المحتوى الرئيسى

عمر عبد الرحمن.. حتى لا تخوننا ذاكرة المحنة

02/19 17:25

بوفاة الشيخ عمر عبد الرحمن، مفتي الجماعة الإسلامية، في سبعينيات القرن الماضي، لا تبدو أن سيرته سوف تنقطع أو تفقد صلاحيتها، لكن الرجل الذي بزغ نجمه في الستينيات، يهاجم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ويصفه بـ"الطاغوت"، ولا يتوانى عن معاداة أفكاره وسياساته المؤيدة "للقومية العربية" والمنحازة لـ"الاشتراكية". فقد كانت بمثابة حكم الطاغوت وعودة إلى زمن "الجاهلية"، الذي يسوده الشرك من خلال الحكم "بغير ما أنزل الله"، وتعطيل أحكامه والتعدي على سلطته في التشريع، واستبدال الحكم بالقوانين المدنية والدساتير والأحكام القضائية بالشريعة الإسلامية، وهو ما كان يعتبرها "أوثانًا" تفضي إلى الشرك ووضع سلطة البشر فوق إرادة "الله".

وسيظل الشيخ الضرير سيرة شعبوية تستأنف رحلتها في عقول الإسلاميين، وأجيال لاحقة، تبدو أمامها أفكاره ومقولاته ملهمة لها، وسوف تؤلف الروايات المستعادة عنه كل عناصر المأساة وتحشد رأسمالها الرمزي وتعميق الشعور بالمظلومية حول الرجل "الكفيف" و"المجاهد"، ضد طواغيت الأرض بسلاح الإيمان والصبر على المحن. فقد هاجم رؤساء مصر من ناصر إلى مبارك، وأفتى بعدم جواز الصلاة على الأول، كما أجاز اغتيال السادات.  

يعد صاحب "كلمة حق" امتدادًا لأفكار سيد قطب، ومثلما كان إعدام قطب بداية قصة أخرى وليس نهاية للإسلام المتشدد دون أن ينجح ذلك في اجتثاث الفكرة، فقد كانت أفكار قطب تجد طريقها إلى الانتشار، بحيث أصبحت هي الأساس الفكري الأهم لحركة الإسلام الجهادي التي طفت على سطح المجتمع، ولعبت دورا كبيرا في حياته في سنوات السبعينيات وما بعدها.

والذي كان كتابه "معالم في الطريق"، المرجعية لكل التيارات الجهادية والحركية التي وجدت في العنف تجاه الدولة وفتاوى التكفير، سواء للحاكم والمحكومين أساسًا لها وغطاءً شرعيًّا يبرر عملياتها.

فكانت أفكار "العزلة الشعورية" و"العصبة المؤمنة" التي راجت في مواجهة المد القومي والأفكار الليبرالية واليسارية تشكل حاضنة قوية للاغتراب عن المجتمع، وتبرز مجموعات تتصف بالتعالي بالإيمان عن الآخرين وترفع من حمى الصراع والخصومة بينهما عبر خيط مشدود أحد أطرافه العنف والآخر التكفير.

فهذه النظرية التي بررت القطيعة مع المجتمع وشكلت له إطارًا دينيًّا ومجتمعيًّا، والذي كان يعده مجتمعًا جاهليًّا، هي ما ظلت تتنامى فيها أفكار عمر عبد الرحمن داخل الجماعة الإسلامية ومجموعة التوقف والتبين اللاحقة عليها في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، ولم تستثن منها المساجد التابعة للدولة، التي كانوا يعتبرونها "مساجد ضرار" لا يجوز الصلاة فيها وينبغي هجرها.

وقد استطاعت هذه الأفكار التي تبناها وتحرى تطويرها عمر عبد الرحمن إيجاد قوام متماسك لها يعيد إحياءها، حيث إن هذه الأفكار وتحققها في المجتمع لا يجري إلا من خلال حاكمية الله وعبودية الإنسان، كما أقرت الجماعة الإسلامية، وتطبيق فوري للشريعة الإسلامية.

 وهو ما يعني تحكيم شريعة الله في المجتمع، بحيث لا تخرج الأوامر والنواهي والتكاليف والتوجيهات عن شريعة الله كما نزلت في القرآن.

وكتب قطب في ذلك: "ينبغي أن يكون مفهومًا لأصحاب الدعوة الإسلامية أنهم حين يدعون الناس لإعادة إنشاء هذا الدين، يجب أن يدعوهم أولا إلى اعتناق العقيدة - حتى لو كانوا يدعون أنفسهم مسلمين، وتشهد لهم شهادات الميلاد بأنهم مسلمون- يجب أن يعلموهم أن الإسلام هو (أولا) إقرار عقيدة (لا إله إلا الله) بعدلها الحقيقي، وهو رد الحاكمية لله في أمرهم كله، وطرد المعتدين على سلطان الله بادعاء هذا الحق لأنفسهم، إقرارها في ضمائرهم وشعائرهم، وإقرارها في أوضاعهم وواقعهم".

على خلفية التعذيب الذي مورس ضد الإخوان في عهد عبد الناصر، كان العنف المضاد تجاهه يقدم نفسه كاستراتيجية جديدة في المواجهة وعمد إلى تطبيقها العديد من رموز التيار الإسلامي، ممن استثمروا تلك المشاعر الغاضبة في إطار فقهي إيماني محكم وحررتهم من قيود النظرة العملية النفعية.

وهكذا تلاقحت الأفكار في منتصف الستينيات مع جسد تنظيمي جديد يحاول أن يجد لنفسه طريقًا في مواجهة البطش الناصري، وجذوره التي نمت في تأسيس ما عرف باسم الجماعة الإسلامية، والتي انضم لها عبد الرحمن وهو لا يزال طالبًا، حيث بدأ في نشر أنشطة الجماعة، داخل الحرم الجامعي، ومع توسع أنشطته تم إيقافه عن العمل في الكلية عام 1969، وفي أواخر تلك السنة رفعت عنه العقوبة بوقفه عن العمل كأستاذ لأصول الدين بجامعة الأزهر، وتم نقله من الجامعة من معيد بها إلى إدارة الأزهر دون عمل.

وقد جرى اعتقاله في 13 أكتوبر 1970 بعد وفاة جمال عبد الناصر، بعد الإفراج عنه، واستمر في نشاطاته، حيث تمكن من الحصول على الـ"دكتوراه"، وكان موضوعها؛ "موقف القرآن من خصومه كما تصوره سورة التوبة"، وحصل على "رسالة العالمية" بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، حتى تم منعه من التعيين.

واصل عبد الرحمن نشاطه الدعوي متنقلاً بين المحافظات مشاركًا في المؤتمرات والندوات، وعارض فكرة الجماعة حيث قام بتحفيز الشباب للجهاد والخروج على نظام الحكم؛ مما أدى إلى اعتقاله العديد من المرات وتحديد إقامته بمنزله بالفيوم، بعد أن اتهم بتحريض المصلين على التجمهر بعد صلاة الجمعة، لكن محكمة أمن الدولة برأته أيضًا مما نسب إليه وحفظت القضية، وفي النهاية، استطاع السفر إلى أمريكا ليقيم في ولاية نيوجيرسي وسط عدد من مريديه.

وكان قد سبق له الفتوى بقتل المفكر المصري فرج فودة ، وضرب حركة السياحة في مصر والاعتداء على الملاهي ومحال الخمور والدهب وأملاك المسيحيين، وتفجير مركز التجارة العالمي، الذي حكم عليه بالسجن في أمريكا بسببه.

كما كان للجماعة إرث سياسي برز فيه العديد من المواقف، منها معاداة معاهدة كامب ديفيد وزيارة الشاه وبعض وزراء الكيان الصهيوني لمصر، وكان نشاطها المركزي داخل الجامعة ووسط الحركة الطلابية في السبعينيات، قد أدى إلى تدخل الحكومة في سياسات الاتحادات الطلابية، فأصدرت لائحة جديدة لاتحادات الطلاب تعرف بلائحة 1979م التي قيدت الحركة الطلابية.

وازداد الضغط الإعلامي والأمني على قيادات الجماعة واشتدت مطاردتهم في جامعات الصعيد بوجه خاص، فتم اعتقال بعض قياداتهم وفصلهم من الجامعة.

في عام 1979م التقى عمر عبد الرحمن بكرم زهدي، عضو مجلس شورى الجماعة، والمهندس محمد عبد السلام فرج صاحب كتاب "الفريضة الغائبة" الذي عرض على كرم زهدي فكر الجهاد، وأن الحاكم قد كفر، فوجب الخروج عليه وخلعه وتغيير النظام، وكان المقصود في حينها الرئيس السادات، ثم عرض عليه اشتراكهم مع التنظيم للتخطيط لإقامة الدولة الإسلامية.

عرض كرم زهدي الفكرة على مجلس شورى الجماعة ، فوافق المجلس على أن يكون هناك مجلس شورى عام ومجلس شورى القاهرة، ويتولى إمارة الجماعة أحد العلماء العاملين الذين لهم مواقفهم الصلبة.

وقد تم اختيار عمر عبد الرحمن أميرًا للجماعة، كما تم إقرار تشكيل الجناح العسكري وجهاز الدعوة والبحث العلمي والتجنيد وتطبيق القوانين الإسلامية وكذلك جهاز الدعم اللازم للحركة في مجالاته المتعددة، ومن هذه اللحظة انفصلت الجماعة عن توجهات التيار السلفي في الدعوة بشكل عام تحت مسمى الجماعة الإسلامية.

وجدت الجماعة الإسلامية بقيادة عمر عبد الرحمن في الجهاد الأفغاني ضد الروس فرصة مهمة لتدريب كوادرها وتقوية امتداداتها وتنظيمها، فكان لها حضور قوي وبارز في بيشاور وكل المعسكرات العربية في أفغانستان، وبرز حضور عمر عبد الرحمن ورفاعي طه ومصطفى حمزة وسط المجاهدين في معركة "الإسلام"، كما اعتبروها ضد السوفييت "الملحدين" بالتعاون مع الولايات المتحدة "أهل الكتاب" كما كانوا يصفونهم.

وبعد أن انتهت الحرب وسقط النظام الشيوعي في كابل وبداية العواصف الأمنية التي قامت بتصفية المجاهدين العرب بالتعاون بين المخابرات الباكستانية وأمريكا، هربت قيادات الجماعة الإسلامية إلى السودان بدعوة من عمر البشير ودعم جماعة حسن الترابي، بينما ظل عمر عبد الرحمن أميرًا رمزيًّا للجماعة على الرغم من عدم جواز ولاية الضرير وشروطها التي تلتزم بسلامة الجسد والصحة الجيدة.

في عام 1980 أعير إلى كلية البنات بالرياض حتى سنة 1980، ثم عاد إلى مصر، في سبتمبر 1981 تم اعتقاله ضمن قرارات التحفظ، فتمكن من الهرب، حتى تم القبض عليه في أكتوبر 1981، وتمت محاكمته في قضية اغتيال السادات أمام المحكمة العسكرية ومحكمة أمن الدولة العليا، وحصل على البراءة في القضيتين وخرج من المعتقل في 2 أكتوبر 1984.

دخل أمير الجماعة الإسلامية الولايات المتحدة في يوليو عام 1990 متنقلا بين عدة دول، منها المملكة العربية السعودية، وبيشاور، ليقيم في ولاية نيوجيرسي.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل