المحتوى الرئيسى

سحره"البولينج" ورفض "الكافيار".. حكايات بين "هيكل" و "ناصر"!

02/19 04:31

فلسطين مكان لقاء هيكل وناصر الأول

عبدالناصر كان يقبل هدايا رابطات العنق فقط

الأوراق تتناثر بغرفة نوم “ناصر”..والأفلام متعته الوحيدة

كان الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل الذي تحل هذه الأيام ذكرى رحيله الأولى أقرب المقربين من الرئيس جمال عبد الناصر، وهي علاقة أغرت الكثير بمحاولة سبر أغوارها، وكان نصيب الأسد من كشف هذه الأسرار على يد الكاتب العربي فؤاد مطر الذى أجرى حوارات مع هيكل، كيف بدأت علاقته بعبد الناصر، وكيف تطورت؟.

وبعد رحيل عبـد النــاصر جلس مع هيكل 20 ساعة وسجل معه إجاباته عـن كل الأسئلــة عـن عبد الناصر والثورة وأحداثها.

“محيط” يتوقف عند أبرز ما جاء فيها، كما كتب عنها وذكرها الصحفي رجب البنا.

فى رأى فؤاد مطر أن هيكل هو الشاهد الوحيد القوى الذاكرة للتجربة الناصرية، وأن محمد حسنين هيكل كبير الطهاة فى مطبخ السياسة المصرية فى عصر عبد الناصر، لذلك سجل حواراته مع هيكل فى جلسات فى سبتمبر و أكتوبر 1974.

يقول هيكل إنه رأى جمال عبد الناصر للمرة الأولى فى صيف 1948 خلال حرب فلسطين، ويومها لم يكن هناك صحفيون مع الجيش المصرى الذى ذهب إلى فلسطين لأن وزير الحربية فى ذلك الوقت الفريق محمد حيدر باشا قرر ألا يرافق الصحفيون القوات المصرية الذاهبة إلى الحرب، ويكتفوا بالحصول وهم فى القاهرة على البيانات التى تصدرها القيادة من إدارة الشئون المعنوية فى الجيش.. لكن هيكل انتقل إلى عمان الطائرة وركب سيارة من عمان إلى القدس، ومن القدس إلى بيت لحم ومنها إلى الخليل مع القوات التى كان يقودها البطل أحمد عبدالعزيز وكانت قوات شبه نظامية، وعرف أن الكتيبة السادسة التابعة للقوات المصرية انتصرت بفضل قائدها الذى تمكن من صد هجوم يهودى مباشر كان يستهدف السيطرة على (عراق المنشية) و(عراق سويدان) وقال له الضباط والجنود الذين كانوا فى غاية السعادة إن الذى قاد العملية هو الصاغ جمـــال عبــــد النــاصـــر أركــان حرب الكتيبة السادسة..

وذهب هيكل ليرى هذا القائد، فوجد أمامه شاباً طويل القامة، افترش بطانية، وآثار التعب بادية على وجهه، وكان يستعد للنوم.. واستمرت جلستهما ثلث ساعة ولم يخرج هيكل بنتيجة تفيده كصحفى، لأن (الصاغ) رفض أن يتحدث، ليس لأنه كان مرهقاً ولم ينم منذ خمسة أيام، ولكن لأنه كان غاضباً مما تنشره الصحافة المصرية وطريقة معالجتها لحرب فلسطين.

وهكذا بدأت قصة هيكل وعبد الناصر .. كان اللقاء الأول على أرض فلسطين، وامتد بصورة غير منتظمة، إلى ليلة 23 يوليو 1952.

يقول هيكل: منذ اليوم الأول وجدت نفسى وسط القيادة، أشرح كيف أن الإنجليز لن يتدخلوا ، وأعطى رقم تليفون القيادة لمصطفى أمين، وأسمع كل الأحاديث من كل المشاركين فى الثورة..

والمهم أن نلاحظ أن عبد الناصر هو الذى اختار هيكل منذ البداية وراهن عليه، إلى حد أن جعله المدنى الوحيد الذى كان حاضراً فى القيادة فى أحرج الأوقات لحظة تقرير مصير الثورة، ونلاحظ أيضاً أن عبد الناصر بدأ فى تكليف هيكل بمهام لخدمة الثورة فى هذه الليلة الطويلة التى كانت لحظة فاصلة فى التاريخ، وأيضاً لحظة فاصلة فى حياة ومستقبل مصر والثورة وعبد الناصر وهيكل..

يقول هيكل: ذات يوم تلقى جمال عبد الناصر من أحد الحكام العرب حقيبة كبيرة ملأى بالمجوهرات، وبدون ضجة ودون أن يشعر أحد بذلك أعاد الحقيبة إلى الحاكم العربى، وكانت الهدايا التى يتقبلها هى أربطة العنق، ويقول هيكل إنه وغيره كانوا يأخذون من هذه الأربطة، وكذلك كان يتقبل صناديق السيجار التى يرسلها إليه كاسترو وكانت من نصيب هيكل كذلك كان يتقبل الهدايا من التفاح والبشملة التى تأتيه من لبنان، وهذا كل شىء!.

ويتابع هيكل: أن عبد الناصر بقدر ما كان مؤمناً كان متفتحاً، فلم يكن متزمتاً فى مسائل الدين،ولا متاجراً بها، وكان مسجد الإمام الحسين والجامع الأزهر من المساجد المحببة إلى قلبه.

يقول هيكل، أن عبد الناصر أنشأ فى الرئاسة مكتبة كبيرة تضم مئات الكتب، وكان هناك جهاز خاص يشرف عليه أستاذ من الجامعة مهمته تلخيص الكتب، وأحياناً كان يفضل قراءة بعض الكتب كاملة بعد أن يطلع على الملخص الذى أعدوه له، وفى فترة الصباح كان يقرأ الصحف المصرية قبل أو بعد الاطلاع على أوراق الدولة وإعطاء التعليمات، وبعد الظهر تكون قد وصلت الصحف اللبنانية والأجنبية فيقرأها بعناية، ومن حين لآخر كان يعقد جلسات يحضرها البعض، وكان يسميها (جلسة الفلسفات)، ولا أعتقد أنه كان يتناول العقاقير والحبوب المنومة والمهدئة قبل 1967، ولم يكن فى حاجة إلى حبة مهدئة قبل أن يلقى خطابا أو يتخذ قراراً تاريخياً.. وباستمرار كان يتوجه لإلقاء الخطاب وهو متحفز.

أما مسألة الأكل عنده فكان دائماً يفضل الجبنة المصرية البيضاء والخيار والجرجير والطماطم، وعندما يبالغ فى الأكل فإنه يأكل الأرز والخضر، وكنا نضيق بذلك عندما نرافقه فى الرحلات والزيارات الرسمية، وفى إحدى الزيارات إلى الاتحاد السوفيتى كانت على مائدة العشاء الذى أقامته القيادة السوفيتية أنواع من الأطعمة الفاخرة والكافيار، ولاحظت أن عبد الناصر كان يأكل بشكل رمزى، وبعد أن عدنا إلى بيت الضيافة دخل عليه أحد المرافقين وبيده صينية وضعت عليها أطباق الجبنة والخيار والطماطم التى كان يصحبها فى الطائرة معه من القاهرة، وتعشى عبد الناصر فى غرفته ونام.

عندما توقف عن التدخين أعتبر أنه حرم من (الشقاوة) والمتعة الوحيدة.. لأنه كان قبل ذلك يدخن أربعين سيجارة يومياً.. ولم يدخن غير السجاير..

وكان عبد الناصر يشاهد أحياناً ثلاثة أفلام سينمائية فى الليلة الواحدة، واهتم فترة بالأفلام الأمريكية، ثم استهوته الأفلام الإيطالية والأفلام الهندية.

يروي هيكل، أن عبد الناصر حين كان يخرج وسط الجماهير كان يعود وبدلته مقطعة.. أى مواطن كان يجد فرصة لرؤيته من قريب يندفع نحوه فى حالة هيسترية ولا يهمه ما الذى يجرى.. يقبّله.. ويتعلق به.. ويشده من وسطه إلى درجة أن عبد الناصر يشعر أن وسطه انكسر... وكثيراً جداً ما شاهدته فى حالة صعبة بعد لقاء جماهيرى حاشد..

ويرى هيكل أن عبد الناصر لم يشعر بأية لذة فى حياته.. لم يشعر بلذة النوم، أو بلذة الأكل، أو بلذة السفر.. ولا حتى بلذة مشاهدة أولاده.. لأنه كان يعمل طول الوقت.. ومتعته الوحيدة أن يشاهد فى منزله ثلاثة أفلام سينمائية..

ويوم نصحوه بممارسة الرياضة وجاءوا له بلعبة (البولينج) وضعت فى منزله كان سعيدا بأنه اكتشف شيئا جديدا.. تصور.. اكتشف لعبة (البولينج)!

كان عبد الناصر – كما يروي هيكل - كان يدرك أنه ملاحق طول عمره، ولم يفكر أبدا بأن يكون ذات يوم لاجئا سياسيا. يقول هيكل: إن عبد الناصر فى ذروة العدوان الثلاثى وعمليات إنزال الجنود الفرنسيين فى بورسعيد قال له: سننزل تحت الأرض ونؤلف مقاومة سرية إذا اقتضى الأمر.. هل أنت مستعد للمشاركة فى هذه المقاومة والنزول معنا؟

يواصل: غرفة نوم عبد الناصر أقل بكثير من غرفة نوم أى منا، وعندما بطنوا له سريره بالجلد اعتبر أن ذلك نوع من الترف، لأن غرفة نومه لم يكن فيها غير سرير وكنبتين وأوراق.. وكانت ملأى بالأوراق والدوسيهات.. وكان سعيدا بأن عنده عشرين زجاجة كولونيا جاءته كهدايا..

كنت قريبا من عبد الناصر- يتابع هيكل -.. وكانت بيننا صداقة وثقة.. وكانت العلاقة من نوع متميز بين شخص يقود وشخص إلى جانبه يتكلم أو يفكر، وقد حرصت أن أبتعد عن المناصب والأوضاع الرسمية، وكنت دائما متمسكا بالصحافة والكتابة وأفضلها عن أى منصب رسمى، وقد ذكرت ذلك لعبد الناصر مرات عدة.. قلت له أفضّل الاحتفاظ بصفة الصديق الذى يتحدث إليك باستمرار بدون وساوس أو إحراج.. وكانت العلاقة بيننا قبل الثورة وحتى 28 سبتمبر 1970 علاقة حوار مستمر.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل