المحتوى الرئيسى

عام للأستاذ فى «دار العودة».. نظرة على الاستشهادات الشعرية لهيكل

02/17 23:25

سنة مرت على رحيل ذلك المثقف العملاق محمد حسنين هيكل، الذى عاش بيننا عمرا مديدا، فكم من التواريخ والأجيال والأزمنة انطوت وهو على قيد الحياة، شاهدا عليها جميعا، ومؤرخا لها بأسلوب رفيع، جمع بين دأب الصحفى وتوثيق المؤرخ وبلاغة الأديب، والأخيرة هذه كانت من أجمل لمساته فى الكتابة.

17 فبراير هو تاريخ وفاة الأستاذ هيكل، رحل العام الماضى، ومع هذه الأيام، تكون سنة مرت عليه وهو فى «دار العودة»، اسم المقبرة التى اختاره ليُدفن فيها، فى ملمح فلسفى واضح لنظرته للموت على أنه نهاية لرحلة الحياة، أو عودة لذهاب طويل فى الزمان.

هنا سنحتفى بذلك الجانب الجمالى فى أسلوب حكى وكتابة هيكل، وتحديدا من بوابة الشعر، الذى كانت ذاكرة «الجورنالجى» العظيم متخمة به، ويكاد لا يمر حوار أو كتاب له إلا باستشهادات كثيرة بأبيات شعرية قديمة، ودل ذلك على ثقافة رفيعة امتلكها الرجل الراحل، فهو صديق دائم لدواوين المتنبى وأبى العلاء المعرى وبشار بن برد وشوقى.

بجانب ذلك كان الشعر لهيكل تمرينا ثمينا لذاكرته التى كان عليها أن تحفظ أطنانا من الأحداث والشهادات والتواريخ واللقاءات والأفكار، وقد قيل إن هيكل كان يحفظ 10 آلاف بيت من الشعر.

وتفسير ذلك الولع بالشعر عند هيكل، أنه قرأ فى طفولته وصباه دواوين شعر كثيره كما قرأ كتابى الأغانى للأصفهانى وألف ليلة وليلة. كان ذلك فى سن صغيرة للغاية للطفل محمد، بل إنه حفظ القرآن قبل كل ذلك، وفقا لتقليد صارم فى عائلته، كما يقول، ومن المنطقى لطفل كذلك أن يولع بذلك النظم الجميل المميِّز للغة العرب.

سبب آخر يكشفه هيكل فى نفس الموضع وهو أن أول مدرس له فى المدرسة الابتدائية كان شاعرا، وهو على الجندى، وهو اسم مجهول كثيرا، من مواليد سوهاج 1910، وكان عضوا بمجمع اللغة العربية وله عدة دواوين، وتوفى فى مايو 1973.

ولن تكون مفاجأة إذا قلنا إن هيكل حاول فى شبابه كتابة الشعر، لكنه لم يستمر فى ذلك، وحسب تعبيره فهو «شاعر فاشل»، يحكى: «بدأت التجربة مع بنت الجيران، وعلمت أمى وعنفتنى كثيرًا، لأن والدة البنت اشتكت لها من أنى أكتب أشعارًا لابنتها، ويتلخص الموقف فى أن بنت الجيران كانت تلبس فستانا أسود وتقف فى البلكونة، وكنا نسكن وقتها فى العباسية وكنت أقف أمامها فى شرفة منزلنا. ثم دخلت البنت وغيرت الفستان الأسود بفستان أحمر فأرسلت لها ورقة مع الخادمة عليها بعض الشعر أقول فيه:

ماذا بقلبك يا حسناء من وجد يضطرب

أحال الفحمة السوداء إلى حمراء تلتهب

ووقعت الورقة فى يد أمها وحدث ما حدث فقررت أن أقلع تماما عن الشعر، ولم تكن هذه الورقة أول أشعارى، فقد كتبت قبلها العديد من الأشعار دونتها جميعا فى كراسة ولا أعلم الآن أين هى هذه الكراسة وسط كل أوراقى وكتبى».

ونحن هنا، سنمر بنظرة سريعة على مواقف لهيكل عاشق الشعر، من خلال استعراض نماذج من أبيات استشهد بها فى لقاءاته، تدل كما ذكرنا على ذوق فنى رفيع، وذاكرة حية عاشت على الشعر.

«هانت حتى بالت عليها الثعالب»

استشهاد تكرر أكثر من مرة على لسان هيكل، وبتصرف. مرة كتب الكاتب الصحفى عبد الله السناوى بعد رحيل هيكل، فى سياق كلام نقله عن الأستاذ بخصوص الادعاء الذى يقول إنه صنع نجومية الزعيم جمال عبد الناصر، وهو كلام استنكره هيكل بشدة من فرط بلاهة الطرح فقال: «جمال عبدالناصر؟.. هانت حتى بالت عليها الثعالب»، وكان يقصد أن عبد الناصر تحديدا بشعبيته وكاريزميته الطاغية أبعد ما يكون عن أن يصنعه أحد.

ومرة ثانية كانت فى حديث له مع الإعلامية لميس الحديدى وكان ينتقد تراجع الدور الإعلامى لمصر كثيرا والشكوى المتكررة من الأذرع الإعلامية للدول الأخرى، دون التفكير فى أسباب تراجعنا نحن، فقال: «القضية هى ضعفك أنت، هو ما ينبغى أن نتلاشاه.. لقد هان من بالت عليه الثعالب».

وبيت الشعر هذا من التراث القديم وفى بعض الأثر منسوب للصحابى أبى ذر الرفاعى، إذ يقال إنه قبل الإسلام كان يقدم القرابين لأحد الأصنام فشاهد ثعلبا ذكرا يبول عليه، فوقف وأنشد: «أرب يبول الثعلبان برأسه... لقد ذل من بالت عليه الثعالب».

«جُننا بليلى وهى جُنت بغيرنا.. وأخرى بنا مجنونة لا نريدها»

بيت شعر يُنسب لقيس بن الملوح، ويتحدث عما يسمى «الحب من طرف واحد»، أو بمعنى آخر أنك تريد شخصا يريد شخصا آخر، بينما هناك ثالث يريدك وأنت لا تريده.

قاله هيكل فى حوار أيضا مع لميس الحديدى، فى ديسمبر 2014، فى سياق كلام له عن علاقات مصر فى الإقليم: «إيران كانت تريد أن تقيم معنا علاقات وأن تعود ولم نقبل، وتركيا ذهبنا إليها لكنها أخذت موقفًا ضدنا».

«فتفرّقـوا شيعًا فكل قبيلة.. فيهـا أمير المـؤمنين ومنبر»

كان السيسى يتحدث عن الوضع العربى، وذلك فى حوار تليفزيونى له فى سبتمبر 2014، وذكر هذا البيت وقال إنه لعباس الثانى، ثم تحدث نصا عن الدول العربية قائلا: «عبارة عن قبائل بها أمير فى كل منها، وكل منبر حل محله فضائية من الفضائيات، وبدل المنبر شيخ يفتى، أنا أريد مصر بدون هذا، بشكل أو بآخر تجمع شتات القادرين والراغبين وأن تجمعهم فكرًا وتبلور نوعا من الرؤيا لمستقبل يمكن قبوله ويمكننا بشكل أو بآخر من المشاركة فى أحوال العالم».

«إنَّ الذين أَسَت جِراحَك حَربُهم.. قَتَلَتكِ سِلمُهُمو بِغير جراحِ»

كان السؤال الموجه لهيكل من لميس الحديدى فى نفس الحوار السابق هو: «هل الصراع الآن مع الإرهاب أم مع إسرائيل؟»، فأجاب: «الصراع الآن مع أنفسنا ومع ضعفنا ومع غياب الرؤى»، ثم ختم كلامه ببيت أحمد شوقى الذى كان يحبه كثيرا: «إنَّ الذين أَسَت جِراحَك حَربُهم قَتَلَتكِ سِلمُهُمو بِغير جراحِ».

«ألقابُ مملكةِ فى غير موضعها.. كالهر يحكى انتفاخًا صولة الأسد»

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل