المحتوى الرئيسى

محمد علي يكتب: سِرُّ النَصر.. في الاتحاد أم بشدَّة صلاح العباد؟ | ساسة بوست

02/15 16:23

منذ 1 دقيقة، 15 فبراير,2017

عندما أخبر الله تعالى ملائكته أنه سيخلق بشرًا على الأرض، تساءلت الملائكة مستغربة (أتجعل فيها من يفسد فيها ويهلك الحرث والنسل؟) وهذا التساؤل جاء لعلم الملائكة أن هذه المخلوقات الجديدة سَتُعطَى العقل وحرية الاختيار، وقد كان هذا التساؤل قبل أن يتمرد إبليس عليه لعنة الله على أوامر الله تعالى بالسجود لآدم ويتعهد بإغواء ذريته واحتناكها (لأحتنكنَّ ذريته) وإتيانها عن اليمين والشمال والخلف والأمام إلى يوم الدين؟

في الحديث القدسي الذي يرويه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَرْسَلَ جِبْرِيلَ إِلَى الْجَنَّةِ، فَقَالَ: انْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، قَالَ: فَجَاءَهَا وَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهِ قَالَ: فَوَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ قَدْ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ، قَالَ: اذْهَبْ إِلَى النَّارِ، فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلَهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهَا، فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا».

إذن فقد خلق الله تعالى البشر بطبيعة خطاءة وزرع فيهم غريزة الشهوة وأعطاهم العقل ليفكروا ويكبحوا جموح شهواتهم، وندر منهم من ينجو، ولذلك فمن غير الممكن أن تجد بشرًا لا يخطئ أبدًا أو معصومًا – إلا طبعًا من عصم الله تعالى من أنبيائه – فالبشر ليسوا ملائكة ولن يكونوا كذلك (قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزّلنا عليهم من السماء ملكًا رسولًا) ولكن في طبيعة البشر لا عصمة لأحد عن الخطأ وهذا أمر ثابت أقرته أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم)، (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) وكذلك ورد في أمثال العرب قديمًا مدحٌ لمن قَلَّت معائبه (كفى المرء فضلًا أن تعد معايبه).

فموضوع أن نصل بغالبية الأمة إلى مرحلة القدسية أو المثالية المطلقة،هذا أمر غير وارد ولم يحدث حتى في عهود الأنبياء؟ فها هم خير القرون، صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يخافون أن تفوتهم الغنائم يوم أحد فيخالفون أمر نبيهم وينزلون عن جبل الرماة ويصيبهم من البأساء ما أصابهم، وفي حنين أيضًا أصابهم العُجب واغتروا بقوتهم فهزموا وولوا مدبرين. لكن الأمر الذي لا مفر منه لتحقيق النصر هو الاتحاد والتوكل على الله (واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا) (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًا كأنهم بنيان مرصوص)، وقد نقل لنا التاريخ قصصًا كثيرة عن انتصار المسلمين في توحدهم رغم قلة العدد والعدة، ابتداءً من حصار شعب أبي طالب الذي أكل فيه المسلمون – وكان فيهم مشركون أيضًا – أكلوا أوراق الشجر ولم ينفلت عقد توحدهم لنصرة الحق، مرورًا بغزوة الخندق التي اجتمعت فيها كل قوى الشر في ذلك الزمان وحاصروا المدينة مستعينين باليهود الذين نقضوا العهد ومعولين على خيانة المنافقين، إلا أن اتحاد المسلمين خلف نبيهم وقائدهم أبطل كل المؤمرات وقلب السحر على الساحر، كذلك في زمن التتار الذين اجتاحوا أغلب الديار ولم يستطع أن يقف في وجههم أحد، استطاع جلال الدين ابن خوارزم شاه أن يجمع كلمة المسلمين في مدينة صغيرة في أفغانستان تسمى (خزنة) فانضم إليه (نجم الدين بغراق) أحد ملوك الأتراك بثلاثين ألف مقاتل ثم انضم إليه أيضًا الجنود الخوارزمية الذين فروا من المدن المختلفة أمام التتار وانضم إليه (ملك خان) أمير مدينة هراة، ودارت معركة حامية مع التتار استمرت ثلاثة أيام هُزم فيها التتار هزيمة نكراء، كانت أول مرة يهزم فيها التتار في بلاد المسلمين قبل عين جالوت، وأرسل بعدها جلال الدين إلى جنكيز خان يتوعده ويطلب النزال، فأرسل جنكيز خان جيشًا عظيمًا لكنه هُزم مرة أخرى بفضل وحدة المسلمين، بل واستطاع المسلمون أيضًا استنقاذ عشرات آلاف الأسرى من أيدي التتار. لكن فرحة النصر لم تكتمل، إذ هُزموا في الثالثة شرَّ هزيمة،أتعرفون لماذا؟ لأنهم اختلفوا على توزيع الغنائم وتفرقوا وذهب كل حزب بما لديهم فرحين، يتبادلون الاتهامات وينسبون لأنفسهم سبب النصر؛ فوقعوا فريسة التتار وذهبت ريحهم مع التيار، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الغفار.

فيا كل العاملين ويا كل المجاهدين ويا كل المسلمين اعلموا أن خلافاتكم الفرعية مهما عظمت في أعينكم لا تساوي في ميزان الله جناح بعوضة ولا تدنيكم من النصر قيد أُنملة، وإنما كلمة السر ومفتاح النصر هو الوحدة والوحدة فقط (اتحدوا قبل أن تندثروا).

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل