المحتوى الرئيسى

ما الذى أعاد الأجانب لسوق الديون الحكومية؟

02/19 09:29

يحمل المصرفيون بشرى للمصريين هذه الأيام عن دخول الأجانب بقوة فى سوق الديون الحكومية، بعد عزوفهم عنه خلال السنوات الماضية، فما الذى جذب الأجانب مجددا لهذا السوق وهل تستفيد العملة المحلية من ذلك؟

● ما هى أوراق الدين الحكومية وكيف يتم الاستثمار فيها؟

تحتاج الحكومة المصرية، مثل باقى حكومات العالم، للاستدانة لتغطية النفقات العامة التى لا تتوافر موارد كافية لها، أو ما يطلق عليه الإنفاق على عجز الموازنة.

وبينما تستطيع الدولة أن تدبر هذه الموارد من خلال اتفاقيات إقراض مع دول صديقة أو مع مؤسسات مالية دولية، مثل صندوق النقد، تلجيء أيضا إلى سوق الديون العالمى حيث تعلن عن احتياجاتها المالية وتتقدم المؤسسات المالية الخاصة لتمويلها فى مقابل عائد متفق عليه.

وبعد أن تختار الدولة المستثمر الذى سيمول دينها تمنحه ورقة مالية هى بمثابة عقد للاتفاق المبرم بينهما، وتختلف مسميات تلك الأوراق حسب آجال الديون التى توثقها، حيث يطلق على أوراق الدين قصير الأجل أذون خزانة والدين طويل الأجل سندات.

ويمكن أن تبيع الدولة أوراق ديونها لمستثمر محلى، مثل البنك الأهلى أو التجارى الدولى، أو لمستثمر أجنبى، وقد تكون ديون الدولة مقومة بالعملة المحلية أو بالدولار، كما تتنوع الأسواق التى تطرح فيها الدولة تلك الديون بين السوق المحلى والأسواق الأجنبية.

ويعتبر الطرح ناجحا إذا عرض المستثمرون مبالغ لشراءه تفوق قيمة المبلغ الذى تسعى الدولة لجمعه بدرجة كبيرة، وبعائد مناسب للفائدة التى تقدر الدولة على سدادها.

ماذا جرى لسوق الديون المصرية بعد ثورة يناير؟

حتى عام 2010 كان الأجانب يستحوذون على نحو %20 من الأرصدة القائمة من أذون الخزانة، ثم بدأو فى التخارج بقوة وسط المخاطر السياسية التى أعقبت ثورة يناير، حيث يعد الاستثمار فى أوراق الدين قصير الأجل من أكثر الاستثمارات حساسية للمخاطر والتى يسهل التخارج منها فى أوقات الأزمات، لذا يطلقون عليها « الاستثمارات الساخنة ».

ولم تقتصر المخاطر المصرية بعد الثورة على الاضطراب السياسى، ولكن التراجع المستمر فى احتياطات النقد الأجنبى، التى كانت عند مستوى 36 مليار دولار قبل 2011، كان يقلق المستثمرين بشأن مستقبل قيمة العملة المحلية، الأمر الذى كان يدفعهم للعزوف عن شراء أصول مقومة بالجنيه خوفا من أن تنخفض قيمتها مع تراجعه أمام الدولار بسبب نزيف الاحتياطى.

تلك العوامل وصلت باستثمارات الأجانب فى سوق أذون الخزانة المحلية إلى مستوى متدنى للغاية عند أقل من %1، وهو ما دفع الحكومة للاعتماد بشكل أكبر على البنوك المصرية، وبحسب بنك الاستثمار بلتون فقد تضاعفت تقريبا نسبة أصول البنوك المستثمرة فى أوراق مالية حكومية خلال 2010-2014 لتقترب من %50.

● لماذا تهتم الحكومة بالأجانب، وكيف سعت لاجتذابهم؟

التزايد فى الاعتماد على تغطية الديون الحكومية من القطاع المصرفى المحلى كان يرفع من مخاطر البنوك المصرية، لأنها تستثمر بكثافة فى أوراق مالية لحكومة تعانى من عجز مرتفع وتصاعد فى حجم الدين المحلى وصل إلى حوالى %100 من الناتج الإجمالى فى 2015-2016.

حاولت الحكومة أكثر من مرة خلال السنوات الماضية استعادة الأجانب لسوق الدين المصرى، ومن تلك المحاولات كان السعى للعودة لطرح السندات المصرية فى الأسواق الأجنبية.

وكانت مصر بدأت منذ عام 2010 فى إصدار سندات دولارية لأسواق أجنبية، يوروبوندز، وعادت لهذا السوق فى عام 2015 وقت أن كان الاحتياطى النقدى يغطى نحو أربعة أشهر من الواردات المصرية مقابل حوالى 6 أشهر فى 2011 ، ونجح الطرح الذى تم خلال صيف هذا العام فى بيع أوراق مالية بقيمة 1.5 مليار دولار.

ولكن حماية المركزى لقيمة العملة المحلية استمرت حائلا دون عودة الأجانب للسوق المحلى لأذون الخزانة، لذا تفائل المراقبون لسوق الدين بتعويم العملة فى مارس 2016 ، وقال محافظ البنك المركزى، طارق عامر، إنه بعد التعويم ضخ الأجانب فى أذون وسندات الدين الحكومى حوالى 500 مليون دولار، لكن تعويم مارس لم يكن كافيا للقضاء على السوق الموازية للعملة وسرعان ما عادت الفجوة بين سعر الدولار الرسمى والموازى للاتساع وأطلقت وكالة بلومبرج على إجراءات مارس أنها « نشوة قصيرة العمر».

ماذا جرى لسوق الديون بعد عودة الاجانب؟

أعلنت الدولة فى 2016 عن اعتزامها الحصول على حزمة من القروض بقيمة 21 مليار دولار لسد فجوة التمويل الدولارى المتفاقمة، وشملت تلك الحزمة قروضا من مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، كما لم تستبعد اللجوء لأسواق الدين التجارية.

وفى هذا السياق أعلن البنك المركزى فى نوفمبر الماضى عن تحرير سعر الصرف بشكل كامل، حيث منح البنوك الحرية الكاملة فى تسعير الدولار وأوقف مزادات بيع العملة الأمريكية التى كان ينظمها بشكل دورى لتوجيه أسعار السوق، وصعدت قيمة الدولار على آثر ذلك من أقل من عشرة جنيهات لتقترب من الـ20 جنيها.

وفى هذا السياق بدأت تدفقات الأجانب تعود بشكل ملفت لطروحات الأذون المحلية، حيث تشير آخر البيانات المعلنة فى تقارير البنك المركزى إلى أن نسبة مساهمتهم فى أرصدة الأذون صعدت من %0.10 فى أكتوبر إلى %1.1 فى نوفمبر، واستبق مسؤلون بالمركزى موعد صدور البيانات المحدثة عن الديون الحكومية ليعلنوا للصحافة عن أن رصيد الأجانب ارتفع لأكثر من مليار دولار فى يناير الماضى بما يعنى نمو الاستثمارات الأجنبية فى هذا المجال بحوالى %930 عن مستواها قبل التحرير.

وسعت الدولة لاستغلال الانطباع الإيجابى نسبيا للمتعاملين الأجانب عن قدرة مصر على الاستدانة فعادت من جديد لطرح سندات دولارية فى سوق خارج البلاد، وأعلنت عن طرح بأربعة مليارات دولار خلال يناير الماضى والذى تقدم مستثمرون لتغطيته بما يوازى ثلاثة أضعاف المبلغ المطلوب.

«حصول مصر على حزمة القروض الأخيرة دعم من السيولة الدولارية وحفز الأجانب على العودة لسوق الدين، بجانب إعلان مصر عن التزامها بخطة الإصلاح الاقتصادى التى تساعد على تخفيض العجز، وتطبيق بعض اجراءاتها مثل التحول لضريبة القيمة المضافة وتقليص نفقات الدعم» كما يقول يوسف بشاى، المسئول التنفيذى ببنك بى ان بى باريبا.

ويضيف بشاى «ارتفاع الفائدة المصرية مقارنة بالفائدة الأمريكية كان من عوامل الجذب أيضا، حيث يُقبل المستثمرون على الاقتراض من الولايات المتحدة بفائدة منخفضة لشراء أصول بالجنيه بعائد مرتفع وهو ما يسمى بـ carry trade ».

وكان البنك المركزى قد رفع أسعار الفائدة على عائدى الإقراض والإيداع بقوة، بنسبة 3%، عقب تعويم العملة فى نوفمبر الماضى، وعادة ما يقوم المركزى بهذا الإجراء لكبح زيادة الأسعار، لأن السعر المرتفع للفائدة يشجع على إيداع السيولة فى البنوك مما يقلل من احتمالات التضخم، لكن محللون ببنوك الاستثمار رأوا أن الزيادة الأخيرة فى الفائدة كانت تستهدف بالأساس جذب الاستثمارات الأجنبية لسوق الديون الحكومية لضخ السيولة الدولارية فى القطاع المالى المصرى من جديد.

ويشير بشاى إلى أن الصعود القوى لسعر الدولار مقابل الجنيه فى أعقاب التعويم شجع الأجانب على الاستثمار فى الديون المصرية، لأنهم رأوا أن سعر العملة الأمريكية كان مبالغ فيه (overshooting) وسيعود الجنيه مجددا للارتفاع، وهو ما يعنى ارتفاع قيمة أصولهم المقومة بالعملة المحلية بالتبعية « هذا الوضع تكرر فى الأسواق التى تحولت من التعويم المدار إلى التحرير الكامل مثل الأرجنتين».

● إلى أى مدى تؤثر استثمارات أذون الخزانة على قيمة العملة المحلية؟

يقول بشاى إن البنك المركزى لايضم الحصيلة الدولارية من الأذون لاحتياطى النقد الأجنبى منذ عام 2006 لسهولة التخارج منها مما قد يُعرض الاحتياطى لتذبذب قوى فى حال رغبة الأجانب فى التخارج، لكنه يضم السندات الدولارية لطول آجالها، حيث تراوحت آجال الطرح الأخير منها بين 5-30 سنة.

وفى هذا الإطار يوضح محمد سلطان، الباحث الاقتصادى، أن الدولارات التى زادت فى احتياطى المركزى بفضل السندات الدولارية لن تستخدم مباشرة فى دعم الجنيه لأن البنك المركزى لم يعد ينظم مزادات لبيع العملة الأمريكية، لكنها تدعم التوقعات بتوافر الدولار مما يشجع حائزى العملة الأمريكية على التخلص منها خوفا من انخفاض قيمتها، وهو ما يدعم من قوة العملة المحلية بشكل غير مباشر.

«قوة آثر الاكتتابات على الاحتياطى النقدى لا تعنى بالضرورة التأثير على سعر العملة لأنه وفقا لسياسة المركزى الحالية فإن الاحتياطى لا يستخدم مباشرة فى دعم الجنيه، وتبقى التأثيرات غير المباشرة لزيادة الاحتياطى هى رهان المركزى المصرى لاستقرار اسعار العملة فى الفترة الحالية».

ويوضح سلطان بند أذون الخزانة والسندات من أصغر بنود ميزان المدفوعات، حيث لم تتجاوز قيمته الصافية الـ3 مليارات دولار منذ بداية الألفية لكن بنودا أكبر فى القيمة مثل تحويلات المصريين من الخارج تمر بسلسلة طويلة من التداول حتى يصل الفائض منها للاحتياطي« حيث يتنازل العملاء عن الدولار للبنوك مقابل تحويل المبالغ للعملة المحلية، ثم تعرض البنوك تلك الدولارات على المستوردين كاعتمادات مستندية ،وما يفيض منها بعد طلب الاستيراد يشتريه البنك المركزى ويوجهه للاحتياطى النقدى».

ويشير بشاى إلى اثر إيجابى آخر لعودة الأجانب يتعلق بأن شراءهم للديون الحكومية يخفض من سعر العائد عليها مما يقلل من مصروفات خدمة الدين وعجز الموازنة بالتبعية

أهم أخبار اقتصاد

Comments

عاجل