المحتوى الرئيسى

معركة فاروق حسنى | المصري اليوم

02/17 01:10

«ليس هناك ما هو أقوى من الصهيونية فى العالم، فهى شبكة الاتصال العنكبوتية الأقوى».. كانت هذه الجملة أهم ما أثار انتباهى فى ذلك التصريح الذى أدلى به وزير الثقافة الأسبق، فاروق حسنى، بعد وصوله أرض الوطن، قبل نحو ثمانى سنوات، عقب خسارة المعركة على رئاسة منظمة اليونسكو، بفارق أربعة أصوات عن المرشحة المنافسة آنذاك، فى معركة هى الأشرس على الإطلاق مع الصهيونية العالمية، والإمبريالية الأمريكية فى آن واحد، على الرغم من حصوله فى التصويت الأول على ٢٢ صوتاً، وحصول أقرب منافسيه على ٨ أصوات، إلا أن المخابرات الإسرائيلية، كما الخارجية الأمريكية، كانت لهما الكلمة الأخيرة، بعد أن انتفضتا معاً، فى الأروقة الفرنسية، حيث مقر المنظمة، بخيانة عربية أحياناً، ومصرية فى أحيان أخرى.

قبل عدة أيام أرسل لى فاروق حسنى كتاباً جديداً يحمل خفايا وأسرار هذه القصة المثيرة، بقلم الزميلة الصحفية المتألقة، فتحية الدخاخنى، وجدتُ من الأهمية التوقف أمامه، لإلقاء الضوء على ذلك الحدث، الذى لم تتكشف حتى الآن كل أسراره، والتى أعتقد أنها سوف تحتاج إلى سنوات طويلة، إلا أنه من الأهمية أيضاً الإشارة إلى ما قاله نصاً فى هذا الصدد، بعد انتهاء المعركة: (بمراجعة تصريحات كونداليزا رايس، مستشارة الأمن القومى الأمريكى، حول فكرة تقسيم المنطقة والشرق الأوسط الكبير، ومصطلحات الفوضى الخلاقة، ومن بعدها هيلارى كلينتون، وزيرة الخارجية، ومصطلح الربيع العربى وغيره، كل ذلك يشكل علامات مهمة لم ننتبه إليها، فلم يكن من الممكن، وهم بصدد التقسيم، أن يسمحوا بوصول شخص من أكبر دولة عربية لمنصب مدير عام اليونسكو).

يمكن أن نتفق أو نختلف مع فكر وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى، إلا أننا أمام شخصية عالمية، شكلاً ومضموناً، نال احترام العالم، كفنان ومثقف، أعطى الكثير للتاريخ المصرى على مختلف أطيافه، الفرعونى والقبطى واليهودى والإسلامى، من خلال عمليات الترميم والتجديد والاهتمام، لم ألتق به إلا بعد أن أصبح من «الفلول» أو من النظام السابق، وقف فى قفص الاتهام ذات يوم أمام هيئة محكمة مشهود لها بقوة البأس، إلا أنه حصل على البراءة، فلم تجد المحكمة ما يشينه.

معركة فاروق حسنى، كما سردتها فتحية الدخاخنى فى الكتاب الذى يحمل عنوان «فاروق حسنى وأسرار معركة اليونسكو»، تشير إلى الكيفية التى يُدار بها العالم، فقد نال الترشيح المصرى منذ بدايته شبه إجماع العالم، نتيجة ذلك الحضور الطاغى لشخصية المرشح على هذا المستوى الثقافى على الأقل، إلا أن دولتين فقط، هما الولايات المتحدة ممثلة فى إدارتها الخارجية، وإسرائيل ممثلة فى الموساد والصهيونية العالمية، استطاعتا تحويل دفة العالم، بما جعل شبه الإجماع الأفريقى والآسيوى والأوروبى فى خبر كان، وهو الأمر الذى كان يجب أن يتوقف أمامه صناع السياسة فى مصر، كما الأجهزة السيادية تماماً، بالبحث والدراسة، فى تلك المواقف، التى تراوحت بين الثبات والاحترام من البداية حتى النهاية، والمتذبذبة طوال الوقت، والخاضعة والمتواطئة على طول الخط.

سوف نفهم من تلك التجربة الثرية والمريرة، فى الوقت نفسه، أن كل المناصب الدولية يجب أن تمر من بوابتى واشنطن والصهيونية العالمية، وكذلك كل الجوائز العالمية، بدءاً من نوبل، حتى جوائز السينما العالمية والمسابقات الإقليمية. ما تجب الإشارة إليه، أيضاً، هو أن الضغوط الأمريكية على مصر فى ذلك التوقيت، من أجل تغيير اسم المرشح لم تفلح، ذلك أن مصر لم تستجب لهذه الضغوط أبداً، على الرغم من أن مجرد تغيير اسم المرشح كان سيحسم هذه المعركة فورا.

فقد كانت مشكلة فاروق حسنى الأساسية هى أنه يرفض التطبيع مع إسرائيل مادامت تحتل أرضاً عربية، أو أنه قال ذات يوم إن إسرائيل ليست لديها ثقافة، فهى تسرق ثقافة الآخرين، أو أنه صرح، فى يوم ما، بعدم موافقته على وجود مؤلفات إسرائيلية فى المكتبة المصرية، ملوحاً مَجازاً بإحراقها حال وجودها، على الرغم من اعترافه بما يسمى محارق الهولوكوست، وإعلانه أنه ليس معادياً لما تسمى السامية، إلا أن كل هذا لم يشفع للرجل لدى هؤلاء الذين يتشدقون بحرية الرأى، وحرية الفكر.

نرشح لك

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل