المحتوى الرئيسى

دستور روسى لسوريا.. كيف؟!

02/15 22:23

ربما كان أخطر مفاجآت مؤتمر «أستانة»، الذى استهدف تثبيت وقف إطلاق النار الهش فى سوريا وحضرته روسيا وإيران وتركيا والأردن، إعلان وزير الخارجية الروسى لافروف عن دستور جديد لسوريا تم إعداده وطبعه فى موسكو تحت عنوان «دستور الدولة السورية الجديدة»، بدلاً من «دستور الجمهورية العربية السورية»، عنوان دساتير سوريا، الأمر الذى أثار المخاوف من إمكانية وجود مخطط روسى يستهدف إلغاء الهوية العربية للدولة السورية كما فعل «بريمر»، أول حاكم مدنى للعراق بعد احتلال القوات الأمريكية، عندما خطط لإصدار دستور جديد تم بموجبه إنكار هوية العراق العربية بهدف تمزيق وحدته وتفكيك مؤسسات الدولة العراقية بما فى ذلك الجيش والشرطة والأمن وكل الوزارات باستثناء وزارة البترول.. ويزيد من خطر مشروع الدستور الروسى السورى الجديد عدد من البنود تعطى الأكثرية فى أى منطقة سورية حق استخدام لغتها المحلية إلى جوار العربية مع إعلان اللغة الكردية لغة ثانية للبلاد، إضافة إلى إقرار حق تقرير المصير بشكل حر ومستقل لكل الشعب السورى!

وبرغم أن الحكومة السورية أعلنت رفضها لأن يكون عنوان الدستور السورى (دستور الدولة) وأصرت على أن الدستور السورى ينبغى أن يصدر باسم الجمهورية العربية السورية، كما أعلنت رفضها لعدد مهم من بنود هذا الدستور، فثمة أسئلة مهمة لا تزال بغير إجابات واضحة، أولها «هل يبرر التدخل العسكرى الروسى فى الأزمة السورية لصالح حكم بشار الأسد حق روسيا فى كتابة دستور للدولة السورية كما يبرر حقها فى قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجوية التى أقامتها روسيا مؤخراً شرق اللاذقية دعماً لنفوذها العسكرى المتزايد شرق المتوسط؟!».

صحيح أن التدخل الجوى الروسى قلص كثيراً حجم المساحة التى تسيطر عليها داعش والجماعات المتطرفة من الأرض السورية، وساعد على بقاء نظام بشار الأسد الذى كان على وشك الانهيار لولا التدخل العسكرى الروسى، وصحيح أيضاً أن التدخل الروسى حافظ بصورة ما على الدولة السورية التى كان يتهددها خطر السقوط بكل تداعياته المرة، ابتداءً من هجرة ما يقرب من 11 مليون سورى غادروا قراهم ومدنهم بحثاً عن ملاذات آمنة فى أى من دول الجوار الجغرافى خاصة لبنان والأردن ومصر أو فى أوروبا عبر الحدود التركية إلى بحر إيجا وجزر البلقان وصولاً إلى النمسا والمجر وسط أوروبا.. وما من شك أيضاً فى أن انهيار الدولة السورية -لا قدر الله- ربما أدى إلى تدمير استقرار الشرق الأوسط بما يحمله من آثار خطيرة على استقرار الأردن ولبنان والعراق، فضلاً عن أن تدمير الدولة الوطنية فى سوريا سوف يؤدى إلى تزايد حجم الصراعات الدينية والطائفية والعرقية فى المنطقة بأكملها ويشعل المزيد من الحرائق بين السنة والشيعة.. وبدلاً من أن تكون هذه المنطقة كما كانت لعهود طويلة فسيفساء بشرية تضم أعراقاً وأجناساً وطوائف مختلفة استطاعت أن تتعايش فى أمن وسلام، فإن استقرار الشرق الأوسط بأكمله كان يمكن أن يذهب أدراج الرياح، ومع ذلك فإن هذا التنوع العرقى والطائفى لا يبرر للروس تغيير هوية سوريا العربية.

ويصدق هذا القول أيضاً على إيران التى شاركت مع حزب الله فى الدفاع عن حكم بشار الأسد ودخلت بصورة مباشرة معارك عسكرية ساهمت فيها قوات الحرس الثورى الإيرانى وعدد بارز من القيادات العسكرية الإيرانية استشهد منهم عدد غير قليل، لكن ذلك لا يبرر لإيران مد نفوذها فى سوريا بما يمكنها من السيطرة على المصير السورى واختراق الأمن العربى وتكرار ما حدث فى العراق نتيجة تغيير هويته العربية تحت سلطة الاحتلال الأمريكى!

ويزيد من حجم المخاطر التى تهدد مستقبل سوريا أن الأزمة السورية التى كانت بنداً مهماً على جدول أعمال الجامعة العربية تم نقلها إلى الأمم المتحدة تحت ضغوط وزير خارجية قطر ورئيس وزرائها حمد بن جاسم الذى كان يملك قدراً كبيراً من السيطرة على قرار الأمين العام للجامعة العربية، ونجحت جهوده فى تغييب سوريا وشغور مقعدها فى الجامعة العربية، وكان الحصاد النهائى لجملة هذه المواقف أن العرب فقدوا تأثيرهم على مجريات الأزمة السورية عندما تركوا الحبل على الغارب لقوى غير عربية، تتضارب مصالحها، تتدخل فى الشأن السورى ليصبح المصير السورى معلقاً على مواقف موسكو وواشنطن وطهران وأنقرة وإسرائيل بينما العرب فى مقاعد المتفرجين!

ولعل الأخطر من ذلك الانقسام الذى حدث فى الموقف العربى بشأن الأزمة السورية عندما اعتبرت السعودية وقطر تحالف بشار وطهران خطراً على الأمن العربى، وأصبح ضمن أول مطالب المعارضة السورية المسلحة إسقاط نظام بشار الأسد فى إطار تسوية سلمية للأزمة بحيث يصبح زوال حكم بشار الأسد جزءاً أساسياً من شروط التسوية السلمية، فى مواجهة تحالف إيران وموسكو وإصرارهما على ضرورة الإبقاء على نظام حكم بشار خلال الفترة الانتقالية إلى أن تتم انتخابات رئاسية جديدة تجرى تحت إشراف الأمم المتحدة تقرر مصير بشار الأسد.

وفى خضم الانقسام العربى حول الأزمة وتضارب المصالح والأهداف لأطرافها المتعددة، التزمت مصر موقفاً مختلفاً يصر على ضرورة الحفاظ على الدولة السورية، لأن انهيار الدولة السورية يهدد استقرار الشرق الأوسط بأكمله، ويزيد من قوة جماعات الإرهاب ويوسع من نطاق انتشارها.. ومع الأسف تعمدت أطرف عديدة تشويه الموقف المصرى بادعاءات غير صحيحة بأن مصر تستهدف الحفاظ على نظام حكم بشار الذى ذبح شعبه وأفرط فى استخدام العنف، فى وجه مظاهرات السوريين السلمية التى خرجت من مدينة درعا جنوب سوريا لتشتعل شرارة الثورة وتزيد من حجم انتشار المظاهرات لتشمل كل أرجاء سوريا، وكانت مدينة حلب عاصمة سوريا الاقتصادية، وثانية كبرى مدنها، آخر المحافظات التى انضمت إلى ركب الثورة على نظام الأسد الذى حكم سوريا 40 عاماً تحت مظلة حكم حزب البعث السورى رغم أن الحكم كان فى جوهره حكماً طائفياً استند إلى قوة نفوذ العلويين داخل الجيش السورى!

وفى الحقيقة فإن الموقف المصرى من الأزمة السورية استهدف أمرين أساسيين لا ثالث لهما، أولهما الحفاظ على الدولة السورية لأن انهيار الدولة يحمل مخاطر شديدة تهدد استقرار الشرق الأوسط، وثانيهما لأن تفتيت الدولة السورية إلى كانتونات طائفية متقاتلة باسم السنة والشيعة والعلويين والدروز والأكراد، إضافة إلى الأقليات المسيحية، يعنى خراب المنطقة وتدمير دولها من الداخل، ولم يكن يدخل ضمن أهداف مصر فى موقفها من الحفاظ على الدولة السورية الحفاظ على حكم بشار الأسد، وكان موقفها منذ البداية يماثل مواقف غالبية المجتمع الدولى التى أجمعت على ترك مصير بشار الأسد للشعب السورى يقرره فى انتخابات رئاسية جديدة نزيهة تتم تحت إشراف الأمم المتحدة، ويشارك فيها كل أفراد الشعب السورى بما فى ذلك 12 مليون سورى مهاجر، سواء فى دول الجوار الجغرافى أو فى أوروبا، بحيث يدلى المهاجرون السوريون بأصواتهم فى مقار الأمم المتحدة بدلاً من السفارات السورية حرصاً على تمكينهم من الإدلاء بأصواتهم بحرية ودون شبهة تدخل، والأمر المؤكد أن ترك مصير بشار الأسد لشعبه يقرره فى انتخابات نزيهة يشكل أسلم الحلول وأفضلها بدلاً من أن تصبح قضية بشار الأسد ذريعة لتعويق عملية السلام.

كما كان يدخل ضمن حسابات مصر ضرورة العمل على إنجاز التسوية السياسية فى أسرع وقت ممكن بعد أن تحولت الأزمة السورية إلى كارثة إنسانية ضخمة، سقط فيها أكثر من نصف مليون قتيل ودمرت فيها مدن وأحياء ووكالات وأسواق وقيساريات تجارية تشكل معالم أثرية ينبغى الحفاظ عليها إضافة إلى أفواج الهجرة التى دقت أبواب أوروبا لتصبح عامل قلق للأمن الأوروبى، وحد الشعوب الأوروبية على ضرورة العمل لوقف هجرة السوريين والمسلمين إلى أوروبا بأى ثمن، ومكن أحزاب اليمين المتطرف من الصعود إلى السلطة فى عدد غير قليل من دول أوروبا، ولا يزال هذا التيار هو التيار الأغلب فى الغرب والولايات المتحدة.. وبالطبع لا نستطيع أن ننكر وجود تعاطف عميق فى الشارع المصرى تجاه الشعب السورى نتيجة هذه الكارثة الإنسانية الضخمة بسبب العلاقات الوثيقة بين الشعبين ولأن سوريا كانت حليف مصر فى حربهما عام 73 ضد احتلال إسرائيل للأرض العربية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل