المحتوى الرئيسى

الحقيقة وراء «أسطورة» هيئة الرقابة الإدارية في مصر - ساسة بوست

02/18 09:16

منذ 3 دقائق، 18 فبراير,2017

رئيسٌ يشكر ومن خلفة إعلامٌ يجمل الصورة، ونيابة تحقق مع مسؤولين وموظفين كبار في مصالح وشركات، ومن ثمّ قضايا بالمئات. صعد نجم اسم هيئة الرقابة الإدارية في مصر، بعد أن كانت كيانًا مُبهمًا يتردد اسمه على استحياء، وإن كان لها دور كبير في الخفاء، قبل أن يبدأ تردد الاسم في وسائل الإعلام شيئًا فشيئًا مُرتبطًا، وفي بعض الأحيان يُدفع، باسم النقيب مُصطفى السيسي، نجل الرئيس عبدالفتاح السيسي، كمُحارب للفساد مثل والده.

تلك الدعاية الإعلامية للرقابة الإدارية كحامي الحمى من الفساد، تبدو متناقضة مع قرار إعفاء رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينة، منذ نحو عام، على إثر تحدثه عن أرقام وتقارير حول فساد مُؤسسات سيادية، ثُم يُعاقب بالسجن لمدة ثلاثة سنوات مع وقف التنفيذ.

«ساسة بوست» بحث في أسباب تلك الدعاية الإعلامية الصاخبة، مع الوقائع التاريخية للهيئة، ولماذا يسعى النظام لتحويل الرقابة الإدارية إلى أيقونة في نظافة اليد ومواجهة الفساد والفاسدين، بالرغم من أن مُعظم القضايا الكُبرى انتهت إلى لا شيء، وأصدر القضاء أحاكمًا ببراءة المتهمين فيها، بعد التشهير بهم، وربما مكوث بعضهم في السجن لبعض الوقت، بل إن الرقابة الإدارية تلّقت كلمات قاسية في بعض نصوص الأحكام الصادرة من القضاء، كاتهامها بـ«ضعف التحريات» و«افتقادها جوانب قانونية كثيرة في المحاضر وأوراق القضية» و«عدم التحقق من شهادات الشهود والمبلغين».

وبالبحث اتّضح أن «اليد النظيفة» للرقابة الإدارية ليست إلا أسطورة، فعقب 25 يناير (كانون الثاني) 2011، قدمت بلاغات لجهات التحقيق ضد اثنين من رؤساء الرقابة الإدارية بالإضافة إلى بعض الضباط، تتهمهم بالتورط في قضايا فساد واستيلاء على أراضٍ بغير وجه حق. فضلًا عن أنه في الكثير من الحالات يُعيّن بعض ضباط الرقابة الإدارية بعد خروجهم على المعاش مُديرين أو مُستشارين في شركات ووزارات ومُؤسسات أُخرى؛ ما يعني شبهة تضارب مصالح.

يأتي ذلك كله مُضافًا إلى التجاوزات الحقوقية التي يرويها بعض ممن قادهم حظهم العثر إلى الاحتجاز في مقار الرقابة الإدارية، التي شهد إحداها موت المستشار وائل شلبي الأمين العام لمجس الدولة «مُنتحرًا» وفقًا للرواية الرسمية التي يُشكك الكثيرون في صحتها.

عشرات المقالات ومئات الأخبار في كل وسائل الإعلام حول دور الرقابة الإدارية، التي هي واحدة من الأجهزة الرقابية الحكومية التي تمتلك سلطة نافذة داخل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في مصر، هذه السلطة تمكّنها من التجسس والمراقبة وتصوير أي موظف في أي مكان والحصول على المستندات والتحفظ عليها.

وخلال العامين ونصف الأخيرين تعاظم دور الرقابة الإدارية وتوسعت صلاحياتها في الوقت الذي حُجّم فيه دور الجهاز المركزي للمحاسبات، وعُزل رئيسه هشام جنينة.  ولم يكن توسيع صلاحيات الرقابة الإدارية فقط في الجانب الرقابي، ولكن أيضًا على مستوى الجانب التنفيذي، ففي منتصف العام الماضي أصدرت الرقابة الإدارية تقريرًا عن دورها في «مكافحة الفساد» خلال فترة حكم السيسي، وضرب مثلًا بتدخلها تنفيذيًا في العديد من القضايا الخاصة بالصحة وتلوث المياه وكذا قضايا متعلقة بالاستثمار والجمارك والخلافات بين مستثمرين وهيئات سياحية، فضلًا عن مراقبة إنشاء وتصميم بعض المشروعات، وبالطبع دعمت الرقابة الإدارية صندوق تحيا مصر بشهر من مرتبات موظفيها، كما اشترت شهادات استثمار في مشروع تفريعة قناة السويس بنحو ثلاثة ملايين جنيه.

اقرأ أيضًا: «عايز فكة».. السخرية تلاحق طلبات السيسي المتكررة للتبرع لمصر

ويشير نفس القرير لإبداء الرقابة الإدارية الرأي في 8933 مرشحًا لشغل وظائف الإدارة العليا وبعض الوظائف القيادية بالدولة، وبالرغم من اعتزازها باختيارها للشخصيات العامة، إلا أنها أيضًا تعتز بالقبض على شخصيات كان قد سبق أن وافقت عليها، فأبرز القضايا التي كشفتها كانت قضية وزير الزراعة السابق صلاح هلال، الذي اُلقي القبض عليه من قبل ضباط الرقابة الإدارية في سبتمبر (أيلول) 2015 من ميدان التحرير وسط العاصمة القاهرة بعد دقائق من تقديمه استقالته. وكان هلال قد عُيّن وزيرًا للزراعة في مارس (آذار) 2015 بعد تشريحه في عدد من التقارير الصادرة عن جهات رقابية، بينها هيئة الرقابة الإدارية.

هل يستخدم النظام الرقابة الإدارية عصًا ضد منافسيه أو من يختلف معه؟ يُثير تصعيد دور الرقابة الإدارية المُكثّف خلال الفترة الأخيرة؛ الريبة، خاصة مع كبت أصوات أجهزة رقابية اُخرى على رأسها الجهاز المركزي للمحاسبات؛ ما يدفع نحو الشك في اعتماد النظام على الهيئة كعصا في يده.

يُشير البعض إلى قضية مجلس الدولة التي بدأت بالقبض على جمال الدين اللبّان مدير المشتريات فيه في قضية رشوة، ثُم بعدها بأيّام أُوقف وائل شلبي الأمين العام لمجلس الدولة، قبل أن يُعلن عن انتحاره في سجنه بالرقابة الإدارية. ويُربط بينها وبين الحكم في قضية جزيرتي تيران وصنافير، حتى أنّ المحامي الحقوقي والمرشح الرئاسي السابق خالد علي حذّر عقب قضية الرشوة من التشهير بمجلس الدولة قبل الحكم في قضية تيران وصنافير، داعيًا إلى ضرورة الدفاع عن مجلس الدولة ضد ما اعتبرها محاولات من النظام المصري للضغط عليه والتشهير به.

«ساسة بوست» أجرى اتصالًا بأحد رجال الأعمال الذين كانت لهم قضية نزاع مشهورة مع إحدى الأجهزة السيادية خلال عهد الرئيس المخلوع محمد حُسني مُبارك، احتجز على إثرها في إحدى مقار الرقابة الإدارية، ليصف طريقة عمل الرقابة بالمثل المصري الشائع «اضرب المربوط يخاف السايب».

المصدر الذي شدد على عدم ذكر اسمه، أكّد على امتلاك الرقابة الإدارية، داخل مقرها في مدينة نصر، شرقي القاهرة، سجنًا مُجهّزًا بـ«وسائل مراقبة وضغط نفسي على المتهم»، قائلًا: إن نظام مُبارك كان قد استغلها للتصعيد في بعض القضايا «رغبة منه في إظهار قوته»، وعلى ما يبدو فها هو النظام الحالي يُكرر نفس الاستراتيجية.

أُسست الرقابة الإدارية عام 1964 كهيئة رقابية مُستقلة، قبل أن يحلها الرئيس الراحل أنور السادات بقرار رئاسي عام 1980، ثم عادت للعمل مرة أُخرى عام 1982 مع بداية عهد مُبارك، لتطلق يدها على صغار الموظفين، «بينما ظل تحريك الدعاوي ضد الكبار وقفًا على قرار الرئاسة الجمهورية»، على حد تعبير المصدر.

ويظهر من تعاظم دور الرقابة في الآونة الأخيرة، ثقة السيسي فيها، والتي لا يُمكن فصلها عن تواجد نجله ضابطًا فيها، بالإضافة إلى ضباط جيش آخرين يعملون بها.

خلال حديثه مع الإعلامي أسامة كمال، قال اللواء محمد عرفان رئيس هيئة الرقابة الإدارية: إن «ضباط هيئة الرقابة الإدارية محصنون ومعقمون ضد الفساد«، لكن ما يُثير الشك هو أنّ هؤلاء الضباط الذين يتمثل عملهم بشكل أساسي في مراقبة وزارات أو مصالح بعينها أو شركات ومُؤسسات، كثيرٌ منهم يُعينون عقب خروجهم على المعاش في وزارات أو مصالح أو شركات حكومية. ومع علاقاتهم في أماكن عملهم السابقة، يُخشى أنّ يُمثّل الأمر تضاربًا في المصالح.

فضلًا عن ذلك هناك التهم المباشرة الموجهة لبعض القيادات السابقة في الهيئة، من بينهم اللواء هتلر طنطاوي الرئيس الأسبق للرقابة الإدارية، والذي اتهم باستغلال النفوذ للحصول على أراضٍ بغير وجه حق، كما قُدّمت بلاغات بحق اللواء محمد التهامي الرئيس الأسبق للرقابة الإدارية بتهمة التورط في فرم مُستندات كانت تدين مُبارك؛ ما دفع بالرئيس المعزول محمد مُرسي إلى إقالته من منصبه، لكن البلاغات المقدمة ضده لم تنته إلى شيء، وعُيّن رئيسًا للمخابرات العامة في عهد الرئيس السابق المُؤقت عدلي منصور.

التلميع المبالغ فيه للهيئة دفع للتساؤل عن دوافع ترحيب وسائل الإعلام بالرقابة الإدارية ودورها، في حين هي نفسها وسائل الإعلام التي سبق وهاجمت هشام جنينة هجومًا عنيفًا. في تفسير ذلك، يربط البعض بين ذلك «التلميع» وبين مُصطفى السيسي نجل الرئيس عبدالفتاح السيسي، والضابط في الرقابة الإدارية.

قد يتضح ذلك أكثر مع زيادة وتيرة تكرار اسم مصطفى السيسي مُقترنًا بعمل الرقابة، وخاصة في القضايا الكبيرة أو التي يُثار حولها جدل كبير، على العكس من باقي ضباط الهيئة الذين يُفترض أن يحاطوا بالسرية.

وارتبط اسم نجل السيسي بقضية وزير الزراعة الأسبق، حتى قيل: إنه من كشف عن القضية، وأنّه من قاد عملية القبض عليه من قلب ميدان التحرير، كما ارتبط اسمه بقضية الاستيلاء على أرضٍ في طريق القاهرة إسكندرية الصحراوي، وطريق القاهرة الإسماعيلية الصحراوي.

تصفية الحسابات.. أبوغزالة والغريب مثال

يكشف التاريخ عن الدور الذي لعبته هيئة الرقابة الإدارية خلال سنوات حُكم مُبارك، ولكن في الظل دون كثير ضجّة من الإعلام؛ إذ كانت الهيئة جُزءًا من منظومة يستخدمها النظام ضد خصومه، بالمشاركة مع جهاز المدعي الاشتراكي الذي صدر قرار بإلغائه في 2008.

في البداية دعمت الرقابة الإدارية تصفية رجال الأعمال المعروفين بعلاقتهم القوية بعائلة السادات، التي أصبحت بين ليلة وضحاها من العائلات ذات النشاط الاقتصادي الكبير. كانت أبرز تلك القضايا، قضية عصمت السادات، ورشاد عثمان، ثم قضية «الفراخ الفاسدة» لتوفيق عبدالحي، رجل عثمان أحمد عثمان المرتبط بعلاقات مصاهرة، ونسب مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ثم  قضية «لوسي أرتين» والتي كانت سببًا في الإطاحة بوزير الدفاع الأسبق المشير عبدالحليم أبوغزالة، والتي تُوصف بأنها إحدى أهم قضايا هيئة الرقابة الإدارية.

وتُعد قضية لوسي آرتن إحدى أكثر القضايا إثارة للجدل خلال عهد مُبارك. البدايات الأولى للقضية كانت مع عزل أبوغزالة من منصب وزير الدفاع، وإيلائه منصبًا شرفيًا مُساعدًا لرئيس الجمهورية، قبل أن يُطاح به تمامًا بهذه القضية التي يُؤكد كثيرون أنها «مُفبركة».

أساس القضية هو التشهير أخلاقيًا بأبوغزالة وبعض الشخصيات العامة، بادعاء علاقتهم بامرأة تُدعى لوسي آرتن أو «فتاة بيانكي»، الأمر الذي نفاه بالجملة مصطفى الفقي سكرتير مُبارك السابق للمعلومات، والذي وصف القضية بالمؤامرة المحاكة للإطاحة بأبوغزالة، وهو ما ألمح إليه حسب الله الكفراوي وزير الإسكان الأسبق، الذي قال: إنه تحدث لأبوغزالة؛ ليقسم له أنه لا علاقة له بلوسي آرتن.

من ذلك أيضًا قضية الجمارك الكُبرى المتهم فيها محيي الدين الغريب وزير المالية المصري الأسبق في حكومة كمال الجنزوري، الذي بدأ النظام في التصفية المعنوية لبعض رموزها عقب إقالته، حيث اتهمت الرقابة الإدارية محيي الدين الغريب بتورط في قضية الجمارك الكبرى؛ ليحكم عليه بالسجن ثماني سنوات في أولى درجات التقاضي، قبل أن تصدر محكمة النقض حكمًا ببراءته بعض تقضيته 25 شهرًا في السجن.

تخوف الغريب في البداية من التصريح بحقيقة القضية، ورفض في حوار مع  صحيفة الشرق الأوسط اللندنية عام 2002 الحديث حول الأمر، ولكن بعد ثورة 25 يناير 2011، كشف عن تفاصيل ما حدث، ودور الرقابة الإدارية بقيادة هتلر طنطاوي -رئيس الهيئة في تلك الفترة- في تلفيق القضية.

وقال الغريب في لقاء تلفزيوني: إنه رفض تصوير الرقابة الإدارية لبعض الملفات، فاعتُبر ذلك تحدٍ منه، فلفقت القضية التي سُجن بسببها 25 شهرًا، وذلك بالاتفاق بين وزير العدل السابق الراحل فاروق سيف النصر ورئيس ديوان رئاسة الجمهورية وهتلر طنطاوي، وفقًا للغريب الذي قال إنه «عرف بالقضية من الصحف قبل التحقيق معه».

أرشيف القضايا الكبرى للرقابة كبير وممتلئ، بخاصة في عهد مبارك، ولكنه في نفس الوقت يشمل عددًا من القضايا الصاخبة والإعلامية التي تحمل لقب «باطل»، لانتهائها ببراءة المتهمين فيها، وتوجيه الانتقادات من جانب المحكمة للرقابة الإدارية وتحريات ضباطها.

من أمثلة تلك القضايا، قضية «الفراخ (الدجاج) الفاسدة»، وكانت من أبرز القضايا التي أثارت الرأي العام، وبدأت عام 1982؛ وبسببها هرب رجل الأعمال توفيق عبدالحي إلى اليونان، وهو من أبرز رجال عثمان أحمد عثمان صهر السادات، وبالفعل كانت هناك شكوك تحوم حول أنشطة عبدالحي، إلا أنه في النهاية حكمت محكمة أمن الدولة العليا ببراءة عبدالحي في أبريل (نيسان) 1994.

نرشح لك

أهم أخبار رمضان

Comments

عاجل