المحتوى الرئيسى

«عُرس الزين».. الطيب صالح يلمس الجمال الحقيقي للحياة

02/18 18:05

9 سنوات على رحيل أديب السودان الأشهر: كأنه كتب الرواية في لحظة صفاء نفسي

كيف يمكن لنا أن نحكم على الأشخاص أو نقيمهم؟ وكيف نتجرأ أن نحكم عليهم من الظاهر؟ وكيف نستطيع عموما أن ننظر إلى الحياة؟، أو نستخلص عبرتها؟

هذه الرواية تدلنا على إجابات لكل هذه الأسئلة، إنها رواية "عُرس الزين" للأديب السوداني البارع الطيب صالح، ومع أنها ليست أشهر أعمال صاحب "موسم الهجرة إلى الشمال"، لكنها عمل فذ وفريد، عن جوهر الحياة وقيمتها المثلى.

تحكي الرواية عن الزين، الشاب الدميم المخبول الذي يثير سخرية أهل قريته كثيرا، ويتخذونه مثالا للهزل والتندر، ويتعاملون معه بطريقة خاصة نابعة من فهمهم لشخصيته التي تبدو بلهاء، لكنهم يغفلون المعنى الحقيقي لهذا الشاب.

شخص واحد سيفهم حقيقة الزين وقيمته، وياللعجب إنها "نعمة"، أجمل بنات القرية، التي يحمّلها الطيب صالح المعاني الفطرية للمرأة من حب للحياة وشغف بها والسعي للمعرفة والتحرر، ترفض "نعمة" كل الشباب الذين يتقدمون لخطبتها، ثم ترضى بالزين.

إنه خبر عجيب وصادم لأهالي القرية الذين يعرفون الزين من الخارج، فهو شخص "لم يكن على وجهه شعر إطلاقا، لم تكن له حواجب ولا أجفان، وقج بلغ مبلغ الرجال وليست له لحية أوشارب"، لكن "نعمة" تتجاهل كل ذلك وتنفذ إلى عمق الزين، إلى قلبه وروحه لا إلى مظهره.

إن الزين مع كل ما يحمله من سخرية وتندر لهو أكثر أهالي القرية عطاء ومحبة، يحب الجميع ويساعدهم ويتعامل بالفطرة، كما أنه يحب الأكل ويحب الإناث ويعبر عن حبه لهم علانية بلا خوف أو مداراة، إنه شخص نقي ومتصالح مع نفسه ومع الجميع. و"نعمة" فتاة مستقلة في الرأي، عنيدة، لا تقبل بالمسلمات وبالمفروض، لا تقبل بأن تتزوج دون تعليم، ولا تقبل بأن ترضى بأي شاب يتقدم إليها من منطلق أنه شاب والسلام، لذلك عندما أعلن الزين في إحدى المرات أنه "مقتول في بيت نعمة" أي قتله حب نعمة ستقبل به الفتاة، وسيختلف أهالي القرية في أصل الحكاية، كما سيتعجبون أشد العجب، لكنهم لن يقدمون على السخرية من الزين إطلاقا.

إنها رواية صغيرة للغاية، يتهيأ لك عندما تقرأها أن الطيب صالح كتبها وهو في أشد لحظات حياته صفاء وسلاما، وهي اللحظات التي تطبع في نفس الإنسان ابتسامة داخلية عريضة وحقيقية.

يريد الطيب صالح، الذي نستعيد هذا العمل في ذكرى وفاته الثامنة (18 فبراير 2009)، أن يقول لنا فيما يبدو إن الحياة شيء عظيم، طالما جلونا من عليها الصدأ والمظاهر ونفذنا إلى العمق أو الأصل، إلى المحبة والفطرة والصدق ومساعدة الناس والإخلاص في ذلك.

Comments

عاجل