المحتوى الرئيسى

إمكانيات تلاشى تنظيم الدولة الإسلامية

02/18 21:17

نشرت مبادرة الإصلاح العربى مقالًا لـ«جلال زين الدين» ــ الكاتب الصحفى والباحث السورى ــ حول تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» وإمكانية اختفائه ونهايته تماما كتنظيم وكدولة ولكن يشترط ذلك تحقق عدد من العوامل الأخرى المرتبطة بالبيئة التى ظهر فيها، ووقتها فقط يمكن الحديث عن إمكانية تلاشيه.

يستهل الكاتب المقال بالتأكيد على أن تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» يعد واحدا من أخطر التنظيمات التى برزت وبقوة مؤخرا فى منطقة الشرق الأوسط، وربما فى العالم أجمع، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل يأتى أبرزها القوة العسكرية والمادية والتخطيط والطاعة العمياء والاستعداد للتضحية. فقد مكنت تلك العوامل التنظيم من السيطرة على مساحات جغرافية من العراق وسوريا تعادل مساحة بريطانيا. ووصل التنظيم إلى حد إعلان قيام دولة إسلامية لها مؤسساتها العسكرية والقضائية والمدنية، ومضى فى ترسيخ «الدولة الإسلامية» كدولة وليدة فى عالمنا المعاصر.

بدأت هذه الدولة الوليدة سريعا رغم وجود عوامل تنذر بالتقلص والانكماش قبل اكتمال بناء المؤسسات، وقبل ممارستها لمفهوم الدولة الحديثة. ويبدو أن هذه الدولة ذاهبة للتلاشى والزوال خلافا لشعارها «باقية وتتمدد». لكن لابد من التأكيد على أن الأمر ليس دائما متعلقا فقط بالمساحة وسرعة السيطرة، فالتنظيم سيطر على هذه المساحات الشاسعة خلال فترة زمنية قصيرة وصلت فيه الدولتان السورية والعراقية أوج مراحل الضعف والانقسام، فالنظام السورى فى سوريا فقد السيطرة على معظم الأراضى السورية، أما فى العراق فالقرار مصادر من إيران والميليشيات الشيعية. فتمدد التنظيم لا يكمن بقوته وحسن تنظيمه وحسب؛ بل فى ضعف الآخرين وتشرذمهم.

يؤكد «زين الدين» بأن هنالك عدة عوامل تبشر بتلاشى داعش؛ فداخليا قد فقد التنظيم جُل عناصره المؤمنين به عقائديا. كما لم ينجح التنظيم فى اكتساب الشارع السنى والذى ظن أنه سيؤمن له مقاتلين إلى ما لا نهاية. أما معظم المنخرطين الحاليين فى صفوفه من الأنصار فهم أصحاب مصالح نفعية لا عقدية، وبذلك يخسر التنظيم مع الأيام مكامن قوته المتمثلة بشراسة المقاتلين والاستعداد للتضحية. أما خارجيا، فقد أدى التضييق الخارجى وإحكام إغلاق الحدود إلى نضوب المهاجرين الذين كان لهم الدور الأبرز فى سيطرة التنظيم فى سوريا وإضفاء الشرعية على دولة الخلافة التى لا تعترف بالحدود والأعراق.

يبقى تجفيف منابع الدعم بالمال والسلاح خطوة مهمة للقضاء على التنظيم، فمن المعروف أن داعش تميل للسيطرة على كل ما يدر أموالا ضخمة، فقد انتقل من طور التنظيم إلى طور الدولة، وذلك لا شك يتطلب مالا، كما أن معاركهم تحتاج إلى سلاح وذخيرة وبكميات ليست بالقليلة على الإطلاق، وقد قدم الأسد والمالكى هذه الخدمة مرارا للتنظيم. وإجمالا فهذه العوامل التى تؤدى إلى زوال داعش بعضها تحقق وبعضها فى طور التحقق، وقسم آخر يُنتظر تحققه.

يستطرد الكاتب قائلًا إنه فيما يتعلق بالشعب القاطن بالمناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم والقوى الجهادية والوطنية والثورية فى سوريا والعراق والتى يطلق عليها «الحاضنة الشعبية» ــ فإن فقدانها يعد أولى خطوات انحساره، وخاصة حينما عمل التنظيم على محاربة الجميع والتحكم بالقرار منفردا ووصل الأمر إلى إعلان الحرب على الفصائل الإسلامية والوطنية على حد سواء واتهام الآخر ــ أيا كان ــ بالكفر والردة وذلك كما حدث مثلا أيام «أبو حمزة المهاجر» فى العراق 2006 ــ 2010، الذى أدت سياساته لولادة ما عرف بالصحوات والتى كان لها دور كبير فى القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق حينها.

يضيف الكاتب بأن التنظيم لم يتعلم من أخطائه واستمر بالنهج ذاته بدعوى الحفاظ على وحدة صف المجاهدين والجهاد تحت راية واحدة؛ إذ حلَّ البغدادى عام 2013 فرع تنظيم القاعدة فى سوريا «جبهة النصرى» ليُحدث شرخا عميقا فى صفوف الجهاديين من جهة وانهيارا فى شعبية تنظيم الدولة من جهة ثانية. تلك الشعبية التى كان قد كسبها التنظيم باعتباره فصيلا داعما للثورتين السورية والعراقية ضد النظامين السورى والعراقى، ومتعاونا مع الفصائل والقوى الوطنية، إلا أنه مع مرور الوقت والأيام تعمق الشرخ وحصر التنظيم جهوده فى السيطرة على المناطق المحررة وقمع صوت الثوار، فبدأ مبكرا بسلسلة طويلة من عمليات الاغتيال والخطف للقادة والناشطين الثوريين لتصل القطيعة أوجها أواخر 2013 وبداية 2014.

هذه الممارسات جعلت تنظيم الدولة وخلافته مرفوضين لدى السواد الأعظم من السوريين. وذلك بدلا من أن يكون عونا للثوار وناصرا للشعب فى ثورته ضد الأسد كما أظهر فى البداية، وحقق من خلاله بعض المكاسب الشعبية؛ حيث ركز جهوده على تحرير المحرر، فسيطر على مناطق الثوار. وزاد الرفض الشعبى بعد أن عايش الشعب ممارسات التنظيم على الأرض، وأدى ذلك الرفض الشعبى لانهيار أبرز مقومات الدولة «الشعب»، فبدأت عمليات هجرة ونزوح غير مسبوقة من مناطق التنظيم، فمثلا قد وصل عدد سكان الفلوجة إلى 70 ألف بعد أن كانوا حوالى 275 ألفا تقريبا، وهكذا فقد عمل الكثيرون على الفرار والنجاة بأنفسهم.

فى السياق ذاته فمن الأسباب التى تساعد وبقوة على زوال التنظيم «رحيل الأنظمة الطائفية»؛ فذلك من شأنه أن يفقد التنظيم واحدا من أهم أعمدته وبخاصة عند انهيار النظامين السورى والعراقى، فهما من يشكل المبرر لبقاء داعش، وقد بدأ العراقيون يعون هذه الحقيقة ولكنهم مازالوا مكبلين بقيود كثيرة. والأمر ذاته بسوريا، فالجميع موقن بأن الحل الحقيقى يبدأ بزوال النظام الحالى وقيام حكومة ترعى مصالح الشعب بجميع مكوناته. وذلك لن يحدث دون دعم قوى وطنية تحظى بقبول شعبى.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل