المحتوى الرئيسى

وجوه صباحية

02/19 10:31

تظن أن نغمة منبه الصباح هي أزعج ما يكون، تنهض متكاسلاً متذمراً؛ لأن ليلتك انقضت سريعاً ولم تنَم القدر الكافي، تبدّل ملابسك على عَجَل، وترتشف قهوتك "إن استطعت" دون أن تستمتع بلحظة، تنزل إلى الشارع لترى كل مَن أمامك عابساً، متذمراً بل ومنهم من يتشاجر مع قطة مرت أمامه، ومع كل ذلك سترى أن كلاً منا يبحث عن سائق تكسي مبتسم يستمع فيروزيات صباحية.

نبحث عن شخص يقف لنا بكل صدر رحب لنقطع الشارع بسلام، عن مدير العمل المثالي الذي يستقبلنا بابتسامة وترحيب حار ليعطينا أملاً لنهارنا بأكمله، عن زملاء يتبادلون النكات، ويتغاضون عن أخطائنا، ويساعدوننا بكل ما أردنا، ألا تظن أن ذلك تناقض عظيم؟ ألم تلاحظ أننا مبالغون جداً بطلباتنا؟

نزرع في أنفسنا يأساً لا متناهياً ونبحث عمن يقلعه ويستبدله بأمل، ألم تفكر يوماً بأن الذي تبحث عنه من الممكن أن يكون هو أنت؟ أنت ولا أحد سواك، أنت قادر على أن تجعل من نفسك أملاً وتفاؤلاً كل صباح، قادر على أن تجعل من نفسك شخصاً يبحث عنه الجميع؛ ليبدأ به يومه، قادراً على أن تكون شخصاً يزرع أملاً ويرسم فرحاً أينما حل.

أعلم أن ظروف بلادنا ليست بالمثالية، ولكن ألا يكفي أن ديننا أمرنا بالتفاؤل، بالإحسان، بالعون، ألا يكفي أن تشعر بعظمة قول "من كان في عون أخيه كان الله في عونه"؟!

"العون" الكلمة التي تحمل كل ما وما لا يخطر ببالك، أتظن أن العون فقط بأن تمسك يد أحدهم ليعبر الشارع؟! أو أن تحمل ما يثقل كاهل عجوز؟!

لا شك أن هذا عمل عظيم، لكن نحن لسنا بكثيري الطلب، فقط نطلب منك الابتسامة، الابتسامة يا صديقي تصنع الكثير.. أن تبتسم لطفل رغم فارق السن بينكما ستجده يفعل كل ما بوسعه أمامك ويظهر الأمثل والأفضل، أن تبتسم لشيخ أذهب الدهر معالم وجهه، ستجده يدعو لك من أعماق قلبه، أنت إن ابتسمت لمن أمامك، فهذا يعني أن يبتسم لك تلقائياً، ألا يكفي هذا ليجعلك تشعر بالفخر، مهما كبرنا ومهما تظاهرنا بأن الدهر أكل على قلوبنا وشرب، إلا أن الواحد منا لا يزال طفلاً بداخله، تسعده كلمة وتحزنه أخرى.

أتظن أن ابتسامة سببها "أنت" قليلة؟ أتظن أن القصة انتهت هنا؟

لا يا صديقي، ألم تسمع من قبل عن أثر الفراشة؟ إن ابتسمت بوجه أحدهم صباحاً فاعلم أنها ستعود لك مساء.

أتدري يا صديقي، أكتب وفي ذهني الكثير من العتاب لنفسي، أحاول يومياً أن أطبق كل ما ذكرته في الأعلى، لكن دائماً هناك من يجعلني أتراجع عن فكرتي، وسأروي لكم موقفاً حصل معي نتيجة لابتسامتي المفرطة، بل والمرضية، كما يشخصونني

في أحد الأيام، التقيت في أحد المحلات بفتاة تبدو بالعشرينات من عمرها، تحمل طفلاً صغيراً لا يقل جمالاً عن حاملته، ولا شعورياً إذ أرى نفسي أبتسم لها ابتسامة واسعة جداً، ولكن أتدري ما قابلتني به؟!

خاطبتني بعصبية: ما لك؟ ليش بتطلعي في هيك؟

كل مَن هناك رمقني بنظرة استهجان، ظنوا بأنني أحاول السرقة، وقد تمنيت حينها أن أختفي، أن تنشق الأرض وتبتلعني، أهذا جزائي؛ لأنني أردت أن أطبق " تبسمك بوجه أخيك صدقة"، خرجت مكسورة القلب ولديّ رغبة شديدة في البكاء، ولا أنكر أنها عكرت لي مزاج مساء بأكمله، ولكن لو بنيت كل ما بعد على هذا الموقف لما ابتسمت أبداً، بل على العكس تماماً أقنعت نفسي فيما بعد بأنها قد تعرضت لموقف سابقاً جعلها تشك ولا تطمئن لأي ابتسامة كانت، أحاول جاهدة ألا أدع أحدهم يلغي ابتسامتي، حتى وان كنت مفرطة بها، إلا أنني أراها جزءاً منِّي لا أستغني عنه.

وهكذا أعرفك أنت، أجل أنت يا من تقرأ، أعرفك وأعرف أنك ستبتسم مجرد قولي لك هذا، ابتسم دوما لترى أثر ابتسامتك، ابتسم لأنك بالابتسامة أجمل، ابتسم لأن هناك من ينتظر ابتسامتك، ابتسم لأنني أريد أن أجمع عدداً كبيراً من الوجوه الصباحية.. ابتسم وكن صباحياً.

قليلون هم من لديهم القدرة على أن يكونوا وجهاً صباحياً بامتياز (وأؤكد "صباحياً"؛ لأن الصباح يقرر مصير ما بعده)، أن تكون مبتسماً صباحاً بوجود الكثير من العابسين، أن تكون ضحوك الوجه وتلقي التحية بمرح، فهذا بحد ذاته قدرة عجيبة وطاقة تحسد عليها، طالما كنت أبحث عن صديقتي كل صباح لأستعير بعضاً من مرحها وابتسامتها، لطالما كنت ألقبها بـ "my serotonin"، لطالما كانت الأمرح والأقدر على خلق صباحات جميلة، من يراها يظنها ما زالت بسنتها الأولى جامعياً، ولكنها على الرغم من أنها أُماً لطفل وتجاوزت السنة الرابعة، فإنها تملك مرحاً وطاقة لا يمتلكها أحد، مسؤولياتها كبيرة وكبيرة جداً أيضاً، لكن مع ذلك فإنها لا تخلط ما بين ذلك وذاك، تعلم جيداً أن التذمر والشكوى لا يجلبان إلا تعاسة أبدية.

لست هنا لأروج لشخصية صديقة لي، ولكنها مثال يحتذى به إذا قررت أن تكون وجهاً صباحياً.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل