرب أوروبا، وبدأت فى تطويره بشكل مشترك دون أن تتحدث عن نيتها فى إنشاء حلف عسكرى أوروبى، فقط أطلقوا على هذه العملية «بنية أمنية مشتركة»، وعملوا على وضع أساس الحلف قبل إطلاق المسمى، فقد بدأت الدول الأوروبية فى تنسيق عمليات امتلاك السلاح على النحو الذى يجعل أسلحة الدول الأعضاء متكاملة بحيث إذا تم إعلان الحلف فى أى وقت، فإن القوات المسلحة لكل الدول الأعضاء تتحول إلى جيش واحد عصرى متناسق، فقد تم التنسيق بين الدول الأعضاء بحيث تركز كل دولة على سلاح معين، هناك من ركز على إنتاج الدبابات، وهناك من تخصص فى الصواريخ، وهكذا تولت كل دولة تحقيق ميزة نسبية فى سلاح معين، لا تركز عليه الدول الأخرى، وتتسم الأسلحة بالتكامل، بحيث يمكن أن تندمج فى أى وقت فتشكل جيشاً واحداً موحداً.

أهم أخبار توك شو

Comments

عاجل